حذر الكاتب الأمريكي توماس فريدمان؛
إسرائيل من أن "تضيع"
في أنفاق حركة
حماس بغزة، وذلك بعد إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي توسيع عملياته البرية
في قطاع
غزة، داعيا إسرائيل للقبول بوقف لإطلاق النار وتبادل للأسرى ليتاح لها
التفكير بمستقبل العملية العسكرية بهدوء.
وفي
مقال له في صحيفة نيويورك تايمز بعنوان "رجاء..
إسرائيل لا تضيعي في أنفاق حماس"، استذكر فريدمان ما قال إنها طريقة رد رئيس
الوزراء الهندي السابق مانموهان سينغ بعد الهجوم الذي اتُهمت به جماعة لشكر طيبة
التي يقول الكاتب إنها مرتبطة بالمخابرات الباكستانية؛ عام 2008، حينما قتل مسلحون
أكثر من 160 شخصا في مومباي.
وحينها، لم ينتقم سينغ عسكريا من باكستان أو معسكرات
لشكر طيبة في باكستان، حيث كان يرى أن أي رد عسكري "سيخفي بسرعة مدى فظاعة الهجوم
على المدنيين والسياح الهنود، وأن حقيقة هجوم إرهابي من باكستان على الهند مع تورط
رسمي من الجانب الباكستاني كانت ستضيع". كما كان الأمر سيتحول إلى "ردة
فعل عادية" واشتباك آخر، وسيوحّد الباكستانيين خلف جيشهم، هذا علاوة على
التكاليف الاقتصادية للحرب، كما يشير الكاتب.
ومع الفارق بين الحالتين، كما يرى فريدمان، فإنه بعد هجوم
حماس (طوفان الأقصى) في 7 تشرين الأول/ أكتوبر "تحول الرد الإسرائيلي بسرعة
إلى كونه وحشية الهجوم الإسرائيلي المضاد على المدنيين في غزة؛ الذين انتشرت حماس
بينهم".
ورأى الكاتب أن "الضربة الإسرائيلية المضادة
الضخمة خففت من رعب (مقاتلي) حماس، وجعلتهم بدلا من ذلك أبطالا في نظر البعض، كما
أجبرت حلفاء إسرائيل العرب الجدد ضمن اتفاقيات أبراهام على إبعاد أنفسهم عن الدولة
اليهودية".
ويشير الكاتب إلى أنه مع استدعاء حوالي 360 ألفا من قوات
الاحتياط في إسرائيل، فإن من المرجح أن يتراجع الاقتصاد الإسرائيلي إذا استغرق الأمر
أشهرا، فمن المتوقع أن يتقلص الاقتصاد الإسرائيلي بأكثر من 10 في المئة على أساس
سنوي للأشهر الثلاثة الأخيرة من هذا العام.
ومع تأكيد تعاطفه مع الخيارات التي لجأت إليها الحكومة
الإسرائيلية، إلا أن فريدمان دعا "إلى رد إسرائيلي أكثر دقة ومدروس بعناية"،
مشيرا إلى أن العملية كان يجب أن تركز على "إنقاذ رهائننا" و"القبض
على قتلة الأطفال وكبار السن وقتلهم"، كما قال.
لكن حكومة نتنياهو، وكما يقول فريدمان، سارعت على
الفور إلى المضي في خطة لـ"محو حماس من على وجه الأرض"، وفق ما صرح به وزير
الدفاع يوآف غالانت.
لكن بعد مرور نحو ثلاثة أسابيع قتلت إسرائيل أكثر من
ثلاثة أضعاف عدد الضحايا المدنيين الإسرائيليين، وألحقت دمارا بغزة أكبر مما لحق
بإسرائيل، مع تعهدها بالسيطرة العسكرية على غزة، وهي عملية يرى فريدمان أنها توازي
بناء على نسبة السكان؛ سعي الولايات المتحدة لاحتلال نصف المكسيك في مثل هذا الوقت
القصير.
وفي حين أشار إلى تصريح نتنياهو بأنها ستكون
"معركة طويلة وصعبة لتدمير القدرات العسكرية والإدارية لحماس، وإعادة الرهائن
إلى الوطن"، تساءل فريدمان عن خطة نتنياهو الكاملة.
ونقل عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إنهم متأكدون من
أمرين، وهما أن حماس لن تحكم غزة مرة أخرى، وأن إسرائيل لن تحكم غزة ما بعد حماس، وأنه
سيتم وضع ترتيبات تشبه ما تعرفه الضفة الغربية حاليا، بحيث تتولى إدارة فلسطينية
مسؤولية الحياة اليومية في غزة مع السيطرة الأمنية والعسكرية لإسرائيل. وهي خطة
يصفها فريدمان بأنها "غير مكتملة".
وعلاوة عن السؤال عمن مِن الفلسطينيين سيتولى المهمة،
يتساءل فريدمان عمن سيدفع فاتورة السيطرة الإسرائيلية على القطاع مرة أخرى، وهو
أمر يمكن أن يرهق الجيش والاقتصاد الإسرائيليين لسنوات قادمة.
كما يتساءل الكاتب عن كيفية "إدارة عملية معقدة
للغاية" مثل هذه، بينما لا توجد ثقة كافية في نتنياهو. وقال إنه "ليس لدى
نتنياهو فريق يدعمه من القادرين على طرح الأسئلة الصعبة، بل لديه فريق من الأشخاص الذين
طُلب منهم اتخاذ خيارات مؤلمة طويلة المدى مع معرفتهم بأن رئيس وزرائهم شخص ذو أخلاق
منخفضة للغاية بحيث سيلومهم على كل ما يسير بشكل خاطئ ويستأثر بالفضل كله بشأن أي
شيء يسير بشكل صحيح". وأشار إلى اللوم الذي وجهه نتنياهو لأجهزة الاستخبارات
بشأن الفشل في توقع هجوم حماس، قبل أن يضطر للتراجع ويحذف تغريدته بهذا الصدد.
وقال فريدمان إن الرؤية في واشنطن هي أن إسرائيل لا
تملك خطة قابلة للتنفيذ لتحقيق النصر، كما لا تملك قائدا يمكنه التعامل مع ضغوط
وتعقيدات هذه الأزمة.
ونبه إسرائيل إلى ضرورة أن تعرف "أن تحمّل
حليفتها الأمريكية لحصيلة القتلى المدنيين الكبيرة في غزة بسبب عملية عسكرية
مفتوحة؛ محدود، وفي الواقع قد نقترب خلال وقت قريب من هذا الحد".
وأضاف: "يجب على إسرائيل أن تبقي الباب مفتوحا
لوقف إنساني لإطلاق النار ولتبادل الأسرى، مما سيسمح أيضا لها بالتوقف والتفكير بدقة
في الاتجاه الذي تسير إليه في عمليتها العسكرية المتسرعة في غزة، والثمن الذي يمكن
أن تدفعه على المدى الطويل".
ووفق فريدمان، فإنه يمكن أيضا لمثل هذا التوقف "أن
يتيح لسكان غزة تقييم ما ألحقه هجوم حماس على إسرائيل ورد فعل إسرائيل المتوقع
تماما؛ بحياتهم وعائلاتهم ومنازلهم وأعمالهم".
وقال: "حصلت حماس على الكثير من التفهم ولم تواجه
ما يكفي من الأسئلة الصعبة"، مضيفا: "استخدمت حماس معظم مواردها وبنت
أنفاقا هجومية"، ليخلص إلى القول: "رجاء.. إسرائيل لا تضيعي في تلك
الأنفاق".