نشر
موقع "
ميدل إيست أي" مقالا للصحفيين بيتر أوبورن وعمران ملا، حمل عنوان:
"الحرب الإسرائيلية الفلسطينية: إصابة
بريطانيا بجائحة من العنصرية ضد
الفلسطينيين لا تجد من يكبح جماحها".
وأكد
المقال أن "بريطانيا تخاطر باستيراد سفك الدماء من
غزة إذا ما استمر من يفترض
فيهم أنهم مفكرو التيار الرئيسي فيها في بث التعصب السام والتحريضي ضد المسلمين".
وفيما
يلي النص الكامل للمقال الذي ترجمته "عربي21":
علقت
وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان على الصراع الدائر في غزة يوم الأحد
عندما أصدرت تصريحاً عاماً قالت فيه إنه "ينبغي ألا يتم التسامح مع أدنى قدر
من معاداة السامية والإشادة بالإرهاب في شوارع بريطانيا."
وكانت
محقة فيما ذهبت إليه. فحتى أكثر المتحمسين لدعم القضية الفلسطينية ينبغي أن يقروا
بأن من واجبات وزير الداخلية البريطاني منع اندلاع العنف والكراهية في الشوارع
البريطانية – ولا يوجد أولى من ذلك في وقت تندلع فيه الحرب في الشرق الأوسط، بما
يرافق ذلك من مواقف عاطفية في جميع الأطراف.
وأكثر
من أي وقت مضى، ثمة حاجة في مثل هذه الأوقات للكياسة والتفكير المتزن والسلوك
المتحضر.
ولكن
للأسف، لم يزل تدخل وزيرة الداخلية حتى الآن منحازاً وأحادي الجانب.
على
مدى الساعات الثماني والأربعين الماضية، سرت في بريطانيا جائحة من العنصرية ضد
الفلسطينيين ومن التعصب ضد المسلمين لا تجد من يكبح جماحها – ومع ذلك التزمت
الوزيرة برافرمان إزاءها الصمت، ولا عذر لها في ذلك.
والأكثر
من ذلك أن هذا التعصب يرتكبه أشخاص في موقع المسؤولية.
"الشهوة
الإسلامية للدماء"
خذ
على سبيل المثال محرر الصحيفة البريطانية "جويش نيوز" ريتشارد فيرير
الذي كتب مقالاً في ذي صنداي إكسبريس يقول فيه إن هجوم حماس العسكري على إسرائيل
كان "بوضوح وببساطة شهوة إسلامية تاريخية للدماء، توارثتها الأجيال جيلاً بعد
جيل منذ الرعيل الأول."
هذا
الخطاب مسموم، وهو شكل من أشكال التشهير. تحت وطأة ردود الفعل، تم تبديل كلمة
إسلامية إلى كلمة إسلاموية.
أما
محرر صحيفة ذي جويش كرونيكل جيك واليس سايمونز فقال في نفس اليوم إن "جل
الثقافة المسلمة في قبضة مذهب الموت الذي يقدس سفك الدماء. ليس الجميع، وإنما كثير
من المسلمين يتعرضون لغسيل دماغ من خلالها." وتحت ضغط ردود الأفعال مسح
التغريدة، ولكن لاحظوا أنه تركها في مكانها لما يزيد عن يوم.
مثل
هذه التصريحات التحريضية تنطوي على مخاطرة قد تفضي إلى استيراد سفك الدماء من غزة
إلى بريطانيا نفسها.
والأكثر
من ذلك أن عبارات مثل "الشهوة الإسلامية للدم" أو مثل "مذهب
الدم" ليست خطيرة فحسب بل هي باطلة من الناحية التاريخية. يستحق الأمر أن
نذكر بأنه عندما أخرج اليهود من إسبانيا المسيحية في عام 1492، وجد كثيرون منهم
ملاذاً آمناً في العالم الإسلامي، وبشكل خاص داخل الإمبراطورية العثمانية.
ولقد
فند المؤرخ اليهودي آفي شليم، أستاذ العلاقات الدولية المتقاعد في جامعة أكسفورد،
هذه السردية الباطلة في كتابه الأخير "ثلاثة عوالم: مذكرات يهودي عربي"،
حين أكد على "التقليد القديم من التسامح الديني والتاريخ الطويل من الانسجام
النسبي بين مختلف قطاعات المجتمع" في بلده الأصلي العراق.
يشير
آفي شليم في كتابه المذكور إلى أن "أوروبا استغرقت وقتاً أطول بكثير من
العالم العربي لتقبل اليهود كمواطنين متساوين."
تعصب
محض
يصعب
المبالغة في مدى ما لهذه اللحظة من تاريخ الشرق الأوسط الحديث من مهابة. بل هي
الأكثر ترويعاً منذ حرب يوم الغفران قبل خمسين عاماً.
في
مثل هذه الأوقات، تناط بمن هم في مواقع التأثير مسؤولية خاصة للرد بهدوء وتجنب
اللغة التحريضية والاستفزازية.
إلا
أن آخرين انضموا إلى المعمعة. ومن هؤلاء المحرر السابق لصحيفة ذي صن، كالفين
ماكنزي، الذي سعى إلى تحويل الأحداث المأساوية التي جرت خلال الأيام القليلة
الماضية إلى سلاح حين علق قائلاً: "صوت لستارمر تحصل على الإسلام" –
معتبراً المسلمين البريطانيين عدواً وجودياً.
تصور
ماذا كان سيحدث لو أن رد ماكنزي تمثل في التحذير من أن التصويت لصالح المحافظين
بزعامة ريشي سوناك سوف "يأتي بالهندوس". لو حصل ذلك لاعتبر مباشرة
دليلاً على التعصب الأعمى.
