أثار إعلان رئيس الوزراء
العراقي، محمد شياع
السوداني، الجمعة، تشكيل لجنة ثنائية بين واشنطن وبغداد لإنهاء تواجد
التحالف
الدولي، تساؤلات حول مستقبل
العلاقة بين البلدين، ومدى قبول الولايات المتحدة
إخلاء القواعد العسكرية، خصوصا أن هذه الدعوات صدرت من حلفاء إيران.
وتتواجد قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات
المتحدة الأمريكية في العراق منذ اجتياح تنظيم الدولة لثلث مساحة العراق، عام
2014، وينفّذ بين الحين والآخر ضربات جوية تستهدف معاقل التنظيم، ويقدّم المعلومات
والمشورة والتدريب إلى القوات العراقية.
تداعيات محتملة
من جهته، قال المحلل السياسي العراقي، فلاح
المشعل، إن "تواجد قوات التحالف الدولي بقيادة القوات الأمريكية جاءت بطلب من
العراق، وجرى توثيق ذلك في الأمم المتحدة وبموافقة دولية، لهذا فإن إلغاء وجودهم
ليس بالأمر السهل والسريع كما يتصور البعض".
وأضاف المشعل في حديث لـ"عربي21" أنه
"ينبغي أن يصار إلى تفاوض وتقديرات قبل ذلك، لأن الأمم المتحدة حينما اتخذت
القرار لإرسال قوات التحالف فإنه جاء بناء على احتلال تنظيم الدولة لعدد من المدن
العراقية، وبالتالي فقد حصل بناء على معطيات".
ولفت إلى أن "أي إجراء مغاير أيضا لا بد أنه
سيخضع إلى التقييم من قوات التحالف أولا التي جاءت وكافحت تنظيم الدولة وأنه حقق غطاء
جويا وتسليحا أرضيا، لذلك فإخراجهم ليس بهذه السرعة والسهولة، وربما تعترض القوات
الدولية والأمريكية".
وأكد المشعل أن "واشنطن تحدثت أكثر من مرة
عن بقاء طويل الأمد في العراق، وهذه ضمن استراتيجيتها في الشرق الأوسط، فضلا عن
تفاقم الأوضاع حاليا، سواء في غزة أو البحر الأحمر وغيرها، وهناك تداعيات كثيرة
تبعد احتمالية خروج الأمريكيين من العراق وترك قواعدهم".
أما قطع العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية
وغلق السفارة، فإن المشعل أكد أن "هذا يعدّ موقفا عدائيا، خصوصا أن النظام
السياسي الحالي لم يكن موجودا قبل 20 عاما، فهو صنيعة أمريكا نفسها، لذلك لا أعتقد
وجود مثل هذه الإمكانيات للعراق".
وتابع: "هذا التوجه السياسي صدر من الفصائل
الشيعية القريبة من إيران، لكن هناك قوى سياسية كردية وأخرى سنية ومدينة غير
منخرطة بالمشروع الإيراني، وهؤلاء كلهم يجعلون من مطالبة غلق السفارة وقطع
العلاقات ليس بالأمر اليسير".
ولفت المشعل إلى أن "رئيس الوزراء وإن تحدث
بموضوع إنهاء تواجد قوات التحالف في العراق، لكنه واقع تحت ضغوط شديدة منذ أيام".
وأكد الخبير العراقي أنه "منذ وجود قوات
التحالف لم تسقط مدينة عراقية لأنهم يساعدون العراقيين بتشخيص المناطق الرخوة فهم
لديهم الاستطلاع والسيطرة الجوية. وبدون هذه العناصر يبقى البلد وضعه الأمني هشا،
وإن مسألة إنهاء وجودهم لا بد أن تخضع للتقدير التقني وليس للمزاج السياسي".
وشدد المشعل على أنه "إذا افترضنا وانسحبت
القوات الأمريكية وسفارة واشنطن من العراق، فإن الموقف سيتحول إلى
موقف عدائي، ويحسب العراق على إيران، فهو اليوم نصفه أو أكثر في الحضن الإيراني،
وبعدها سيكون بالكامل إلى إيران".
وبيّن المشعل أن "هذا الأمر سيحقق عزلة
لإقليم كردستان، وعلى الأقل فإن أربيل ودهوك ستنفصلان عن البلاد تماما، وربما يكون
برعاية أمريكية، وهذا الأمر نفسه ينطبق على محافظة الأنبار أيضا، لأن الأمريكيين
لن ينسحبوا من قاعدة عين الأسد".
ومن الجانب الاقتصادي، يؤكد المشعل أن
"العراق مرتبط ارتباطا عضويا شديدا بالولايات المتحدة، لأنه حينما يبيع النفط
فإن وارداته تدخل في حسابه بالبنك الفيدرالي الأمريكي، وأن الأخير هو من يحوّل
الأموال إلى بغداد لتغطية الموازنة المالية".
