طغى ملف الاعتقالات على أحداث
تونس السياسية، على كامل
عام 2023، فقد شهدت البلاد حملة اعتقالات واسعة طالت عشرات السياسيين البارزين وأساسا من المعارضة وعن جميع الأحزاب.
وشملت الاعتقالات رجال أعمال بارزين وسجن صحفيين وإحالة الكثيرين منهم على التحقيق، وقد لاقت هذه الحملة رفضا واسعا بتحركات احتجاجية وإضرابات واعتصامات.
تطورات متسارعة عاشتها البلاد على كامل عام 2023، أهمها أيضا غلق كافة مقرات الحزب الأكبر بالبلاد حركة "النهضة" وغلق مقر جبهة "الخلاص" المعارضة وعدد من الإقالات الوزارية وهروب سجناء تتعلق بهم قضايا إرهابية.
وشهدت السنة السياسية بتونس بدء عمل البرلمان الجديد بعقد أول جلسة عامة في آذار / مارس، وطالت رئيسه انتقادات واسعة بسبب قانون تجريم التطبيع، وانتهى العام على تنظيم أول انتخابات للمجالس المحلية.
تسلسل الأحداث
مع بداية شهر كانون الثاني/ يناير وفي الثاني منه، تم الإعلان عن إحالة رئيس هيئة الدفاع عن القضاة المعفيين المحامي والمناضل السياسي العياشي الهمامي، على التحقيق بمقتضى الفصل 54 بتهمة نشر إشاعات كاذبة وبروز حملة تضامن واسعة معه، ليمثل في العاشر من الشهر نفسه على التحقيق والإبقاء عليه بحالة سراح.
يوم الثالث من يناير، تم الإعلان عن إحالة رئيس جبهة "الخلاص المعارضة " أحمد نجيب الشابي والمحامي رضا بالحاج على التحقيق بسبب شكوى من رئيسة الحزب "الدستوري الحر" عبير موسي.
وفي الرابع عشر من يناير، كانت ذكرى الثورة خرج الآلاف من التونسيين من مختلف الحساسيات في تحركات احتجاجية تطالب بإسقاط الانقلاب وعودة الشرعية.
في العشرين من يناير، تم صدور أحكام عن المحكمة العسكرية ضد نواب ائتلاف الكرامة والتي تراوحت بين السجن مع النفاذ العاجل ضد النائب والمحامي سيف الدين مخلوف و5 أشهر ضد محمد العفاس و11 شهرا بالسجن ضد المحامي مهدي زقروبة وحرمانه من ممارسة مهنته لمدة خمسة أعوام.
وبعدها بأيام مثلت عضو جبهة الخلاص الوطني شيماء عيسى، على التحقيق بالمحكمة العسكرية وتم الإبقاء عليها بحالة سراح.
أحداث كثيرة عرفها الشهر الأول من سنة 2023، من بينها أيضا إقالة وزيرة التجارة وإجراء الدور الثاني للانتخابات التشريعية وإيداع 37 شكاية ضد وزيرة العدل ليلى جفال.
اعتقالات وإيداعات
شهد شهر شباط/ فبراير 2023 في تونس، حملة اعتقالات واسعة ومتسارعة انتهت معظمها بالإيداع بالسجن ففي الحادي عشر من الشهر تم اعتقال الناشط السياسي خيام التركي ، رجل الأعمال كمال اللطيف ، السياسي عبد الحميد الجلاصي والدبلوماسي السابق المنصف عطية واتهامهم "بالتآمر على أمن الدولة".
في اليوم نفسه، تتوسع الاعتقالات لتشمل وزير العدل السابق نور الدين البحيري والمحامي والسياسي الأزهر العكرمي وصاحب إذاعة خاصة الصحفي نور الدين بوطار، وفي التاسع عشر من نفس الشهر إصدار بطاقة إيداع بحق القاضي المعزول البشير العكرمي.
في الحادي والعشرين من فبراير، يتم التحقيق مع رئيس حركة النهضة راشد
الغنوشي لساعات طويلة والإبقاء عليه بسراح في ملف يتعلق بشكاية تقدم بها نقابي أمني.
تتطور الأحداث ليتم إيقاف كل من الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي، والمناضل عز الدين الحزقي وعضو جبهة "الخلاص" جوهر بن مبارك وشيماء عيسى وغازي الشواشي.
