شمال غزة، المنطقة التي كانت ساحة للمعارك وهدفا للاحتلال ومسرحا لموجة قصف غير مسبوقة، تعود مجددا لواجهة الأحداث بعد الحديث عن عودة السكان إلى تلك المناطق.
توالت انسحابات قوات
الاحتلال من شمال غزة تحديدا من بيت حانون وبيت لاهيا بالإضافة لأجزاء من مخيم الشاطئ، وادعى الاحتلال تمكنه من تحييد لواء الشمال التابع لكتائب القسام في تلك المنطقة.
في المقابل نفت حركة حماس، صحة مزاعم الاحتلال، مؤكدة أن اللواء بخير والمقاومة لا تزال تمسك بزمام المبادرة.
وأكدت المجريات على الأرض حديث "حماس"، إذ شنت
المقاومة أول أمس الثلاثاء، قصفا مركزا على الأراضي المحتلة طال "تل أبيب" بصواريخ انطلقت من شمال القطاع.
إقرار بالفشل
وبدا ملاحظا خلال الأيام الأخيرة تغير لهجة قادة الاحتلال والمسؤولين الأمريكيين تجاه الأحداث في غزة حتى اختفى الحديث عن
التهجير أو إعادة احتلال القطاع.
وقال رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أمس الأربعاء: "إنه ليس لدى حكومته أي نية لاحتلال غزة بشكل دائم أو تهجير سكانها المدنيين".
جاء هذا بعد يوم من إعلان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني
بلينكن "الاتفاق مع إسرائيل على إرسال بعثة أممية إلى شمال غزة لتقييم الأوضاع بشأن عودة النازحين"، مؤكدا أن "واشنطن تريد أن تنتهي الحرب في أقرب وقت ممكن".
وأضاف بلينكن، أنه "ينبغي إتاحة فرصة عودة الفلسطينيين إلى ديارهم بمجرد أن تسمح الظروف بذلك، مؤكدا رفض أمريكا لأي مقترحات تتبنى فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة".
وقال موقع واللا العبري: "إن إسرائيل ستسمح لوفد من الأمم المتحدة بالدخول إلى شمال قطاع غزة بهدف فحص البنية التحتية والاحتياجات الخاصة لعودة النازحين الى بيوتهم".
في المقابل ذكر الموقع، أن "المسؤولين الاسرائيليين أكدوا أن عودة السكان مرتبطة بمسألة الوضع في المنطقة وبمشروطة بإحراز تقدم في مفاوضات الإفراج عن
الأسرى".
وكانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، ذكرت أمس، أن "حكومة نتنياهو رفضت طلب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن السماح لسكان غزة بالعودة إلى الشمال حتى يتم التوصل إلى اتفاق جديد لإعادة الأسرى".
فوضى القرارات
ويرى المحلل السياسي إبراهيم المدهون، أن نتنياهو وحكومته لا يمتلكون رؤية واضحة للتعامل سواء أثناء الحرب أو ما بعدها، لا سيما أن هناك انقساما داخل المنظومة الإسرائيلية، فاختلاف الرؤى بات واضحا بين نتنياهو وجنرالات الحرب.
وقال المدهون في حديث لـ "عربي21": "بالنظر إلى تلك الأسباب تجد أن نتنياهو لا يستطيع إعطاء أي وعد للولايات المتحدة خصوصا أنه يقود حكومة متطرفة، التي قال أحد أعضائها وهو بن غفير إن إسرائيل ليست النجمة الحادية والخمسين الأمريكية".
وأضاف، أن "الاحتلال يقف بالمنتصف ويستنزف ويبدو عاجزا عن اتخاذ أي قرار، وجاءت تصريحات بلينكن الأخيرة لتضع عقبات أمام الاحتلال وتعرقل طموحات نتنياهو بأن يفرض التهجير القسري أو الطوعي على الفلسطينيين".
وتابع: "من المبكر. الحديث أن هدف التهجير فشل نهائيا، لكن يبدو من الصعب الآن الحديث عن التهجير في ظل الرفض الدولي خصوصا الولايات المتحدة والموقف العربي وعلى رأسه مصر والأردن".
ووفقا للمدهون، فإن "الاحتلال بات يقايض عودة أهل الشمال إلى مناطقهم بالأسرى، وهي مقايضة فاشلة أصلا، فالاحتلال اليوم يبحث عن سلم للنزول عن أهدافه التي أعلنها بداية المعركة".
