تتسابق الأحزاب السياسية في
تركيا مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية إلى إعلان مرشحيها في البلديات الكبرى والفرعية، في حين تعيد وتيرة اللقاءات المكثفة بين رجالات السياسة الفاعلين تشكيل خارطة التحالفات السياسية التي رسمتها الانتخابات الرئاسية والنيابية منتصف العام الجاري، والتي انتهت بفوز تحالف الجمهور بقيادة الحزب الحاكم والرئيس التركي رجب طيب
أردوغان بمقعد الرئاسة والأغلبية البرلمانية.
وأعلن حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، عن أسماء 226 مرشحا لرئاسة البلدية في الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في 31 آذار /مارس المقبل، بينهم أربعة مرشحين لبلديات المدن الكبرى وهي إسطنبول وأنقرة وبورصا وبلق أسير.
وفي مدينتي إسطنبول وأنقرة، استقر قرار "الشعب الجمهوري" على إعادة ترشيح رئيسي البلدية الحاليين أكرم إمام أوغلو ومنصور يواش، اللذين اضطلعا بدور كبير في الحملة الانتخابية خلال الانتخابات الرئاسية، وهو ما تسبب بموجة انتقادات حادة لهما بحجة انشغالهما عن أداء مهامهما الرسمية التي انتخبا لأجلها، في سبيل الخوض في غمار معركة الرئاسة على أمل الفوز بمنصب نائب الرئيس.
في المقابل، لم يعلن حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي يقود تحالف "الجمهور" المتكون من مجموعة من الأحزاب المحافظة، عن أسماء مرشحيه بعد، فيما تتصاعد الأنباء عن عزم الرئيس رجب طيب أردوغان الكشف عن المرشحين قبل نهاية العام الجاري.
والأحد، عقد اجتماع في مديرية إسطنبول التابعة لحزب العدالة والتنمية من أجل إجراء استطلاع رأي بمشاركة رؤساء المناطق الفرعية بالمدن والأذرع الشبابية والنسائية للحزب، بحضور أردوغان، لكنه لم يسفر عن بيان حاسم بشأن أسماء المرشحين للانتخابات المحلية،
وقال المتحدث باسم العدالة والتنمية عمر جيليك، فيما يتعلق بقائمة المرشحين الذين سيحددهم الحزب: "آمل أن تكتمل بحلول نهاية كانون الأول /ديسمبر الجاري".
وأضاف في حديثه للصحفيين حول الاجتماع الذي دام 3 ساعات بشأن تحديد أسماء المرشحين: "سنقوم بعمل دقيق للكشف عن المرشحين. الشيء الرئيسي هو إظهار الإرادة من خلال هذه الدراسات. لكن أبعد من ذلك، ليس لدينا أي نية لتأخير ذلك بأي شكل من الأشكال".
يأتي ذلك في ظل جهود حثيثة يبذلها الحزب الحاكم على كافة الأصعدة لاستعادة بلديتي إسطنبول وأنقرة اللتين فقدهما لصالح حزب الشعب الجمهوري في انتخابات عام 2019، حيث يسعى الرئيس التركي إلى تكليل فوزه في الانتخابات الرئاسية والنيابية التي انتهت بنصر تحالف الجمهور وإحداث شروخ كبيرة في تحالف الطاولة السداسية المعارض، بفوز جديد على مستوى البلديات لا سيما في مدينة إسطنبول التي تشكل قلب السياسة التركية.
تحولات إستراتيجية في صفوف المعارضة
فيما يسابق حزب العدالة والتنمية الزمن من أجل التوصل إلى قائمة مرشحيه وسط لقاءات متتالية مع قادة الأحزاب المنضوية تحت راية تحالف الجمهور، يواصل "الشعب الجمهوري"، جهوده الرامية إلى صنع تحالفات جديدة تدعم مرشحيه للفوز بأكبر قدر ممكن من البلديات الرئيسية والفرعية خلال الانتخابات المحلية، التي تأخذ في تركيا حيزا كبيرا من الخارطة السياسية حيث تعد المحليات التركية أولى درجات السلم الذي يفضي إلى القصر الرئاسي، بحسب العديد من المراقبين والسياسيين الأتراك.