في الخامس والعشرين من فبراير، تم صدور بطاقات إيداع لجميع المعتقلين باستثناء الحزقي الذي تم الإفراج عنه.
وإثر حملة الاعتقالات الواسعة الرئيس سعيد يتحول لمقر وزارة الداخلية ويتهم من تم اعتقالهم بالإرهابين الذين يجب محاسبتهم وأن البلاد تمر بمرحلة دقيقة وخطيرة.
وعرف نفس الشهر عدة تطورات سياسية بالبلاد حيث تم إعفاء وزير الخارجية عثمان الجرندي وتعيين نبيل عمار خلافا له، وحديث سعيد عن المهاجرين ومحاولات تغيير التركيبة الديمغرافية لتونس وهو ما أثار جدلا واستنكارا واسعا داخليا وخارجيا.
اعتقال الغنوشي
تواصلت حملة الاعتقالات بتونس خلال شهري آذار/ مارس ونيسان/ أبريل وهو ما زاد من تعميق الأزمة السياسية بالبلاد .فمنذ اليوم الثاني لشهر آذار صدرت بطاقة إيداع بالسجن بحق القيادي البارز بحركة النهضة السيد الفرجاني كما أنه تم بعد ذلك بأيام إيقاف القيادي الحبيب اللوز، والصادق شورو والوزير السابق محمد بن سالم والمكلف بالإعلام في حركة النهضة عبد الفتاح التاغوتي.
وفي السابع عشر من آذار/ مارس، وزير الداخلية توفيق شرف الدين يعلن استقالته ليصدر بعد ساعات بلاغ رئاسي يتحدث عن إقالة الوزير.
وعرف شهر مارس عقد أول جلسة عامة للبرلمان الجديد بعد انتخابات تشريعية لم تتجاوز فيها نسبة التصويت 11 بالمئة .
ومع دخول شهر نيسان/ أبريل اتسم الوضع السياسي بالبلاد بتأزم حاد بدأ بإعلان جميع المعتقلين رفضهم الخروج من السجن والذهاب إلى التحقيق نظرا لسوء ظروف نقلهم على متن "سيارة التعذيب".
في السابع عشر من أبريل حادث بارز داخليا وخارجيا تمثل في مداهمة فرقة أمنية قبيل أذان الإفطار لمنزل رئيس البرلمان المنحل ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وإيقافه.
بعدها بساعات تخرج حركة النهضة في نقطة إعلامية وتؤكد اعتقال الغنوشي والقياديين محمد القوماني وبلقاسم حسن، ليتم وفور انتهاء الندوة مداهمة مقر النهضة وإخضاعه لتفتيش لتتسرب بعد ذلك وثيقة عن وزير الداخلية كمال الفقيه تفيد بغلق جميع مقرات "النهضة" وغلق مقر جبهة "لخلاص" المعارضة.
وفي العشرين من أبريل التحقيق مع الغنوشي على خلفية تصريح إعلامي وإصدار بطاقة إيداع بحقه وبحق مدير مكتبه وعضو من مجلس الشورى.
وقد لاقى إيداع الغنوشي السجن تنديدا واسعا داخليا وحتى خارجيا وحملة تضامن عالمية ليعلن الغنوشي رفضه جلسات التحقيق.
ومع حلول شهر أيار/ مايو وفي التاسع منه صدرت بطاقة إيداع ثانية غيابيا بحق الغنوشي في ملف "أنستالينغو"، وصدرت بطاقات إيداع بعدد من قيادات حركة "النهضة " من بينهم الصحبي عتيق الذي دخل في إضراب وحشي عن الطعام تنديدا باعتقاله.
ولم تتوقف بطاقات الإيداع بحق رئيس حركة النهضة حيث تم في العاشر من يونيو إصدار بطاقة إيداع ثالثة بحقه في ملف "الجهاز السري".
وتوسعت دائرة الرفض للمحاكمات السياسية والاعتقالات التي أصبحت بالعشرات لتعلن وفي الخامس والعشرين من مايو هيئة الدفاع عن المعتقلين أن مجموعة من عائلات السياسيين تقدمت بشكوى لدى المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.
إقالة بودن
وبحلول فصل الصيف عاشت البلاد على أحداث كثيرة بدأت في تموز/ يوليو بسراح عدد من المعتقلين في ملف "التآمر" شيماء عيسى والأزهر العكرمي ورفض الإفراج عن البقية ليتم إثر ذلك التمديد بحبسهم لمدة 4 أشهر إضافية.
