بعد التطورات الجارية في فلسطين المحتلة وهجوم المقاومة الفلسطينية المباغت على مواقع للكيان الإسرائيلي المحتل برا وبحرا وجوا، يثار التساؤل حول مدى تأثر المشهد السياسي
المصري الآني بما يجري قرب حدود مصر الشرقية وما قد ينتج عن تلك العملية العسكرية من أحداث.
وصباح السبت، أطلقت فصائل المقاومة الإسلامية، عملية "طوفان الأقصى"، والتي نفذت من خلالها عملية توغل بري بمستوطنات غلاف قطاع
غزة، وأطلقت رشقات صاروخية وصلت نحو 2200 صاروخ على مدن عمق
الاحتلال، ونفذت عمليات تسلل واسعة في محيط قطاع غزة خُطف وقُتل وأُصيب على إثرها عشرات الإسرائيليين.
وفي المقابل، أعلنت "إسرائيل" أنها في حالة حرب وأطلقت قذائفها على قطاع غزة، وهي الأحداث المتسارعة خلال الساعات الماضية التي دفعت الخارجية المصرية لدعوة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى ضبط النفس، محذرة مما اعتبرته "مخاطر وخيمة للتصعيد".
من جانبها، نشرت الصحف والمواقع المصرية صورة لرئيس النظام عبد الفتاح
السيسي، وهو يتابع الأحداث في فلسطين من مركز إدارة الأزمات الاستراتيجي، مشيرة إلى أن السيسي، وجه بتكثيف الاتصالات لاحتواء الموقف ومنع المزيد من التصعيد.
"أدوار سابقة"
وخلال السنوات الماضية وخاصة في عهد الرئيسين الأمريكيين دونالد ترامب (2017- 2021)، وجو بايدن (2021- 2025)، استمد السيسي، الكثير من الدعم الدولي بسبب أدواره في التهدئة بين الفلسطينيين و"إسرائيل".
ونجح نظام السيسي، عبر جولات مكوكية تقودها المخابرات المصرية في فرض التهدئة بين المقاومة الفلسطينية بأطيافها والاحتلال الإسرائيلي في أكثر من مرة بينها في أيار/ مايو 2021، بل إن السيسي أعلن عن تقديم 500 مليون دولار إلى غزة للمساهمة في إعادة إعمار القطاع، الذي دمرته الآلة العسكرية الإسرائيلية بغاراتها المميتة.
وفي آب/ أغسطس 2022، نجح نظام السيسي، في فرض تهدئة بين المعتدي الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية، ما دفع الإدارة الأمريكية والرئيس بايدن لتقديم الشكر للقاهرة على جهودها، وبهذا أنهى حالة من القطيعة تبناها بايدن في بداية حكمه تجاه السيسي، بسبب ملف انتهاكات حقوق الإنسان.
وتكرر هذا الأمر في أيار/ مايو 2023، بعد ارتقاء 34 شهيدا فلسطينيا في اعتداء إسرائيلي على القطاع، حيث أشادت الولايات المتحدة بدور مصر وقطر في الوساطة بين الاحتلال الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية المقاومة.
"هل ينجح؟"
وهو الأمر الذي يدعو للتساؤل: هل سينجح السيسي، هذه المرة التي تبدو أنها كبيرة ولن تكون كسابقاتها؟ وما النتائج المترتبة على فشله في إلزام الفلسطينيين و"إسرائيل" بالتهدئة؟ وهل يعد ذلك الفشل دوليا مسمارا في نعش السيسي كحاكم لمصر؟
وتأتي تلك التساؤلات في وقت يبدو فيه المشهد السياسي والاقتصادي والأمني المصري معقدا، خاصة مع تأزم أوضاع البلاد الاقتصادية وحلول آجال الكثير من الديون الخارجية القصيرة، وسط عشرات من المؤشرات الدولية على عجز البلاد عن الخروج من الأزمة المالية.
ويتزامن ذلك مع قرب الانتخابات الرئاسية المقررة في كانون الأول/ ديسمبر المقبل، والتي يسعى السيسي، بكل ما أوتي من قوة وأذرع سياسية وإعلامية وأمنية للفوز بها والحصول على ولاية رئاسية ثالثة لمدة 6 سنوات.