وكان حزب "الشعب الجمهوري"، قد فقد أحد أكبر حلفائه، بعد قرار حزب "الجيد" التركي بقيادة ميرال أكشينار خوض غمار الانتخابات المحلية بمفرده دون الانضواء تحت راية أي تحالف، رغم الجهود التي بذلها الزعيم الجديد لحزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، في سبيل إقناع أكشينار بالإبقاء على التحالف بين الحزبين اللذين يشكلان أكبر قاعدة للمعارضة التركية.
لكن أكشينار التي تعرضت لهجمات وانتقادات واسعة عقب استمرارها في تحالف الطاولة السداسية رغم انسحابه منه عقب إعلانه مطلع العام الجاري، الرئيس السابق لحزب الشعب الجمهوري كمال كلتشجدار أوغلو، مرشحا في الانتخابات الرئاسية، بالرغم من عدم تمتعه بالشعبية الكافية للفوز وفقا لاستطلاعات الرأي آنذاك، الأمر الذي تسبب في تصدع تحالف المعارضة وتراشق للاتهامات بين مكوناتها.
وجاء قرار أكشينار، خوض غمار الانتخابات المحلية دون التحالف مع الشعب الجمهوري، بدعم من أغلبية الهيئة الإدارية لحزبها، في خطوة أشار مراقبون إلى أنها تهدف إلى استعراض سياسات الحزب الذي ينتمي إلى اليمين المحافظ وفرض هويته الحقيقية التي ذابت على مدى سنوات من الالتحاق بمنظومة التحالفات، خصوصا بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أدت إلى انفضاض تحالف المعارضة على وقع هزيمة غير متوقعة من قبل "تحالف الجمهور".
على صعيد متصل، يبرز اسم المرشح السابق للرئاسة التركية وزعيم حزب البلد، محرم إنجه، ضمن الكيانات السياسية التي من الممكن أن تدعم مرشح حزب الشعب الجمهوري ورئيس بلدية إسطنبول الحالي، أكرم إمام أوغلو، لولاية جديدة، رغم الخلافات الكبيرة بين الحزبين التي أدت إلى انسحاب إنجه من سباق الانتخابات الرئاسية السابقة، وما تبع ذلك من دخوله إلى المستشفى وغيابه عن المشهد السياسي بشكل شبه كامل.
وفي آخر تصريحاته، كشف إنجه أنه التقى بإمام أوغلو مرتين في الآونة الاخيرة، حيث عرض على هذا الأخير دعمه بشكل كامل في الانتخابات القادمة دون الحصول على جواب من رئيس بلدية إسطنبول الحالي.
وقال إنجه: "التقيت بإمام أوغلو مرتين، وقلت له دعنا نساعدك في إسطنبول. لا نريد شيئا منك، لقد فزت بها بعد 25 عاما، دعنا لا نخسرها مجددا".
لكن أكرم إمام أوغلو، الذي أعلن عن ترشحه لولاية جديدة، لم يجب إنجه سواء بالقبول أو بالرفض، بحسب المصدر ذاته.
ولا يقتصر الدعم المتوقع لأكرم إمام أوغلو على محرم إنجه، إذ أشار الصحفي والكاتب التركي عبد القادر سيلفي إلى إمكانية عقد تحالف جديد مع حزب المساواة والديمقراطية بين الشعوب (DEM)، الذي يعتبر أحد الامتدادات السياسية لحزب العمال الكردستاني المصنف على قوائم الإرهاب التركية.
والأحد، أعلن حزب المساواة والديمقراطية فتح أبوابه للتعاون الانتخابي مع الأحزاب السياسية الأخرى في الانتخابات المحلية، مشيرا إلى أن الخلافات لا يمكن حلها إلا من خلال التفاوض.
وأضاف: "مستعدون للتفاوض مع كل من يقوم على التوافق الديمقراطي".