وأوضح، أن "الاحتلال سيحاول محاولات أخيرة لفرض معادلات تهجير ولو شكلية، حيث يعجز عن الإقرار بفشله سواء بملف التهجير أو الحسم العسكري أو تغيير واقع غزة وإنهاء حركة حماس".
أحلام نتنياهو
وأشار المدهون، إلى أن "الاحتلال لم يحقق أي من الأهداف التي أعلن عنها، هو قام بحملة تدمير وإبادة، وتلك سببت تآكل سمعة الاحتلال وهذا ما دفع جنوب أفريقيا لرفع دعوى ضده وهذا يضغط على الاحتلال ويضره استراتيجيا".
وتابع: "بعد فشل الاحتلال بتحقيق أهدافه يجب أن يذعن للوقائع الجديدة، فهو لم يستطع أن يحسم عسكريا ولم يعد الأسرى كذلك عجز عن تهجير الشعب الفلسطيني".
وحول استثمار الواقع الجديد قال إبراهيم المدهون: "إن هناك استحقاقات جديدة أمام الفشل الإسرائيلي ولهذا تحاول الولايات المتحدة إنقاذ إسرائيل من قادتها ومن فشلها الذريع بالرغم من الدعم الأمريكي والمشاركة في العدوان هذا فضلا عن حمايتها الاحتلال من أي محاسبة".
العودة "أقل ما يُطلب"
من جهته يرى الباحث السياسي الفلسطيني محمود الشجراوي، أن "حكومة الاحتلال تبدو أنها الوحيدة التي لا تطيع الأمريكيين، فلو طلب أمرا مماثلا من أي دولة عربية لكان بمثابة الأمر ولهذا عجزت الدول العربية عن نصرة غزة".
وقال الشجراوي في حديث لـ "عربي21": "إن بلينكن يجلس أمام نتنياهو كأنه موظف في وزارة إسرائيلية وهذا يختلف تماما عن موقف بلينكن في الدول الأخرى ومنها العربية حيث إن ما يبدو هناك هو الآمر الناهي".
وأضاف، أن "عودة النازحين لشمال غزة هو أقل ما يمكن أن يطالب به الاحتلال فالمفروض أن يحاسب على مجازره هناك وتعويض السكان عن الأضرار التي لحقت بهم فضلا عن مسؤولية حكومة نتنياهو عن دمار أحياء كاملة في القطاع".
نجاح بالقتل
وحول فشل الاحتلال بحربه أكد الشجراوي، أن "الاحتلال لم يحقق أيا من أهدافه وعلى رأسها القضاء على ’حماس’ وإيقاف إطلاق الصواريخ على المدن المحتلة فضلا عن هدف تهجير سكان غزة لسيناء".
وتابع: "الآن بعد أكثر من ثلاثة أشهر من المعركة تلاشت هذه الأهداف فحماس لا تزال متماسكة وتقاوم في القطاع، كذلك الصواريخ حتى الآن تدك المدن المحتلة، هذا فضلا عن إمساك المقاومة بزمام المبادرة هناك وهي يوميا تحرق فخر جيش الاحتلال (دبابة الميركافا) في غزة".
لكن النجاح الوحيد للاحتلال هو المقتلة الكبيرة والمجزرة التي ارتكبها الاحتلال ضد النساء والأطفال، وسياسة التدمير التي مارسها ضد القطاع وبنتيه التحتية، بحسب الشجراوي.
صمود سكان غزة
وأشار الباحث السياسي الفلسطيني محمود الشجراوي، إلى أن "صمود غزة أفشل مخطط التهجير، فالشعب الغزاوي ما زال صابرا رافضا للخروج من أرضه، ولن يسمح بتكرار النكبة الثانية، كما أنه يقف وبقوة في ظهر المقاومة الفلسطينية".
وأردف، بأن "صمود سكان غزة أربك الاحتلال، وهذا الصمود أمام العدوان لم يكن بحسبان الاحتلال وحلفائه بهذه الطريقة، فهم راهنوا أن الحاضنة الشعبية للمقاومة ستضعف بعد الحرب وهذا لم يحدث".
وقارن الشجراوي بين موقف سكان غزة تحت القصف وتأييدهم للمقاومة وبين دولة الاحتلال التي يهرب سكانها إلى الخارج بينما يثبت سكان القطاع في أرضهم.
وختم بالقول، إن "صمود الغزيين يعد سلاحا استراتيجيا برهن أنه أقوى من طائرات الاحتلال وأقوى من القنابل التي أسقطت على القطاع، ولهذا ترى مشاهد صبر وصمود الغزيين انتشرت سريعا حول العالم".