بعد مرور
ثمانية عشر يوما على بدء عملية طوفان الأقصى والذي استقر الصهاينة على تسميتها بالسبت
الأسود، لم تتغير الصورة عن الحروب السابقة، فالمقاومة ضربت ضربتها غير المسبوقة والتي
أربكت الجميع العدو والصديق وتركت العالم في حيرة وطرحت أسئلة صريحة بلا إجابات واضحة.
كيف تغلبت
المقاومة الإسلامية على استخبارات الكيان الصهيوني التي أشاد بها الغرب والعرب على
مدار عقود، ولطالما أُلفت كتب تمتدح الموساد وأخرى تشيد بجهاز استخبارات الجيش الصهيوني
(أمان)؟
كيف استغفلت
المقاومة الإسلامية استخبارات الجيران الذين صدعونا بقدرتهم على تتبع دبيب النمل وحركات
الذباب في الليل المعتم؟
كيف أسرت
هذا العدد الكبير وغير المسبوق في تاريخ المواجهات مع المقاومة عموما ومع حماس والجهاد
على وجه الخصوص؟
كيف نفّذ
هذه العملية شباب بلا تأهيل عسكري أكاديمي كهذا الذي يحظى به طلاب الكليات والمعاهد
الحربية في عالمنا العربي المبتلى بكمّ هائل من أصحاب الرتب وحملة النياشين الذين لم
يخوضوا حربا حقيقية واحدة؟
كيف قاد
هؤلاء حربا خاطفة لم تدم سوى نصف ساعة ودخلوا إلى العمق الاستراتيجي للعدو ودمروا كتيبته
العسكرية، وأجبروا قادة الاحتلال السياسيين والعسكريين على انتظار بيانات أبو عبيدة
كما كنا ننتظرها نحن عبر الشاشات؟
هذه كلها
أسئلة بلا أجوبة ولن تجد لها لأن الاحتلال أصيب بالصدمة ولو أفاق منها فسوف يفصح عن
القليل ويخبئ الكثير، حتى لا تكون الفضيحة أشبه بهزيمة العرب في حزيران/ يونيو ١٩٦٧،
لذا فقد بادرت أمريكا وحلفاؤها لستر عورة الصهاينة ومحاولة لملمة ما تبعثر من كبريائهم
العسكري المزعوم.
هذه الأسئلة
وعلى رأسها وأهمها أسر ٢٠٠ ضابط وجندي (دون حساب المحتجزين) أو يزيد ستحتاج إلى وقت
ربما يطول، وسيذهب ضحية الإجابة عليها أو على جزء منها ساسة وجنرالات كبار وصغار في
صفوف الاحتلال وصفوف مؤيديه ومعاونيه.
هذه الأسئلة
من وجهة نظري أسئلة متخصصة لا تستفز أحدا، بيد أن هناك أسئلة أخرى قميئة ومستفزة يطرحها
الكيان العبري عبر منابره العربية ويختار لها وجوها نكرة ومستنكرة كأنها حُمر مستنفرة
فرت بالفعل من قسورة، ومن تلك الأسئلة العبرية قول أحدهم أو إحداهن: وهل تشاورت حماس
معنا قبل أن تشن هجومها وتفعل فعلتها (يكاد يقول النكراء)؟
ولماذا
نتورط في الذود والدفاع عن حماس وهي تعلم أن الاحتلال أقوى منها وتعلم أنه سيدمر
غزة
على رؤوس أهلها؟
وماذا
فعلت حماس لشعب غزة بالأموال التي تم التبرع بها؟
ولنبدأ
بالسؤال الأول والجواب سهل وبسيط؛ أوَ لستم تزعمون أن فلسطين قضيتكم؟ فلماذا لا تعلنون
الحرب أو تستردوها بالقوة وفق اتفاقية الدفاع العربي المشترك والموقعة في عام ١٩٥٠؟
وإذا كنتم
اكتفيتم بالصمت عبر عقود فلماذا لا تتحدثون إلا عندما يصيب الاحتلال الضرر؟ ثم هل تعتقد
أن حماس وجدت شريكا عربيا للتشاور معه في شؤون المقاومة، أم أن همّ كل الجيران وعلى
رأسهم مصر كشف خطط المقاومة وإرسالها إلى الاحتلال كما حصل بالاعتراف بمعلومات عن تحذير
مصري بقرب شن عملية من قبل حماس؟ هل هذه نظم تستأمن أو تستأذن على سر؟
ثم منذ
متى والمقاومة تعلن برنامجها العسكري وتحركاتها الميدانية؟ وهل لا بد أن تنشرها في
الجريدة الرسمية وتطلب الدعم عليها. لو كان هناك مجلس فاعل للدفاع العربي كما نصت اتفاقية
الدفاع العربي المشترك فلربما تم التشاور معهم، ومرة أخرى سوف تتسرب هذه المعلومات
إلى الاحتلال كما تسربت معلومات شن حرب أكتوبر ١٩٧٣ من قبل عبر جاسوس مصري في قمة السلطة
وكما فعل ملك عربي في لقاء مع جولدا مائير والحمد لله أنها لم تصدقه.