ورأى الكاتب التركي أن إعلان "المساواة والديمقراطية" إبقاء أبوابه مفتوحة أمام التحالفات ومنحه الضوء الأخضر للتعاون مع كافة الكيانات في الانتخابات المحلية، خطوة تريح أكرم إمام أوغلو، الذي عقد تحالفات سابقة مع الأحزاب السياسية المحسوبة على حزب العمال الكردستاني خلال فترة الانتخابات الرئاسية، وهو ما أخذته عليه أحزاب تحالف الجمهور وشكل رأس حربة حزب العدالة والتنمية في حملته المضادة للشعب الجمهوري حينها.
وذكر سيلفي أن الحركة الديمقراطية تريد بلديات فرعية مقابل الدعم الذي ستقدمه لحزب الشعب الجمهوري، وقال إنه "بحسب ما يقال في اللوبيات السياسية؛ فإن الحركة الديمقراطية تطالب برئاسة عدد من البلديات الفرعية ليس فقط في إسطنبول، ولكن أيضا في
أنقرة وإزمير وأيدين وأنطاليا".
تحالف الجمهور.. ملامح خلاف
في المقابل، لم يظهر عن تحالف "الجمهور" بقيادة الحزب الحاكم أي تصدعات إستراتيجية في بنيته المحافظة التي تضم حزب "الحركة القومية" بزعامة دولت بهتشلي، وحزب "الرفاه الجديد" برئاسة فاتح أربكان نجل السياسي الشهير ورئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان، بالإضافة إلى حزب "هدى بار".
لكن وسائل إعلام تركية تداولت أنباء عن وقوع خلاف بشأن الانتخابات المحلية بين الرئيس أردوغان وفاتح أربكان، على خلفية مطالبات الأخير خلال اجتماع مغلق بعدد من البلديات الفرعية مقابل دعمه مرشح حزب العدالة والتنمية في المدن الكبرى الرئيسية، مثل إسطنبول وأنقرة وأزمير.
أربكان الذي تمكن حزبه من حجز 5 مقاعد في البرلمان خلال الانتخابات النيابية نتيجة انضمامه إلى تحالف الجمهور، نفى خلال لقاء تلفزيوني يوم الجمعة الماضي، الأنباء المتداولة حول وجود خلافات أو "مساومات" مع الرئيس التركي بشأن الانتخابات المحلية.
وقال نجل السياسي التركي الشهير: "تبادلنا وجهات النظر بشأن أنقرة وإسطنبول وإزمير، وذكر السيد الرئيس أنه سيكون من المفيد لنا أن نتعاون في بعض المدن الكبرى الحاسمة".
وأضاف في معرض رده على سؤال حول ما إذا كان حزبه سيعلن عن مرشحين في مدينتي أنقرة وإسطنبول، أنه أخبر الرئيس التركي بعزمه الإعلان عن القرار النهائي للرأي العام عقب اجتماع مسؤولي المجلس التنفيذي المركزي في الحزب.
مرشحو إسطنبول المحتملون
تتحول الانتخابات المحلية إلى انتخابات إسطنبول بطريقة مثيرة للاهتمام حيث يتم تشكيل تحالفات حول بلدية إسطنبول الكبرى، وفقا للكاتب عبد القادر سيلفي.
وبلا شك يدرك الرئيس التركي الذي تولى رئاسة بلدية إسطنبول عام 1994، أهمية المدينة الواقعة في قلب الحياة التركية على كافة صعدها السياسية والاقتصادية والثقافية، كما يحفظ الأتراك مقولة "من يحكم إسطنبول يحكم تركيا" التي تشيع في الأوساط التركية على نطاق واسع، في إشارة إلى أهمية المدينة في الخارطة السياسية.
وكان الرئيس التركي عبر عن هذه الأهمية في أكثر من مناسبة، خصوصا في أول خطاب له عقب فوزه بالانتخابات الرئاسية الماضية، حيث أكد على عزمه تكليل فوزه بالفترة الرئاسية الجديدة بانتصار يمحو أثر الضربة القاسية التي وجهها حزب الشعب الجمهوري المعارض، في انتخابات البلديات عام 2019 بعد انتزاعه إسطنبول من "العدالة والتنمية" عقب أكثر من عشرين عاما من استقرارها بين يدي الحزب الحاكم.
