واصل رئيس النظام
المصري عبدالفتاح السيسي، نهجه التوسعي في تقليم صلاحيات رؤساء الجهات والأجهزة الرقابية بما فيها
البنك المركزي، ليشمل مجالس إدارتها، من خلال تقليص مدد تعيينهم المقررة في
الدستور وحرمانهم من الحصانة الدستورية.
وأصدر السيسي قرارا بإعادة تشكيل مجلس إدارة البنك المركزي برئاسة القائم بأعمال المحافظ، حسن عبدالله، اعتبارا من 27 تشرين الأول/ نوفمبر 2023 ولمدة عام، وتضمن القرار تعيين نائب جديد للمحافظ، والتجديد لنائب آخر لمدة عام آخر.
وتنص المواد (10)، (11)، (12) من قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي والنقد، على تعيين المحافظ ونوابه ومجلس إدارته لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد، ويكون للمحافظ نائبان، يعين كل منهما بقرار من رئيس الجمهورية، بناء على ترشيح المحافظ البنك لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد.
ويكون للبنك المركزي مجلس إدارة برئاسة المحافظ وعضوية كل من: نائبيه ورئيس الهيئة العامة لسوق المال، وثلاثة أعضاء يمثلون وزارات المالية والتخطيط والتجارة، وثمانية من ذوي الخبرة المتخصصين في المسائل النقدية والمالية والمصرفية والقانونية والاقتصادية، لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد.
ومن ثم، فإن القرارات الرئاسية الأخيرة، عدّها خبراء اقتصاديون وقانونيون مخالفة لصريح الدستور والقانون، وتحايلا على حصانة صلاحيات رؤساء الجهات والأجهزة الرقابية، وتهدف إلى جعل كل تلك الأجهزة في قبضة الرئيس، وقراراتهم مرهونة برغبته.
"بدعة".. نزع الحصانة من الجهات الرقابية
وقال مصدر قانوني مطلع على عمل البنك المركزي لموقع "مدى مصر" المحلي؛ إن قرارات إعادة تشكيل مجلس إدارة البنك سابقة من نوعها في تاريخ البنك؛ لأنها تنطوي على مخالفة دستورية وقانونية وعيب في التطبيق، حيث يحدد الدستور طريقة تعيين رؤساء الأجهزة والجهات الرقابية.
المخالفة الأخرى، هي عدم توحيد مدد رئاسة المحافظ ونوابه ومجلس إدارته، حيث فرّقت قرارات السيسي بين مدة عمل المحافظ ومجلس إدارة البنك، حيث تنتهي مدة المحافظ ومجلس إدارته في 17 آب/أغسطس المقبل، فيما تنتهي عضوية أعضاء مجلس الإدارة في 26 تشرين الأول/ نوفمبر، وهو ما يعني وجود فراغ في المنصب لمدة شهرين، بحسب المصدر ذاته.
لم يعين السيسي رؤساء هيئتي الرقابة المالية والإدارية، والبنك المركزي، واكتفى بتعيين قائمين بالأعمال للجهات الثلاث، باستثناء الجهاز المركزي للمحاسبات، الذي يترأسه المستشار هشام بدوي منذ آب/ أغسطس 2016.
مصدر قضائي، شارك في صياغة مواد الدستور، وصف في تصريحات صحفية لموقع مدى مصر الاكتفاء بتعيين قائمين باﻷعمال، بأنه "بدعة" لجأ إليها رئيس السلطة لإفراغ نصوص الدستور والقانون من مضمونها، مؤكدا أن الإفراط في اللجوء إلى مثل تلك القرارات يشير إلى أن تلك الجهات غير مستقلة.
الأزمة ليست في المخالفة
عدّ الباحث في الاقتصاد السياسي، ومدير المركز الدولي للدراسات التنموية، مصطفى يوسف، أن "السيسي دأب على مخالفة الدستور الذي وضعه على عينه، واختص به نفسه، ولا يحترمها وهو يهدف من قراراته الأخيرة إلى جعل استمرار رؤساء الأجهزة الرقابية والهيئات المستقلة في مناصبهم مرهونا بقرار منه، ولا يتمتعون بالحصانة التي أقرها الدستور".
وأوضح يوسف لـ"عربي21": أن "هذه ليست المرة الأولى التي يخالف فيها السيسي الدستور، وأقال في وقت سابق صديقه وزير الدفاع صدقي صبحي، وأقال رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة، وتم الاعتداء عليه وسجنه بضع سنوات، وهو يمارس الديكتاتورية الكلاسيكية بشكل فج يفتقر إلى أدنى قدر من الحرفية السياسية؛ باعتبار أن مصر "عزبته" الخاصة".
وحول دلالة عدم تعيين محافظ البنك المركزي ونوابه ومجلس إدارته لمدة أربع سنوات، يرى يوسف أن "مصر تمر بمرحلة مضطربة اقتصاديا وماليا، وهناك قرارات نقدية ومالية قد تملى على مصر من الخارج، ومن ثم لا يريد أي معارضة لها من خلال تسليط السيف على رقاب المحافظ ومجلس إداراته للقبول بأي إملاءات خارجية، وإلا أقالهم بجرة قلم دون الحاجة إلى العودة إلى مجلس النواب، أو إلى الدستور الذي يحصن المحافظ والمجلس 4 سنوات".
أجهزة الرئيس
على الصعيد القانوني والدستوري، أكد المنسق العام لحركة قضاة من أجل مصر سابقا، المستشار محمد عوض، أن "جملة القرارات المتعلقة بتعيين رؤساء الجهات الرقابية وأخيرا البنك المركزي، تنطوي على مخالفات جسيمة للدستور وقوانين تلك الجهات، التي تنظم عملها وفق الدستور المصري الذي أعده نظام السيسي بنفسه، وعدله أكثر من مرة بدعوى أنه كٌتب بحسن نية".
وقال عوض لـ"عربي21": "لكن يبقى السؤال الأهم، هو: لماذا تعمد السيسي الذي يفترض أن يحمي الدستور الذي أقسم عليه، إلى تلك الحيلة للحيلولة دون وجود منصب حقيقي في تلك الجهات الرقابية الرئيسية في البلاد؟ لأن وجودهم هو وجود ظاهري وليس حقيقيا، فهو واجهة أكثر منه رئيسا لتلك الجهة الرقابية، ولا يملك ممانعة قرارات أو رغبات الرئيس الذي بيده إقالته دون الرجوع حتى للبرلمان".
ويجزم المستشار عوض أن "ما يفعله السيسي من خرق للدستور، هو سابقة من نوعها ونادرة من نوادر الهيئات والجهات المستقلة في مصر؛ لأنه يريد أن يصبح هو صاحب اليد العليا في كل القرارات في تلك الجهات، ويمنع أصحابها من ممارسة أعمالهم بمهنية وحيادية، ويحرمهم من حقهم الدستوري في عدم الإقالة من مناصبهم، ما يؤكد أنه لا يسمح لتلك الجهات بالعمل إلا تحت تهديد مباشر".
واستبعد أن "يلجأ أي من المتضررين إلى القضاء والطعن على قرارات السيسي؛ لأنه لا يملك أحد حرية الطعن أمام القضاء لوقف مثل تلك المهازل"، مشيرا إلى أن "البرلمان الذي يفترض أنه سلطة تشريعية ورقابية، يتجاوز السيسي دوره الصوري ويتجاهله، وهو أيضا لا يعترض على أي مخالفات قانونية أو دستورية للرئاسة؛ لأنه برلمان الرئيس".