أثار إعلان الأزهر الشريف دعم المقاومة
الفلسطينية والإشادة بها وتحيته لصمودها ومطالبة العالم الإسلامي بالوقوف معها، لمواجهة الالتفاف الغربي اللاإنساني لدعم الكيان المحتل، في بيان لافت، الأربعاء الماضي، الكثير من ردود الفعل والتساؤلات حول استعادة الأزهر دوره المسلوب، وفائدة بيانه للمقاومة بمواجهة الدعم الغربي للاحتلال الإسرائيلي، وإزاء الصمت العربي.
وفجر السبت، أطلقت "كتائب القسام"، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، عملية عسكرية تحت اسم "طوفان الأقصى" ردا على انتهاكات شرطة وجيش الاحتلال والمستوطنين الإسرائيليين، المستمرة، بحق الفلسطينيين والمسجد الأقصى، ما ردت عليه إسرائيل بإعلان الحرب واستهداف العزّل في قطاع
غزة.
ومع صعوبة الأوضاع في غزة، وتواصل جرائم قصف الاحتلال لها بأسلحة محرمة دوليا، ودعم أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والهند وعدد كبير من دول الغرب للمعتدي الإسرائيلي، يأتي بيان الأزهر مخاطبا العالم الإسلامي ومشددا على أن "دعم الفلسطينيين المدنيين الأبرياء واجب ديني وشرعي والتزام أخلاقي وإنساني".
وفي رسالة ثانية إلى العالم الغربي، ندد الأزهر، بازدواجية معايير الإعلام الغربي في التعامل مع القضية الفلسطينية، واصفا إياها بـ"تغطية متعصبة ومتحيزة، تحمل أكاذيب تفضح دعاوى الحريات التي يدعي الغرب حمايتها".
وأكد الأزهر، أن استهداف أهالي غزة من النساء والأطفال والشيوخ العزل وقصف الأسواق والمستشفيات والمساجد واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا، يعتبر "إبادة جماعية، وجرائم حرب مكتملة الأركان، ووصمة عار على جبين الصهاينة وداعميهم"، مضيفا أن "التاريخ لن يرحم المتقاعسين المتخاذلينَ عن نصرة الشعب الفلسطيني".
وفي حصيلة مرشحة للارتفاع، أعلنت وزارة الصحة في غزة، أن عدد الشهداء جراء عدوان الاحتلال المستمر وصل 1055 شهيدا، وقرابة 5184 جريحا، بينهم أطفال ونساء.
ردود الفعل بشأن بيان الأزهر، تباينت بين فرح وسرور باستعادة الأزهر كمؤسسة دينية لها احترامها بين العالم الإسلامي لدورها، وتأثير هذا البيان في دعم المقاومة وحث المسلمين على دعمها، وبين غضب في دوائر الحكم المصرية، لما يمثله بيان الأزهر من إحراج شديد، في وقت تحاول فيه
القاهرة إمساك العصا من المنتصف بين المقاومة وحليفتها إسرائيل.
كما أثار غلاف مجلة صوت الأزهر، الصادرة الأربعاء، غضب السلطات المصرية التي اعتبرته محرجا لها حيث خرج بمانشيت باللغات العربية والإنجليزية والعبرية، يقول "الاحتلال أصل كل الشرور"، مع سؤال: "اسأل ضميرك"، طارحا معه 10 أسئلة كاشفة عن جرائم الاحتلال على مدار عقود.
ومن تساؤلات المجلة: "مَن الطرف الذي احتل وما زال يحتل أراضي غيره طوال 75 عامًا؟"، و"مَن الطرف الذي يعتبره المجتمع الدولي سلطة احتلال وفق قواعد القانون الدولي؟"، و"مَن الطرف الذي يرفض تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن طوال 75 عاما؟"، و"مَن الطرف الذي يزرع أرض غيره مستوطنات غير شرعية، منتهكًا القانون الدولي؟".
وأشار موقع "مدى مصر"، إلى "حالة من الاستياء الحكومي والحرج من بيان اﻷزهر المُحتفي بالمقاومة"، ناقلا عن مصدر لم يكشف عن اسمه، أنه تم إبلاغ مكتب شيخ الأزهر، بشكل غير مباشر، بالحاجة لتبني خطاب لا يشجع على انفلات الأمور، وضرورة التحوط في الخطابات المقبلة، بالإضافة إلى الإعراب عن عدم الارتياح لغلاف جريدة صوت الأزهر.
"مقدَّر ومشكور.. وننتظر المزيد"
وفي تعليقه على بيان الأزهر، قال الباحث والمحلل السياسي المصري عزت النمر: "الأزهر قدم أفضل البيانات حول الأحداث، إذ لم يستنكف وشيخه أن يعلن وبوضوح الدعم الكامل لصمود الشعب الفلسطيني، والتأييد الكامل لحقه في ترابه وحريته والعيش بأمان على أرضه".