وأردف: "إذا تخلت أمريكا عن بغداد، فإن
الكثير من الأطراف الدولية ستطالب العراق باستحقاقات مالية تاريخية متراكمة منذ
زمن النظام السابق (برئاسة صدام حسين) وبالتالي فستذهب الأموال التي في البنك
الفيدرالي نهب هذه الدول".
جدولة طويلة
في المقابل، رأت الباحثة في الشأن السياسي
العراقي، نوال الموسوي، أن "طلب جدولة انسحاب قوات التحالف الدولي في ظل التحديات
التي تشهدها المنطقة وتحديدا العمليات التي تقودها الولايات المتحدة ضد بعض عناصر
"تنسيقية المقاومة" في العراق، ربما يكون أداة للضغط تمارسها
الحكومة
العراقية".
وأوضحت الموسوي لـ"عربي21" أن
"الحكومة تضغط على التحالف الدولي في محاولة منها لتقليص الاستهدافات
المباشرة للكيانات العراقية السياسية والمسلح منها، خصوصا بعد استهداف أحد قيادات
حركة النجباء قبل يومين".
ولفتت إلى أن "الحكومة العراقية تحاول
إعادة صياغة العلاقة مع الولايات المتحدة، والتي تبنتها الحكومات السابقة من خلال
الاتفاقية الأمنية الاستراتيجية مع أمريكا، وهذا يبدو واضحا من كثافة تبادل
الزيارات مع السفيرة الأمريكية في بغداد ألينا رومانوسكي، والتي تركز دائما على
مبدأ الشراكة الاستراتيجية طويلة الأمد".
وبحسب الموسوي، فإن "المرحلة الحالية لها
تجلياتها، لأننا نعيش حاليا تحديدات إقليمية، وأن أحد أهم هذه التجليات هي مطالبة
التحالف الدولي الانسحاب من العراق، رغم أن الأخير بحاجة للدعم الدولي من قوة عظمى
ومظلة دولية تحمي حدوده، لأنه لا يمتلك أجهزة رصد ورادارات وتقنيات الدفاع الجوي".
وتابعت: "لذلك فالموضوع الحالي يفسّر بأنه
نوع من أدوات الضغط الحكومية على التحالف الدولي في محاولة لعدم التصعيد في العراق
تجاه ما يسمى بوحدة الساحات، وإن كانت هناك العديد من التفاهمات تجري حاليا بين
الجانبين الأمريكي والعراقي".
وأعربت الموسوي عن اعتقادها بأن "جدولة
انسحاب التحالف الدولي من العراق ستكون خلال مدة زمنية مطولة، والتي لم توضع بعد
رغم أننا نسمع بها منذ عامين تقريبا".
وأكدت الباحثة أن "الجانب الأمريكي أعرب في
أكثر من مرة عن تمسكه بالعلاقات مع العراق، وهذا ما يتضح بالعديد من تصريحات
السفيرة الأمريكية، وخصوصا خلال اتصالات المسؤولين الأمريكيين مع رئيس الوزراء
محمد شياع السوداني، والتي تركز على ديمومة العلاقة".
واستبعدت الموسوي أن "يحصل انسحاب كامل
للقوات الأمريكية كما حصل في عام 2011، وإنما يجري جدولة لها عبر تواريخ معينة،
وأن الاتفاقية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة تجدد كل عام أو عامين بحسب مقتضيات
المرحلة، بالتالي فنحن بحاجة إلى إعادة تنظيم هذه الاتفاقية".
وتوقعت الباحثة أن "الولايات المتحدة لن تقبل
بترك المنطقة، وتحديدا في ظل التحديات الدولية والإقليمية، إضافة إلى الصراع الإقليمي
القوي بين الصين وروسيا تجاه تعزيز تواجدهم في العراق".
كما أنها توقعت عدم تقلص عمليات القوة المفرطة التي
تستخدمها الولايات المتحدة ردا على استهداف مراكز تواجدها بالعراق، خصوصا في ظل
التحديات الإقليمية واستمرار
التوتر بين طهران وواشنطن، والحرب القائمة في غزة
والتنافس الدولي على المنطقة.
ونوهت الموسوي إلى أن قواعد الاشتباك لا يزال
بالإمكان الرجوع إليها، متى ما تحلت دول الممانعة بالتأني، خصوصا بعد تشجيع المرشد
الإيراني علي خامنئي على اتخاذ خطوة الصبر الاستراتيجي، وبالتالي قد تعود هذه على
الفصائل الموجودة بالعراق، ولن يكون هناك تصعيد".
وخلصت الباحثة إلى أنه "نظرا إلى جميع
التحركات الضاغطة خصوصا من الجانب الإسرائيلي، فإنني أعتقد أن المنطقة مقبلة على
تصعيد خطير، وهذا قد نشهده في العراق تحديدا".