وإليكم
دوغلاس ماري، المعلق البارز في التيار اليميني الذي يكتب بشكل دوري في مجلة ذي
سبيكتاتور وفي صحيفة ذي صن، الذي غرد ناشراً صورة لرجلين في نيويورك يرفعان يافطة
كتب عليها "يهود من أجل فلسطين حرة"، وقال واصفاً إياهما: "هؤلاء
أغبى ناس في نيويورك اليوم. يهود من أجل الانتحار الجماعي."
في
عددها الصادر يوم الأحد، نشرت صحيفة ذي تايمز العنوان التالي: "اليهود
البريطانيون يتأهبون لمواجهة جرائم الكراهية بينما تنظم مجموعات مناصرة لفلسطين
الاحتفالات"، في ربط صريح ومباشر ما بين المجموعات المناصرة لفلسطين والهجمات
المعادية للسامية.
معاداة
السامية أمر بغيض، ولكن من المؤذي والخطير الإيحاء بأن أي تعبير عن الهوية
الفلسطينية أو عن دعم حق تقرير المصير الفلسطيني – وهو نضال مشروع بموجب القانون
الدولي – يعتبر خطيئة من الناحية الأخلاقية أو حتى عملاً إرهابياً.
لقد
غدا مقبولاً في جل الخطاب البريطاني الإيحاء بأن العلم الفلسطيني نفسه – وهو ليس
علم حماس – يرتبط بطريقة ما بجرائم القتل وبالإرهاب وبمعاداة السامية.
هذا
يعني أنه لا توجد طريقة أمام الفلسطينيين للتعبير عن هويتهم دون أن يوصموا
بالإرهاب.
غدا
دعم الحرية الفلسطينية وتقرير المصير الفلسطيني ينظر إليه باعتباره أمراً
"همجياً". وحتى مجرد الإيماء بالتضامن مع الفلسطينيين يعامل كما لو كان
دعماً للتوحش.
والأمر
لا يقتصر على الصحفيين فقط.
جرائم
الحرب
كتب
جيمز أور، أستاذ الفلسفة والأديان في جامعة كامبريدج، معلقاً على مقطع فيديو
لجمهرة من الناس في مانشستر يلوحون بالأعمال الفلسطينية ويحملون يافطات كتب عليها
"الحرية لفلسطين" متسائلاً: "هل شهدت شوارع بريطانيا شيئاً أحط
أخلاقياً من هذا؟".
سوف
يجيبه البعض بأنها شهدت، ولكن لا يملك المرء إلا أن يتساءل ماذا سيكون شعور الطلبة
الفلسطينيين الدراسين في جامعة كامبريدج إزاء هذا السلوك من قبل الأستاذ أور.
أما
الأكاديمية في جامعة كامبريدج شارلوت برودمان فغردت معلقة على مقطع فيديو لسيارة
مزينة بالعلم الفلسطيني تسير إلى جانب دراجة نارية يرفرف فوقها نفس العلم قائلة:
"الاحتفال بقتل واختطاف الإسرائيليين ربما كان أبشع جريمة كراهية رأيتها
ترتكب على الملأ في الشوارع البريطانية."
في
هذه الأثناء أمر رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك بإسقاط صورة العلم الإسرائيلي
بالأشعة على مقر رئاسة الوزراء في رقم 10 داونينغ ستريت، متعهداً بتقديم "دعم
مطلق" لإسرائيل.
ومع
ذلك يعلمنا التاريخ الحديث بأن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب في غزة. فقد قتل ما يقرب
من 1500 مدني فلسطيني في عملية "الجرف الواقي" في عام 2014. وفي عام
2018، أطلق القناصة الإسرائيليون النار على المتظاهرين الفلسطينيين فقتلوا منهم
أكثر من مائتين وجرحوا ما يقرب من 36 ألفاً أثناء مسيرة العودة الكبرى.
ويوم
الاثنين أمر وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت بفرض حصار تام على قطاع غزة، بما
في ذلك فرض حظر على مد القطاع بالأغذية والكهرباء والوقود. وهذا عمل لا يمكن وصفه
إلا بأنه عقاب جماعي بحق 2.3 مليون فلسطيني من سكان غزة، ويعتبر ذلك جريمة حرب
بموجب القانون الدولي.
ثم
عندما أتيحت الفرصة عبر التلفزيون لوزير الخارجية البريطاني جيمز كلفرلي للتنديد
بهذا الإجراء امتنع عن ذلك.
والمفارقة
في هذا الأمر أن بعضاً من وسائل الإعلام الإسرائيلية تبدو أكثر توازناً من التغطية
الإعلامية البريطانية. نشرت صحيفة هآريتز، وهي الصحيفة الليبرالية الرائدة في
إسرائيل، مقالاً يوم الأحد أعلنت فيه أن "هجوم حماس إنما يتحمل المسؤولية عنه
بشكل لا لبس فيه شخص واحد: إنه بنيامين نتنياهو."
اتهمت
الصحيفة نتنياهو بالفشل في "تحديد الأخطار التي كان عن إدراك منه يدفع
بإسرائيل نحوها حينما أقام حكومة الضم والمصادرة، وعندما عين بيزاليل سموتريتش
وإيتمار بن غفير في مناصب رئيسية، بينما راح هو يتبنى سياسة خارجية تتجاهل علانية
وجود الحقوق الفلسطينية."
قرار
سوناك إقرار إسرائيل بزعامة نتنياهو على كل ما قد تقوم به خلال الأيام والليالي
القادمة من إجراءات لا يعتبر فقط وبكل بساطة غدراً بالفلسطينيين، وإنما هو عمل
أرعن ولا مسؤول.