أما لماذا
فعلت حماس فعلتها وهي تعلم أن العدو أكبر منها وأشد قوة وبأسا؟ والإجابة بسيطة: وماذا
جنى من أوقفوا المقاومة ورضوا بالسلام الوطني والعلم والسجادة الحمراء والسيارة المرسيدس
السوداء؟ هل حصلوا على دولة؟ هل امتنع الاحتلال عن قصف الضفة وقتال أهلها في حرب شوارع
حتى هذه اللحظة؟ وماذا عن عرفات الذي أسقط البندقية ورفع غصن الزيتون فأصابته رصاصات
الاحتلال فأسقطت الغصن وأحرقت الأشجار وقتلت عرفات بالسم أمام أعين الملايين ومن
بينهم حكام العرب وخصوصا دول الجوار؟
ثم ماذا
فعلت حماس بأموال الشعب التي تم التبرع بها؟ لم تستلم حماس أموالا بل جاءتها شركات
ومؤسسات فأقامت المشاريع التي تقصفها
إسرائيل صباح مساء.
لا أحد
يزعم أنه قدم أموالا لحماس، والدول النفطية الكبرى لو تبرعت إحداها بمليار دولار لشعب
غزة المحاصر فلن يضيرها شيء فالمليارات دولار هي عائدات بيع النفط ليوم واحد، ولا تنسى
أن سعر النفط يرتفع كلما قامت الحرب في فلسطين. وأتحدى أن يزعم مسؤول عربي جهرا أو
سرا أنه قدم لمسؤولي حماس أموالا أو حول إلى حساباتهم دولارا واحدا إن كان لهم حسابات
في بنوك الدنيا الفانية.
الحديث
المكرر كلما أصاب الكيان الصهيوني الضرر يتبناه بعض نفر عرب يزعمون أنهم يسعون للسلام
ويكرهون الحرب، بعضهم تبوأ مناصب وزارية وخرج منها مفضوحا وبعضهم لديه ثأر مع الإسلاميين
يقوم بتصفيته عندما تتعرض إسرائيل لضربة من ضربات المقاومة ثم يخنس بقية العام، وكأنه
لا يرى القنابل تهبط من فوق السحاب والبيوت تهدم فوق رؤوس الأطفال والجثث تتطاير تطاير
الشظايا فلا يحرك كل ذلك فيه ساكنا ولا ينبض له قلب ولا يرمش له جفن كأن به عمى.
"السبت
الأسود" ليس أسود على الصهاينة في إسرائيل ولا البيت الأبيض ولا ألمانيا ولا فرنسا
المحاربة ولا بريطانيا الاستعمارية ولا إيطاليا الفاشية وإن ارتدت زيا شعوبيا..
"السبت الأسود" شديد السواد أيضا على المتصهينين العرب سواء في بعض دول مجلس
التعاون الخليج العربي أو في أقصى المغرب العربي أو في الشام ومصر.