وانطلاقا من الأهمية التي تحوز عليها إسطنبول لدى الرئيس التركي التي خص حملة مرشحها الانتخابي بعنوان "إسطنبول من جديد"، لا يزال إلى الآن اسم المرشح الذي سيقدمه التحالف لرئاسة بلديتها محض تكهنات تتداولها الصحافة التركية ومراكز استطلاع الرأي رغم اقتراب موعد الانتخابات المقررة في نهاية الشهر الثالث من العام القادم.
تاليا نقدم استعراضا لأهم الأسماء المطروحة على طاولة "العدالة والتنمية":
- فخر الدين قوجة
يتم تداول اسم وزير الصحة الحالي فخر الدين قوجة في الأوساط الإعلامية التركية على نطاق واسع، كونه شخصية تحظى بشعبية واسعة لدى كثير من مكونات الشعب التركي، وذلك يرجع إلى مجال اختصاصه الذي دفعه خلال فترة جائحة كوفيد-19 إلى الظهور على وسائل الإعلام أكثر من أي مسؤول تركي آخر، إذ كان الشعب التركي يترقب آخر إحصاءات الإصابة بكورونا وتطورات الوباء الذي تسبب في مقتل الملايين عبر العالم.
كما يأتي طرح اسم فخر الدين قوجة، في وقت يعود فيه الوزير إلى واجهة الأحداث على وقع العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة، إذ يضطلع بشؤون المرضى والمصابين الذين تم نقلهم إلى الأراضي التركية من أجل تلقي العلاج والخدمات الطبية اللازمة.
- توفيق غوكسو
ومن بين الأسماء المطروحة، يبرز توفيق غوكسو، رئيس بلدية أسنلر أحد أكبر الأحياء في مدينة إسطنبول، كونه يتمتع بشعبية واسعة لدى ناخبي حزب العدالة والتنمية، عززتها مقاطعه المصورة التي تحظى بعدد مشاهدات عال خلال المناقشات الحادة في مجلس بلدية إسطنبول مع أعضاء أحزاب المعارضة وإمام أكرم أوغلو على وجه الخصوص.
في الوقت ذاته، يستبعد مراقبون طرح اسم غوكسو مرشحا لبلدية إسطنبول عن تحالف الجمهور، بسبب شعبيته الواسعة بسبب حدته في مناظرة المعارضة، ما من شأنه أن يجعل من شخصيته غير مستساغة لدى ناخبي الأحزاب الأخرى، الذين يسعى أردوغان إلى استقطابهم عبر مرشح يحظى بأكبر شعبية ممكنة لدى مختلف المكونات والتوجهات السياسية.
- فاطمة شاهين
كما تشهد الأوساط الإعلامية في تركيا تداولا لاسم رئيسة بلدية غازي عنتاب فاطمة شاهين، بسبب نجاحها في إدارة شؤون المدينة التركية الواقعة جنوبي البلاد، والتي كانت إحدى المدن الـ11 التي تم إعلانها منكوبة جراء الزلزال المدمر الذي ضرب مدن جنوب تركيا وشمال سوريا، مخلفا عشرات آلاف القتلى في البلدين.
وكانت شاهين، تصدرت في عام 2019 قائمة رؤساء البلديات التركية الأكثر نجاحا بمعدل بلغ 62.7 بالمئة، وفقا لاستطلاع رأي أعده مركز "أو آر سي" للبحوث والاستشارات.
ورغم بقاء اسم مرشح الرئيس التركي أردوغان لبلدية إسطنبول غير معلوم حتى الآن، يعمل حزب العدالة والتنمية على قدم وساق لإعداد كافة الاستعدادات للانتخابات المحلية، التي من شأنها وفقا لمراقبين أن تضع أولى ملامح الفائز في الانتخابات الرئاسية القادمة في عام 2028.