نشرت صحيفة
"لوموند" الفرنسية تقريرا تحدثت فيه عن التحديات التي تواجهها
الولايات المتحدة نتيجة دعمها الدائم للاحتلال الإسرائيلي في ظل التصاعد الدائم للصراع الذي يعرضها لانتقادات دولية وضغوط داخلية متزايدة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنّ الولايات المتحدة تجد صعوبةً في مراعاة جانبي المأساة، "مأساة إسرائيل" من جهة، التي تَحطم مفهومها للأمن القومي في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر..
ومن جهة ثانية مأساة المدنيين في
غزة الذين وصل عذابهم إلى مستويات غير مسبوقة، في ظل القصف والحصار الإسرائيلي، بعد أن وضعت واشنطن مصداقيتها ومواردها إلى جانب "إسرائيل" التي يهيمن على حكومتها قوميون عنصريون، ويُتهم "جيشها" بارتكاب جرائم حرب في
غزة.
وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أنّ هذا الدعم، بالنسبة للرئيس الأمريكي، جو بايدن، "ليس مسألة حسابات حزبية، بل هو مسألة موقف ضروري في مواجهة ’حماس’ ". ومع ذلك، فإنه "كلما تراكمت جرائم الحرب التي يرتكبها جيش
الاحتلال في غزة، بدأ تأثير الرعب الذي عانت منه ’إسرائيل’ يتلاشى في الرأي العام".
التحالف بالبرهان
وأضافت الصحيفة أنّه بعد الصدمة التي سببها هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، قدّمت إدارة بايدن الدعم السياسي والعسكري الكامل لـ"إسرائيل" وقام وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ثم جو بايدن نفسه، بزيارة الموقع.
كما أنه تم تحديد عمليات تسليم الأسلحة بشكل عاجل، وكان النشر المذهل لقوات الطيران البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط بمثابة رسالة مثبطة لحزب الله اللبناني وإيران.
وقد تكثفت التبادلات الثنائية في ما يتعلق بالمعلومات الاستخباراتية وكذلك التحليلات العسكرية، مثبتة بذلك "التزام الولايات المتحدة الحزبي بالوقوف إلى جانب ’إسرائيل’ إذا تعرّض أمنها للتهديد".
وأبرزت الصحيفة أن "تصوّر هذا الالتزام انقلب ضد البيت الأبيض وتسبب في عزله"، خصوصا بسبب "تشكيكه في التقارير الرسمية التي تصدرها وزارة الصحة في غزة، حتى لو كانت تحت سيطرة ’حماس’ ".
وكذلك في "إلقاء المسؤولية الكاملة عن الوفيات على عاتق حركة حماس"، حيث تزعم (واشنطن) أنّ "مقاتلي الحركة يختبئون بين المدنيين"، وكذلك "تتبنى علنا أفعال ’إسرائيل’ "، الأمر الذي خلق فجوة مع الآراء العربية، ولكن أيضا مع جزء كبير من الناخبين الديمقراطيين في الولايات المتحدة.
والجدير بالذكر أن المظاهرة التي نظمت في الرابع من تشرين الثاني/ نوفمبر في واشنطن، والتي ضمت عشرات الآلاف من الأشخاص دعما للفلسطينيين، سلطت الضوء على هذه الظاهرة.
تناقض إدارة بايدن
وربما تكون إدارة بايدن قد تحدثت عن "إعادة تأهيل" حل الدولتين، لكنها في الواقع استمرت في الظهور بمظهر غير متكافئ ومنحاز.
وعلى ضوء ذلك، تساءلت الصحيفة الفرنسية: "كيف يمكننا أن نضع أنفسنا كحام رئيسي لـ’إسرائيل’ ونطالب بدور الوسيط؟"، مشيرة إلى أنّ "هذا التناقض الذي كان في قلب سياسة الولايات المتحدة منذ 30 سنة وصل اليوم إلى ذروته".
وتساءلت الصحيفة أيضا: "كيف يمكننا أن نفتخر بالموقف الأخلاقي ونحن نرفض فكرة وقف إطلاق النار؟.. وكيف يمكننا أن ندين الضربات الروسية على البنية التحتية المدنية في أوكرانيا ونكتفي بالتذكير بالقوانين الإنسانية الدولية في حالة ’إسرائيل’؟"، لافتة إلى أنهم في واشنطن يزعمون أنّ "’إسرائيل’ لا تقتل المدنيين عمدا".
وفي هذا السياق، قال السيناتور الأمريكي ذو الأصل اليهودي بيرني ساندرز فيرمونت لشبكة سي إن إن، يوم الأحد: "يجب على ’إسرائيل’ أن تغير استراتيجيتها. اسمحوا لي فقط أن أقول هذا، إن الولايات المتحدة تقدم 3.8 مليار دولار، في شكل مساعدات عسكرية، كل سنة لـ’إسرائيل’ ".
وخلال حوار مع الصحافة في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر، أعلن مسؤول أمريكي رفيع المستوى عن "تركيز تكتيكي محتمل على الحملة البرية"، ابتداء من هذا الأسبوع.. أو عدد أقل من الغارات الجوية التي تتسبب في خسائر بشرية كارثية. ويبقى أن نرى كيف سيكون البيت الأبيض قادرا على القيام بعمليات محتملة ضد المستشفيات في غزة، وهي مواقع مدنية بامتياز "تقع تحتها أنفاق ومخابئ حركة المقاومة حماس"، وفقا لادعاءات جيش
الاحتلال الإسرائيلي.
في المقابل، تحاول واشنطن منح "إسرائيل" الوقت، في سياق غير مناسب على نحو متزايد. مع ثلاث أولويات: دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة من مصر؛ خروج الرعايا الأجانب (خاصة الأمريكيين وعائلاتهم، أي ألف شخص)؛ وأخيرا إطلاق سراح الأسرى.
ومن جانبه، يتنقل ديفيد ساترفيلد، وهو دبلوماسي متمرس، بين المحاورين في هذه الأزمة، في قطر ومصر وأماكن أخرى.
وأشارت الصحيفة إلى أنه، وفقا لمسؤول أمريكي رفيع المستوى، فقد كان إطلاق سراح امرأتين أمريكيتين في 20 تشرين الأول/ أكتوبر بمثابة اختبار لمصداقية دائرة المفاوضات، بمساعدة اللجنة الدولية للصليب الأحمر. والأمل هو أن نتمكن من تكرار هذه التجربة لجميع الأجانب (حوالي 6000 شخص). لكن سيتعين على جيش الاحتلال الإسرائيلي أن يوقف ضرباته، بسبب المسافات التي يتعين قطعها للوصول إلى معبر رفح.