لا تزال
مصر تلتزم الحياد والجهود الدبلوماسية في العدوان
الإسرائيلي على قطاع
غزة شمال شرق شبه جزيرة سيناء، التي تقترب من شهرها الثالث، وراح
ضحيتها أكثر من 70 ألف شهيد ومصاب منذ بدء الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
ويردد رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، أن "مصر لم تكن أبدا تتجاوز حدودها وأهدافها،
وتحافظ دوما على أرضها وترابها دون أن تمس، وهذا يعني أن الجيش المصري بقوته ومكانته
وقدرته وكفاءته هدفه حماية مصر وأمنها القومي دون تجاوز"، على حد قوله.
مثل هذه العبارات المتكررة، بحسب مراقبين وخبراء، تكشف حدود
الأمن القومي المصري في مفهومه الضيق وهو حماية الحدود المصرية.
تأمين حدود مصر وقطاع غزة لصالح من؟
من جانبه، نقل موقع "واللا" العبري عن مصادر عسكرية أن عملية عسكرية غير عادية
جرت، السبت، بين معبر كرم أبو سالم ورفح عند
محور فيلادلفيا، رغم نفي مصادر مصرية نقلا
عن مواقع محلية لم تسمها تلك الأنباء، فيما قصفت مقاتلات الاحتلال معبر كرم أبو سالم،
الخميس الماضي، ما أدى إلى استشهاد 4 فلسطينيين، بينهم مدير المعبر، العقيد بسام أبو
غبن.
وتسعى حكومة الاحتلال لبناء جدار تحت الأرض مضاد للأنفاق
بين قطاع غزة ومصر، في محور فيلادلفيا الذي يمتد بطول 14 كيلو مترا.
كان النظام المصري شن حملة عسكرية شاملة منذ صيف 2014، ضد
المسلحين في سيناء على الحدود الشمالية الشرقية للبلاد، شملت تدمير الأنفاق التي ربطت
بين القطاع ومصر.
وعقب ذلك، بنت مصر جدارا فولاذيا، وقامت بإزالة منازل ومزارع
بمدينة رفح المصرية وقراها، لإقامة منطقة حدودية عازلة تمتد لنحو خمسة كيلومترات إلى
العمق في سيناء.
وخلال العملية العسكرية على قطاع غزة وجنوبه، قصف طيران الاحتلال
الإسرائيلي أربع مرات مواقع محاذية لمعبر رفح على الجانب المصري، طال بعضها أحد الأبراج
والحواجز الأسمنتية، وأسفرت عن إصابة عدد من المجندين.
وكان تسليم مصر بمسؤولية سلطات الاحتلال على الجانب الفلسطيني
من معبر رفح أثار تساؤلات حول قانونية وشرعية هذه المسؤولية الجديدة، التي لم تكن موجودة
قبل الحرب على غزة، لكن العدوان الإسرائيلي فرضها كأمر واقع، أذعنت له مصر.
"تقلص حدود الأمن القومي المصري"
يعتقد الخبير العسكري، عادل الشريف، أن "تقليص حدود
الأمن القومي لمصر لم يصل إلى هذه الدرجة من التقوقع إلا في عهد السيسي، حيث كانت تمتد
إلى منابع النيل جنوبا، وقطاع غزة شمال شرق سيناء باعتباره خط الدفاع الأول عن مصر،
واتفاقية السلام مع الكيان الصهيوني هي لحماية الكيان وتحييد مصر وليس لحماية مصر".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "مهمة الجيش المصري
بقيادة السيسي هي مهمة وظيفية لحماية أمن الاحتلال، وتطهير الحدود مع قطاع غزة؛ من خلال إغلاق الأنفاق وإغراقها
من قبل بالمياه، وإزالة مدينة رفح المصرية المتاخمة على الحدود، وإقامة منطقة عازلة، وغيرها من الإجراءات التي تحمي حدود الكيان الصهيوني وليس حدود مصر".
وانتقد الشريف "التخاذل" المصري من الحرب على قطاع
غزة، واعتبرها "ضوءا أخضر للاحتلال الإسرائيلي"، مضيفا: "كان على مصر
أن تعلن المستشفيات والمدارس والمخابز ومحطات المياه خطوطا حمراء، ولكن كل هذا لم يحدث
لا من مصر ولا من غيرها من الدول العربية ولا حتى دول الطوق".
"رؤية السيسي في الحرب على حدود مصر"
تتلخص رؤية السيسي لدور مصر في الحرب على قطاع غزة، رغم وصول
آثار عملياتها العسكرية إلى أبراج وأسوار حدودها، في كلمته "أن مصر تبذل كل الجهود
لوقف نزيف الدم وإطلاق النار بشكل أو بآخر في قطاع غزة، من خلال التعاون مع الأشقاء
والأصدقاء والشركاء؛ من أجل احتواء التصعيد، وأيضا لمساندة المدنيين في القطاع بالمساعدات".
وكان السيسي دعا في 18 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، الشعب
المصري إلى النزول إلى الشوارع والتظاهر بالتزامن مع الغضب الشعبي من العدوان على قطاع
غزة، وتفويضه بأي قرار يتخذه لحماية أمن مصر القومي، والوقوف بوجه المخططات الإسرائيلية.
بالعودة إلى منتصف عام 2020، أعلن السيسي إزاء تهديدات التوترات
السياسية والأمنية في ليبيا غرب مصر، "مدينتي سرت والجفرة في ليبيا خطا أحمر بالنسبة
لمصر"، بدعوى أن "أي تدخل مباشر من الدولة المصرية باتت تتوفر له الشرعية
الدولية".
وطالب السيسي حينها القوات المسلحة المصرية بأن "يكونوا
مستعدين لتنفيذ أي مهمة داخل حدودنا، أو إذا تطلب الأمر خارج حدودنا"، وهو ما أعقبه
بشن ضربات جوية عبر سلاح الطيران المصري في مناطق متفرقة من مدن وسط ليبيا.
ردود فعل نشطاء وسياسيين
"أدوات مصر لحماية أمنها القومي"
من جهته، يقول السياسي المصري حاتم أبو زيد، إن "العملية
العسكرية التي كشفت عنها مواقع صهيونية هي خرق لاتفاقية كامب ديفيد، الأمر الذي يضع الجانب المصري في حرج، ومحاولة
نفي السلطات المصرية مثل تلك الأنباء دون ذكرها على لسان مسؤول مصري يثير الشكوك أكثر، ولا تكفي لنفي حدث بمثل هذا الوزن يخترق أمن مصر القومي".
ورأى في حديثه لـ"عربي21" أن "مثل هذا النفي
يساعد النظام المصري ويبرر التزامه الصمت تجاه الخروقات الإسرائيلية المستمرة، كقصف
المعبر من الجانب المصري، وغيره، التي تتطلب رد فعل مصري قوي على قدر الحدث، وليس
مجرد نفي".
وعدد أبو زيد أدوات مصر لحماية أمنها القومي، قائلا:
"كان بإمكان السيسي أن يستدعي السفير المصري في تل أبيب، ويقلص عدد البعثة الدبلوماسية
الأمريكية والبريطانية، كاحتجاج على موقفها المشارك في الحرب، ويمكنه أن يقرر إرسال
مساعدات إنسانية، وتحذير أي قوة تفكر في المساس بالشاحنات التي تحمل هذه المساعدات،
وكان يمكنه أن يستقبل الحالات الحرجة من الجرحى في المستشفيات المصرية، والسماح بحملات
شعبية لمقاطعة المنتجات المؤيدة للكيان الصهيوني، وهي أضعف الأدوات".