ويواجه هذا الأمر رفضا وغضبا من قبل المعارضة والكثير من المصريين، وسط الشكوى من سوء الأوضاع، ومطالبة السيسي بعدم الترشح، ومنح فرصة لغيره للتغيير، وذلك في ظل ما حققه المرشح الرئاسي المحتمل أحمد الطنطاوي، من قبول شعبي وتأييد ودعم بمواجهة السيسي.
وهو ما يثير التساؤل: حول مدى تأثر المشهد السياسي المصري بما يجري في فلسطين، واحتمالات أن ترفع عملية "طوفان الأقصى"، الحالة المعنوية لدى المصريين وتدفعهم للتمسك بحلم تغيير نظام السيسي؟
"جرعة الأمل"
وفي تعليقه، قال مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير عبد الله الأشعل، لـ"عربي21"، إن "الأثر الوحيد الواضح الآن على مصر لما تم في الأراضي الفلسطينية المحتلة هو أن جرعة الأمل لدى المصريين زادت، في ظل أوضاعهم الكارثية، وتمسك السلطة الحالية بموقعها".
وتوقع الأشعل، أنه "ستجري الآن محاولات مصرية للتوسط بين إسرائيل والمقاومة، بهدف استعادة أسرى تل أبيب الذين أسرتهم المقاومة اليوم"، مبينا أن "المقاومة نفذت عملية كبيرة لتبييض السجون الإسرائيلية من الأسرى الفلسطينيين وأخذت رهائن كثيرة بهذا الغرض".
وأضاف: "أتوقع أن يقوم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بغارة كبيرة على غزة، لفك الأسرى"، معتقدا أنه "لن يكون هناك شأن لمصر بالأمر هذه المرة، لأن إسرائيل سترفض أي تدخل مصري رغم أنه يكون دائما لصالحها ولا ينحاز للفلسطينيين".
وأكد أن "القيادة المصرية يجب عليها أن تفهم أمرا هاما وهو أن المقاومة الفلسطينية تعد رصيدا للأمن القومي المصري"، مشيرا إلى أنه "بالمنطقة العربية انفصلت الأنظمة عن مصالح الأوطان، وأصبح بقاء الأنظمة عبئا على وجود الوطن".
وقال السياسي المصري: إنه "من الناحية الاستراتيجية لا بد من العمل على أساس مهم وهو تحاشي الانتقام الإسرائيلي من قطاع غزة؛ لأنهم الآن كالذئب الجريح أو الكلب الجريح، ووجودهم الآن بالأراضي الفلسطينية المحتلة أصبح مهددا".
وفي نهاية حديثه توقع أن "تقوم إسرائيل بعملية كبيرة ضد غزة وربما تؤثر عليها تأثيرا فادحا، وربما تغتال قيادات، وتدمر المقار، وتستعيد أسراها ولا تطلق سراح الأسرى الفلسطينيين"، مشيرا لاحتمال أن تقوم أيضا بـ"تجفيف منابع الدور المصري في هذا الاتجاه".
"فرصة للسيسي"
وفي رؤيته يعتقد الخبير في القانون الدولي والعلاقات الدولية الدكتور السيد أبوالخير، أن "عملية طوفان الأقصى، فرصة كبيرة له (السيسي) لإحراز نقاط تدعم موقفه الضعيف في الانتخابات الرئاسية، وإعادة تقوية الدعم الدولي المستمر والقوي له".
وفي حديثه لـ"عربي21"، توقع الأكاديمي المصري أنه "لذلك سيتم استغلال الحدث بأقصى درجة لصالحه، ولصالح إسرائيل، لاستعادة دعمه وتقوية مركزه واستمراره في حكم مصر".
ويرى أبوالخير، أن "هذه المرحلة ليست سهلة؛ لأن العملية كبيرة وخسائر إسرائيل أكبر من أي عملية سابقة، خاصة في عدد الأسرى سواء أحياء أو قتلى؛ لذلك لا بد أن تكون تنازلات إسرائيل كبيرة وقاسية عليهم".
وتوقع أن يكون الموقف الفلسطيني أكثر قوة وأكثر من أي عملية سابقة، لما حققوه من انتصار كبير منحهم أوراق ضغط كبيرة وكثيرة وقوية تحت أيديهم، وأهمها الأسرى وعددهم الكبير، واحتلالهم معبر (كرم أبوسالم)، وهو ما يمكنهم من التنفس كثيرا بعيدا عن معبر رفح".
ويرى أنه "لذلك فإن المهمة صعبة وشاقة على النظام في مصر"، معتقدا أنه "سيحاول حد الاستماتة لإنجاح مفاوضات إنهاء العمليات العسكرية".
