نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا كشف أن "حياة الموظفين في السفارة الأمريكية في
القاهرة ربما تكون قد تعرضت للخطر بسبب تبادل السيناتور الديمقراطي المتهم، بوب مينينديز، معلومات حساسة عن الموظفين مع الحكومة
المصرية، وفقا لمسؤولين أمريكيين كبار سابقين قالوا إن الاتهامات تمثل خيانة خطيرة للأمانة".
وأضافت الصحيفة في تقريرها الذي أنجزته كل من الصحفية، روث مايكلسون، والصحفية، ستيفاني كيرشغايسنر، أن "عضو مجلس الشيوخ عن ولاية نيوجيرسي، استقال مؤقتا من منصبه القوي كرئيس للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ في أيلول/ سبتمبر الماضي، بعد أن وجه المدعون الفدراليون في نيويورك لائحة اتهام ضده بتهم الفساد، بما في ذلك مزاعم بقبوله رشاوى نقدية وسبائك ذهب مقابل انتهاك واجباته، بطرق تعود بالنفع على
الحكومة المصرية".
وتابع المصدر نفسه، أنه "دفع مينينديز بأنه غير مذنب في هذه الاتهامات وقاوم الدعوات الرامية إلى استقالته، بما في ذلك من زملائه الديمقراطيين" مشيرا إلى أنه "من بين كبار المسؤولين الأمريكيين السابقين وبعض المعارضين المصريين، يبرز اتهام واحد مدرج في لائحة الاتهام ضد السيناتور: أنه في أيار/ مايو 2018، حصل مينينديز على تفاصيل من وزارة الخارجية حول عدد وجنسيات الأشخاص العاملين في السفارة الأمريكية في القاهرة، وهي واحدة من أكبر السفارات الأمريكية في الشرق الأوسط".
وأكد التقرير أن "مينينديز متهم بتمرير هذه المعلومات إلى مسؤولين مصريين، عبر زوجته نادين مينينديز، ورجل الأعمال من نيوجيرسي، وائل حنا، الذي دفع مؤخرا ببراءته من التهم الموجهة إليه برشوة السيناتور؛ ونفى مينينديز ونادين مينينديز وحنا ارتكاب أي مخالفات".
وأشار المصدر إلى أن "لائحة الاتهام تنص على أنه بالرغم من أن هذه المعلومات لم تكن سرية، إلا أنها اعتبرت حساسة للغاية لأنها يمكن أن تشكل مخاوف أمنية تشغيلية كبيرة، إذا تم الكشف عنها لحكومة أجنبية أو إذا تم نشرها للعامة" موضحا أنه "بحسب ما ورد فتح مكتب التحقيقات الفيدرالي أيضا تحقيقا لمكافحة التجسس يتعلق بهذه الاتهامات".
وفي هذا السياق، قال مسؤول سابق رفيع المستوى في وزارة الخارجية عمل في أنحاء مختلفة من الشرق الأوسط، بما في ذلك مصر: "إذا كان هذا الادعاء صحيحا، فهذا أمر يستحق الشجب؛ إن أحد أسوأ جوانب هذا الأمر هو أن الأمر لا يقتصر على بيع النفوذ، بل إنه يعرّض حياة الناس للخطر".
من جهته، قال الدبلوماسي السابق الذي أمضى 35 عاما في وزارة الخارجية والذي شملت مناصبه سفيرا في تونس، ومستشارا كبيرا للسفير الأمريكي في العراق ونائب رئيس البعثة في القاهرة، غوردون رغراي: "أعتبر هذه التهمة في لائحة الاتهام خيانة للأمانة".
وأضاف بالقول إن "موظفينا المصريون، يعملون لدينا في ظل مخاطر كبيرة محتملة على أنفسهم وأسرهم؛ وإنها أيضا خيانة لأمانة حكومة الولايات المتحدة بشكل كبير لحماية شعبها".
وأبرز التقرير أن وزارة الخارجية رفضت الرد على أسئلة حول تأثير التسرب الواضح أو ما إذا كانت توفر أمانا إضافيا للأفراد الذين ربما تعرضوا للخطر.
وتابع بأن الموظفين الأمريكيين المطلعون على الوضع الأمني المصري، أدركوا منذ فترة طويلة المخاطر المحددة التي تواجه الدبلوماسيين المقيمين في القاهرة؛ وأن العاملين في السفارة، وخاصة المواطنين المصريين، من المرجح أن يكونوا هدفا للمراقبة من قبل المخابرات المصرية. فيما تزايدت هذه المخاوف بشكل حاد بعد الانقلاب العسكري عام 2013 الذي أوصل رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، والذي أدى إلى عودة قوة أجهزة المخابرات المصرية.
