في تقريره في "معهد واشنطن" يؤكد ديفيد ماكوفسكي أن
الخلافات السياسية بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين
نتنياهو والرئيس الأمريكي
جو
بايدن أصبحت أكثر بروزا، خصوصا في الملفات الثلاثة: أوليات الحرب، ومستقبل
غزة،
والعلاقات الإسرائيلية العربية.
أهداف الحرب ومصير الرهائن
في 18 كانون الثاني/ يناير، أكد نتنياهو مجدداً أن "إسرائيل"
تسعى لـ"انتصار كامل" على "حماس"، وأفادت بعض التقارير بأنه أخبر
القادة المحليين في المجتمعات الجنوبية المجاورة لغزة بأنه يتوقع استمرار القتال حتى
عام 2025.
ويرى وزير الجيش، يوآف غالانت، أن "إسرائيل" لن
تتمكن من تحرير الرهائن إلا بمواصلة ممارسة الضغط العسكري على "حماس". إلا
أنه على الرغم من العمليات الكبرى لم يتم إطلاق أي رهائن آخرين منذ شهر تشرين الثاني/
نوفمبر.
أما غانتس وغادي آيزنكوت، رئيس أركان سابق آخر في الجيش الإسرائيلي
الذي يمثل حزب "الوحدة القومية" في مجلس الوزراء الحربي، فيُقدّمان وجهة
نظر معاكسة، إذ يعتبران أن الرهائن المتبقين محتجزون في ظروف صعبة منذ أكثر من 100
يوم ويجب أن يكونوا أولوية قصوى الآن، حتى وإن كان ذلك يتطلب تأمين إطلاق سراحهم تمديد
وقف القتال.
وربما تكون واشنطن أكثر تعاطفاً مع موقف نتنياهو إذا تمكن
من إقناع البيت الأبيض بأن "إسرائيل" تقف على أعتاب النصر، ولكن هذا ليس
هو الحال حتى باعترافه الخاص.
وبحسب ماكوفسكي فإنه في الوقت نفسه، يحجم المسؤولون الأمريكيون
عن إرغام "إسرائيل" على إنهاء الحرب نظراً لأنها ترى "حماس" كتهديد
أمني لا يمكن تقبّله بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وبالتالي فإنه يبدو أن إدارة بايدن تأمل
في أن يتم حل الخلاف الإسرائيلي الداخلي (أي إعطاء الأولوية لإطلاق سراح الرهائن أو
استمرار القتال) بطريقة توفر مخرجاً دبلوماسياً من الحرب.
الخلاف حول "اليوم التالي"
صرح غالانت بأن "إسرائيل" لا تريد توفير خدمات مدنية
لقطاع غزة بعد الحرب، حيث أشار في الأسبوع الماضي إلى أن وجود "سلطة فلسطينية"
قوية يصب في مصلحة الأمن القومي الإسرائيلي. وفي المقابل، يرفض نتنياهو منح أي دور
"للسلطة الفلسطينية" في غزة بعد الحرب.
ويثير هذا الخلاف على وجه التحديد تساؤلات جوهرية الآن بعد
أن بدأت "إسرائيل" بالابتعاد عن تنفيذ عمليات قتالية كبيرة في أجزاء من شمال
غزة. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يمكن أن يعود سكان شمال القطاع المقدر عددهم بمليون
نسمة والذين هربوا إلى جنوب القطاع، إلى منازلهم قريباً؟ وإذا كان الأمر كذلك، فمن
الذي سيفرض النظام العام ويؤمن الخدمات الأساسية؟ وإذا رفضت "إسرائيل" منح
أي دور "للسلطة الفلسطينية"، فما هي الخيارات الأخرى؟
صمت بايدن ونتنياهو
على الرغم من أن بايدن ونتنياهو أجريا ستة عشر اتصالاً هاتفياً
في الأسابيع التي أعقبت هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، إلّا أنهما لم يتحدثا مباشرة
منذ حوالي شهر قبل الاتصال الذي جرى في التاسع عشر من كانون الثاني/ يناير، حتى مع
تعدد المواضيع التي تشملها الخلافات بين الطرفين، وأولها وقف وزير المالية الإسرائيلي
سموتريش تحويل بعض عائدات ضرائب "السلطة الفلسطينية" التي تجمعها "إسرائيل"
وتُستخدم بعد ذلك لدفع رواتب الموظفين في غزة. وفي معرض ردها، قالت "السلطة الفلسطينية"
إنها لن توافق على تحويل العائدات جزئياً، الأمر الذي قد يحرم موظفي الضفة الغربية
وعناصر الأمن من رواتبهم أيضاً. وقد أعطى الرئيس بايدن هذه المسألة الأولوية نظراً
للمصلحة المشتركة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" والمتمثلة في تجنب اندلاع
أعمال عنف في الضفة الغربية، ولكن لم يتم إحراز أي تقدم حتى الآن.