وأضاف النمر، في حديثه لـ"عربي21": "لم يبدُ بالبيان شبهة ممالاة للنظام بموقفه المتردد المتخاذل، بل تكلم بلسان فصيح يلطم كل متخاذل ومتقاعس عن دعم القضية التي اعتبرها قضية الأزهر والأمة، كما هي قضية الشعب الفلسطيني".
وثمن الناشط في مجال حقوق الإنسان، أيضا "موقف الأزهر بمطالبة العالم الإسلامي بالوقوف بمواجهة موقف العالم الغربي اللاأخلاقي واللاإنساني الداعم للاحتلال والمؤيد للإجرام الصهيوني بكل صوره وانتهاكات الكيان المحتل المستمرة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل".
وقال الباحث المهتم بقضايا مصر والأمة العربية والإسلامية: "أقدر أن تخرج مجلة صوت الأزهر بأسئلة موجهة باللغات الثلاث العربية والإنجليزية والعبرية توضح فيها موقف الأزهر، وإن كانت كلمة طرف المتكررة لم تعجبني واعتبرتها زلة قلم".
وأضاف: "كل هذا مقدَّر ومشكور للأزهر وشيخه، لكننا نؤكد أن هذا الموقف وإن كان هو الأفضل بين ردات الفعل على الأحداث؛ فإنني أراه أقل من أن يتناسب مع الأزهر الشريف بتاريخه وقدره في نفوسنا".
وأكد أن "الأزهر، روح الأمة ومناط قيادتها وعلماؤه وكلمته هم قادتها ورموزها ومنارتها الراشدة، ومن هذا المنطلق كنت أنتظر من الأزهر أن يفتح بابا للعمل مجاورا لكلمة الحق التي قالها".
وتساءل: "أين الخطوات العملية بنداء الأزهر؟ ولماذا لم يفتح عبر مؤسساته حسابا لجمع المساعدات المالية والعينية لدعم الفلسطينيين في محنتهم القاسية؟ ولماذا لم يدع وهو يعلم القيود على حركة الجماهير إلى وقفة للشعب المصري دعما لفلسطين، بكل المساجد الجمعة القادمة، أو بالجامع الأزهر".
وتابع: "عندما نستمع لكلمة الأزهر نستمع لأعرق مؤسسة دينية بالعالم، لذا نتوق إلى المفردات الشرعية في بيان فتح أبواب الجهاد لشباب الأمة، وقول كلمة الحق فيمن يحول بين المسلمين وبين نصرة القدس الشريف أغلى المقدسات، وما أبواب الجهاد الشرعية في موقفنا هذا، وما رأي الإسلام الصريح في التطبيع".
وفي إجابته على التساؤل: كيف أعادت عملية "طوفان الأقصى" للأزهر أدواره بالعالم الإسلامي؟، يعتقد النمر، أن "موقف الأزهر أعاد لنفسه شيئا من بهائه ونقائه مرجعية للأمة ومنارة لها، لكن قدر الأزهر وتاريخه الناصع يجعلنا نطالبه بأن يعلن بمنتهى الشجاعة موقفه من حالة الاستبداد السياسي الذي تواجهه الأمة وحياة القهر التي فرضت على الشعوب".
أما عن دور بيان الأزهر في رفع الروح المعنوية للفلسطينيين، وتحريك العرب والمسلمين لدعمهم، قال الباحث المصري: "كلمة الأزهر ليست كغيرها، وهي إعلان لصرح إسلامي ينتظره الجميع، وتنتظره المقاومة وينتظره رجالات المبادئ بالأمة، يرفع همتها ويثبت خطوها ويدعم جهادها ويمنحها دعما تحتاجه بالظرف الدقيق".
وأضاف: "بدون شك، موقف الأزهر يمكنه تحريك مياه العرب والمسلمين الآسنة لدعم فلسطين، بشرط أن يزاوج هذا الموقف بين الكلمة الصادقة والعمل الصالح فيكون بيانا للحق وفي نفس الوقت يقدم خطوات عملية على الأرض تؤيد هذا الحق وتدعمه".
وحول احتمال أن يتخذ النظام المصري إجراءات عقابية أو تقريعية بحق الأزهر وشيخه ومجلته، قال النمر: "مؤسسة عريقة كالأزهر، في مواقف الحق والمبادئ لا يجب أن تعتبر لنظام سياسي أو تنتظر منه رأيا، إنما الأزهر يرجع في قراره ومواقفه إلى عقيدته والإسلام الذي يمثله وهيبة علمائه وليس غير ذلك".
وختم بالتأكيد على أن "هذا هو الأزهر وتاريخه وإرثه وتقاليده، فإن هم فعلوا ذلك كان على النظام السياسي أن ينتظر رأي الأزهر ويبني مواقفه تبعاً لمواقفه حتى ولو كان من باب أن يتكئ عليها لتحقيق موقف لا يسقطه أكثر مما هو ساقط".