أما بالنسبة للسفارة الأمريكية في القاهرة، أبرز التقرير أن "اعتقال واحتجاز الموظف أحمد عليبة بعد عام لحظة فاصلة، دعا التقارير في وسائل الإعلام المصرية الموالية للحكومة إلى القول إن عليبة، وهو مواطن مصري، تم احتجازه ونقله إلى حجز جهاز مخابرات مصري بعد اتهامات بأنه قام بتنسيق اجتماعات بين مسؤولين أمريكيين وجماعة الإخوان المسلمين".
وتابع المصدر نفسه، أن "الضغط على البعثات الأجنبية امتد أيضا إلى أولئك الذين يلتقون بالدبلوماسيين: ففي عام 2020، اعتقلت قوات الأمن اثنين من موظفي المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وهي منظمة بارزة لحقوق الإنسان، بعد استضافتهما اجتماعا لمجموعة من الدبلوماسيين الغربيين في مقرها بالقاهرة".
وقال المسؤول السابق بوزارة الخارجية: "إن الحكومة المصرية أقل اهتماما بإقناع الأشخاص الذين يعملون لصالح الأمريكيين بعدم العمل معهم من اهتمامها باستخدام هؤلاء الأشخاص كأصول لجمع المعلومات الاستخبارية، لذا فإن هذا ليس بالضرورة أمرا يتعلق بالسلامة الجسدية للأمريكيين في مكان مثل مصر". وتابع أن "هذا يعني أيضا أن الحكومة المصرية، التي تتلقى أكثر من مليار دولار سنويا من الولايات المتحدة الأمريكية، تقوم بجمع معلومات استخباراتية عن دولة جعلتها حليفا رئيسيا من خارج الناتو".
إلى ذلك أشار التقرير أن "الولايات المتحدة تمنح مصر 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية الأجنبية سنويا، بينما اختارت إدارة بايدن مؤخرا حجب 85 مليون دولار، بسبب مخاوف حقوقية. وفي أعقاب اتهام مينينديز، تحرك رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالإنابة، بن كاردين، وكذلك أعضاء في الكونغرس، لمنع مبلغ إضافي قدره 235 مليون دولار، وهو أقصى مبلغ ممكن، حتى يتحسن سجل مصر في مجال
حقوق الإنسان".
وقال آخرون "إنه في حين أن المعلومات المتعلقة بموظفي السفارة والتي يُزعم أن مينينديز نقلها إلى المسؤولين المصريين كانت عرضة للتغيير المستمر، إلا أنها كانت ذات قيمة لأن المخابرات المصرية كانت قادرة على مقارنتها بالبيانات الأخرى التي تم تأمينها من خلال المراقبة، لتخمين أي أعضاء السفارة يمكن أن يكونوا موظفين في أجهزة المخابرات الأمريكية ويستهدفون الموظفين المصريين العاملين هناك على المدى الطويل" وفق التقرير.
وفي إشارة إلى الاتهامات الواردة في لائحة الاتهام، قال العضو السابق في مجلس الأمن القومي الأمريكي المشرف على شمال أفريقيا والأردن، بن فيشمان: "لن تعتمد الحكومة المصرية على مينينديز فقط للحصول على معلومات كهذه، فمن الواضح أن لديهم مصادرهم وطرقهم الخاصة لكيفية الحصول على هذه المعلومات، بما في ذلك التأشيرات وجوازات السفر وإحصاء الأرقام".
وأضاف: "إن الاستعداد لنقل تلك المعلومات وإرسالها هو، في رأيي، غير مناسب لعضو في مجلس الشيوخ". فيما أشار غراي إلى أن "المصريين العاملين في السفارة معرضون بشكل خاص للترهيب من قبل قوات الأمن المحلية؛ وإن الضغوط التي يواجهها الموظفون العاملون محليا دائما ما تكون في ذهن السفارات الأمريكية، على الأقل سفارات الولايات المتحدة في الدول غير الديمقراطية؛ ليس لديهم حصانة دبلوماسية، وعائلاتهم موجودة هناك. يمكن أن يكون الوضع أكثر خطورة بالنسبة لهم".
وقال معارض مصري مقيم في الولايات المتحدة إن "الحكومة المصرية ستكون على علم بوجود مصريين يعملون في السفارة الأمريكية في القاهرة، ويعتقد أنه من المحتمل أن يكون هناك بالفعل مخبرين يعملون لصالح مصر داخل السفارة" مضيفا أن "التبادل المزعوم لمعلومات حساسة وغير عامة، كما تبينه لائحة الاتهام، يعني أن مصر حصلت على مصدر آخر موثوق به للغاية للمعلومات حول موظفي السفارة" بحسب المصدر نفسه.