وينطبق الأمر نفسه على بعض المطالب الأمريكية الأخرى، مثل
زيادة المساعدات الإنسانية بما يتجاوز الـ 200 شاحنة التي تدخل غزة يومياً، وضمان امتناع
الجيش الإسرائيلي عن تنفيذ أي ضربات بالقرب من المخيمات في جنوب غزة. إلا أنه لم يتم
حل هذه القضايا في الاتصال الهاتفي الذي جرى في التاسع عشر من كانون الثاني/ يناير.
ويشعر مسؤولو الإدارة الأمريكية بالقلق من أن نتنياهو لن
يقف في وجه سموتريتش أو غيره من وزراء اليمين المتطرف، في حين أن الرئيس بايدن خاطر
سياسياً مع التقدميين في قاعدته بدعمه "إسرائيل".
ترابط سعودي فلسطيني
تدرس واشنطن مبادرة دبلوماسية عربية-إسرائيلية أوسع نطاقاً
بمجرد انتهاء الحرب، وستكون "تل أبيب" في وضع يخوّلها رسم معالم هذه الخطة إذا حسّن نتنياهو
علاقته مع بايدن. وفي هذا الإطار، أوضح مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان،
خلال تصريحاته في قمة "دافوس" السنوية التي انعقدت في 16 كانون الثاني/ يناير،
أن تحقيق تقدم في العلاقات بين المملكة العربية السعودية و"إسرائيل" مرتبط
برسم أفق سياسي للفلسطينيين.
وفي اليوم نفسه، صرّح الوزير بلينكن لشبكة "سي إن بي
سي" بأن الدول العربية أكدت استعدادها لتقديم "ضمانات" إقليمية لـ"إسرائيل"
إذا مضت قدماً مع الفلسطينيين. إلا أن المسؤولين الإسرائيليين لطالما اعتبروا أن الضمانات
الأجنبية لا معنى لها ما دامت الجماعات "المتطرفة" مثل حركة "حماس"
قادرة على التفوق على "السلطة الفلسطينية"، لا سيما عندما تحجم الدول العربية
على الأرجح عن استخدام القوة لتقييد الحركة.
ووفقاً لاستطلاعات الرأي الأخيرة، فإنه لا يزال الجمهور الإسرائيلي
ممتناً للغاية للدعم القوي الذي قدمه الرئيس بايدن خلال الحرب، وبذلك يدرك نتنياهو
أنه لا يمكن أن يُنظر إليه على أنه يعتبر المساعدة الأمريكية التي لا يمكن الاستغناء
عنها أمراً مفروغاً منه. ولكنه قد يعتقد في الوقت نفسه أن أي مبادرة دبلوماسية عربية
قد تكون ذات آفاق محدودة على المدى القريب لأن الحرب لن تنتهي في أي وقت قريب. وبالتالي، فإن من المحتمل أنه يفكر في اتباع مسار آخر.
وفي الوقت الحالي، تشهد الأصوات المؤيدة لنتنياهو تراجعاً
كبيراً، ولذلك فإنه سيتفادى إجراء انتخابات على المدى القريب إذا أمكنه ذلك، على الرغم من
أنه وفقاً لبعض المصادر يريد 63 في المائة من الإسرائيليين إجراءها الآن. ومع ذلك، فإنه إذا اضطر إلى خوض حملة سياسية، فسيقوم على وجه الافتراض بتصوير نفسه على أنه حامي "إسرائيل"
من أي مسعى أمريكي لإقامة دولة فلسطينية، وهو ما يدّعي أنه سيجعل البلاد أكثر عرضة
للخطر.