"خلاف وصدام"
ومنذ انقلاب عام 2013، يجري صراع بدا أمام الكاميرات أكثر من مرة بين رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، وشيخ الأزهر، أحمد الطيب. برغم دعم الأخير الانقلاب العسكري الذي قاده الأول منتصف 2013.
البداية كانت برفض الطيب، علنا توجهات السيسي في تجديد الخطاب الديني، ودخولهما في سجالات علنية، ومع ذلك فإن الحصانة التي يمنحها الدستور والقانون للمنصب الذي يعادل درجة رئيس وزراء منعت السيسي من إطاحة الشيخ.
وفي أكثر من مناسبة لام السيسي شيخ الأزهر، بل وأهانه في مشهد بثته فضائيات مصرية، للحظة وصول السيسي مقر الاحتفال بالمولد النبوي العام الماضي، وتجاهله السلام على شيخ الأزهر الذي كان بانتظاره على باب قاعة الاحتفال.
ويرى مراقبون أن الأزهر وشيخه أصبحا بلا دور حقيقي، في عهد السيسي، الذي منح وزير الأوقاف، مختار جمعة، ومفتي الجمهورية، شوقي علام، أدوارا أكبر، وحاول أن يأكل من دور الأزهر عبر إقرار قانون "هيئة الأوقاف"، ونزع حق الفتوى من الأزهر لصالح دار الإفتاء، ولذا فإن بيان الأزهر الداعم للمقاومة، كانت له أصداء واسعة.
"بيان تنسيقي"
وفي قراءته لبيان الأزهر، قال الناشط والمنتج السينمائي الفلسطيني أيمن وادي: "ما أراه للأسف أن الأزهر أداة من أدوات النظام المصري وليست مؤسسة مستقلة بشكل حقيقي، وأن بيانه في تقديري ومن تجربتنا مع ما رأيناه من الأزهر بالسنوات الماضية أنه لا يستطيع بشكل مباشر أو علني التصادم مع قرار الدولة المصرية".
ويرى وادي، في حديثه لـ"عربي21"، أن "هناك نوعا من التنسيق ما بين الدولة الرسمية والأزهر كمؤسسة؛ كشيء من التنفيس أو امتصاص الغضب الشعبي الذي قد يحدث، لتحسين الموقف المصري من الأحداث، والذي أراه سيئا كالعادة".
وأكد أنه "كان أحرى بالأزهر، أن يتحدث عن معبر رفح وضرورة فتحه، لأنه مصري فلسطيني وليس إسرائيليا، بل إن بيان الأزهر تجنب الحديث عن هذا الباب تماما، وراح في نوع من المزايدات وذكر الحقائق التي يعلمها الجميع دون إضافة جديد".
وأضاف: "الكلام ببلاش، والفعل هو المطلوب، والدولة المصرية قادرة على الفعل، وعليها فتح معبر رفح لإدخال المساعدات، وليس لتوفير ممر آمن لهروب أهالي غزة باتجاه سيناء".
وخلص الناشط الفلسطيني بالقول: "لا أنظر إلى شيء يخرج من مصر الرسمية أبدا نظرة إيجابية، ولا أرى أن هناك استعادة عبر هذا البيان لدور الأزهر كمؤسسة دينية في عيون أبناء الأمة، فهذا لن يحدث من مجرد الكلام، فنحن بحاجة لزمن الفعل".
وختم: "الخطابات الرنانة والاستنكار والشجب والدعوة للتعاطف زمن انتهى وولى تأثيره في النفوس، ومللنا كشعب فلسطيني من المزايدات والتعاطفات والاستنكارات والخطابات، ومن يريد دعم القضية فليدعمها فعليا أو يصمت أولى له".
"إشادة تليمة"
ومن جانبه، أشاد الداعية الإسلامي الشيخ عصام تليمة، في مقال نُشر بـ"عربي21"، الخميس، بدعم 3 رموز كبرى، للمقاومة الفلسطينية، وهم: شيخ الأزهر، أحمد الطيب، ومفتي عمان، الشيخ أحمد الخليلي، ومفتي ليبيا، الشيخ الصادق الغرياني، موضحا أن "هذه البيانات أظهرت الفرق الواضح والبين بين شيوخ السلطة، وشيوخ الأمة".
وقال تليمة، إن "بيانات الطيب، كانت الأقوى والأعلى بحكم منصبه وموقعه، وبصياغتها القوية، والتي عبرت عن القضية الفلسطينية خير تعبير، بل جعلتها معلمة للأمة، ومضرب المثل والنبراس لها".
وأشار إلى تأثير بيانه الذي ندد بازدواجية معايير الإعلام الغربي وتدليسه على المقاومة، وتلبيسه على الناس بغير الحق، مؤكدا أنه كان بيانا من أقوى ما صدر عن المؤسسات والأفراد في ما يتعلق بعملية طوفان الأقصى.