وفي بداية شهر آب/ أغسطس قرر الرئيس سعيد إقالة رئيسة الحكومة نجلاء بودن في خطوة وصفت بأنها غير المتوقعة، ليتم بعدها بيوم تعيين أحمد الحشاني رئيسا للحكومة وتسلم مهامه بصفة رسمية.
وعرف شهرا يوليو وسبتمبر عدة إعفاءات من بينها إنهاء مهام مدير الديوان الوطني للسياحة والمدير العام لديوان الحبوب، وإقالات لمسؤولين أمنيين.
إيقاف الونيسي والهاروني
عادت الاعتقالات السياسية لتبرز من جديد مع حلول شهر أيلول وتشمل خاصة قيادات بارزة ومن الصف الأول لحزب "النهضة" حيث تم إيقاف نائب رئيس الحزب المنذر الونيسي على خلفية مكالمة مسربة له مع صحفية لتصدر إثر ذلك بطاقة إيداع بحقه.
وبعدها بساعات وقبل انعقاد مجلس طارئ لشورى النهضة يتم إيقاف رئيس المجلس عبد الكريم الهاروني وإيداعه السجن.
كما أنه تم إيقاف القيادي السابق بالنهضة ورئيس الحكومة المتخلي حمادي الجبالي والتحقيق معه والإبقاء عليه بسراح وصدور بطاقات جلب دولية بحق 12 شخصا بتهمة تكوين وفاق إرهابي وتآمر من أبرزهم مديرة الديوان الرئاسي المقالة نادية عكاشة ورئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد، ونجل راشد الغنوشي والوزير السابق والقيادي في "النهضة" لطفي زيتون.
وعرف شهر أيلول رفض مطالب الإفراج عن المعتقلين في ملف التآمر والذين دخلوا في تحركات احتجاجية من مقر سجنهم تمثلت في إضرابات عن الطعام ودخول عائلاتهم في اعتصام مفتوح تضامني.
ومع بداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر، وفي الخامس منه تم إيقاف رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي بالقرب من قصر قرطاج ليتم إثر ذلك إيداعها السجن.
هروب سجناء
ومع بدء عملية طوفان الأقصى، عرفت الساحة السياسية هدوءا نسبيا حيث سيطر مشهد الحرب بغزة على الأحداث واكتفت المعارضة بتنظيم وقفات تضامنية مع قطاع غزة وطالبت باستعجال سن قانون لتجريم التطبيع.
وأحدث القانون خلافا حادا في البرلمان بين رئيس المجلس إبراهيم بودربالة وعدد من النواب، وانتهى التصويت على فصلين فقط منه من أصل سبعة على أمل أن تحدد جلسة مع بداية العام الجديد لاستكمال التصويت.
ومثلت حادثة هروب خمسة سجناء تعلقت بهم قضايا إرهابية الحدث الأبرز في تونس خلال شهر تشرين الأول بتونس فقد اعتبرها الرئيس سعيد حادثة تهريب وليس هروبا.
وعصفت حادثة التهريب بعديد المسئولين الذين تمت إقالتهم وبحث فتح تحقيق في الحادثة وإيداع أعوان أمن بالسجن ليتم في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر من القبض على الفارين.
انتخابات.. تمديد الحبس
اختتمت السنة السياسية بتونس على تنظيم أول انتخابات للمجالس المحلية والتي أجريت في الرابع والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر في دورها الأول على أن يتم إجراء الدور الثاني في فبراير المقبل.
وانتظمت الانتخابات التي شارك بها أكثر من مليون ناخب من أصل أكثر من 9 ملايين ناخب وسط مقاطعة حزبية واسعة وتشكيك كبير في نسبة التصويت التي أعلنت هيئة الانتخابات أنها بلغت 11.66 بالمئة.
وفي ملف الاعتقالات تنتهي سنة 2023 بتواصل سجن العشرات من السياسيين وعلى قرار بالتمديد في حبس المعتقلين في ملف "التآمر" أربعة أشهر إضافية للمرة الثانية على التوالي، وبصدور بطاقة إيداع ثانية بحق الوزير السابق والقيادي في "النهضة" نور الدين البحيري وسنة سجن مع إيقاف التنفيذ بحق المعارضة والناشطة السياسية شيماء عيسى.