وقال الخبير الدولي المصري، إنه "في حال فشل نظام السيسي في فرض التهدئة فإن ذلك سوف يؤثر كثيرا جدا في موقفه ومركزه في الانتخابات الرئاسية أولا، وربما يفقد دعم اليهود على مستوى العالم، أي الدعم الدولي"، متوقعا أن "يكون هذا من أهم الأسباب لإنهاء فترة حكمه الذي أصبح على المحك".
ولفت إلى أن تلك الأحداث "سوف تؤثر كثيرا جدا على المشهد السياسي الداخلي، لأن الشعب المصري رافض تماما التنسيق الكبير في كل المجالات مع إسرائيل، فضلا عن مشاعر الأخوة الإسلامية والعربية وصلات النسب والمصاهرة بين المصريين والفلسطينيين".
وأضاف: "خاصة أنه وقر في قلوب وعقول المصريين أن قائد الانقلاب عام 2013، (السيسي)، جاء ليخدم كيان الاحتلال الصهيوني، وأنه يهودي، وليس مسلما، كما يردد مصريون، مما يؤثر سلبيا على الانتخابات الرئاسية".
وأكد أبوالخير أن "عملية (طوفان الأقصى)، سترفع الحالة المعنوية لدى المصريين وتدفعهم للتمسك بحلم تغيير النظام، وسوف يعتقد المصريون أنها فرصة لإظهار التضامن مع الأشقاء في فلسطين".
"ضد السيسي"
من جانبه، قال الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية الدكتور ممدوح المنير، لـ"عربي21"، إن "أخطر من العملية العسكرية كلها والقتلى والجرحى والاستيلاء على المستوطنات هي كلمة قائد كتائب (عز الدين القسام) محمد الضيف، الفريدة من نوعها على المستوى الاستراتيجي وتمثل تحولا كاملا بلغة الخطاب".
وأضاف أن "القائد العام لكتائب القسام، الذراع المسلح لحركة حماس، محمد الضيف، قدم نفسه ليس كقائد عسكري فحسب، بل قائد ثوري يطالب الشعوب بإزالة الأنظمة العميلة، ويطالب بالزحف نحو الأقصى من كل البلاد العربية، وإزالة الأنظمة العميلة".
ويرى المنير، أنه في كلمته "تحول استراتيجي كامل له ما بعده في المنطقة، وليس في فلسطين فحسب"، مشيرا إلى أن "حماس كانت دائما وأبدا حريصة على عدم استفزاز الأنظمة العربية، بل ومهادنتها أحيانا، واليوم يطالبون بإزالتها والثورة عليها والزحف المقدس من الجماهير نحو الأقصى".
وأضاف الخبير المصري: "سنتأكد من حقيقة هذا التحول من خلال تصريحات القادة السياسيين لحماس، فقد تكون كلمة الضيف، استثناء لطبيعة المعركة الدائرة، وإن كنت أظن أنها لا تفوتهم".
وتابع: "قد يشعر البعض بالسخرية من كلمتي هذه؛ ولكن هذه الحرب هي ضد السيسي في المقام الأول، وليس الصهاينة"، مضيفا: "تذكروها جيدا، حماس أحرقت السيسي تماما".
وأكد أن "تل أبيب وواشنطن تحتفظان بالسيسي، للتنسيق الأمني والسيطرة على حماس وسلاحها، الآن فقد سبب وجوده تماما، واحترق ولم يعد ذا نفع حتى لو قام بالتوسط لوقف إطلاق النار، فالأمر عادي جدا فلقد فعلها الرئيس الراحل محمد مرسي، نفسه من قبل".
ويرى المنير أن "توقيت المعركة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في مصر، وحالة السيولة التي بدأت، ثم يظهر محمد الضيف يطالب الشعب المصري بالزحف نحو القدس، وإزالة الأنظمة العميلة والمتعاونة مع الاحتلال، واستهداف معبر كرم أبوسالم مع مصر، هل هناك أوضح من ذلك؟".
وأكد في نهاية حديثه، أنه "بالطبع سترتفع بإذن الله معنويات المصريين، وستكون هذه الحرب قاصمة تماما لنظام السيسي، حتى لو نجح في وقف الحرب ولكنه فشل فشلا ذريعا في منع سلاح المقاومة، لقد تحول لعبء كامل الآن، وفقد مبررات وجوده لديهم".
"فرحة مصرية"
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي عبر مصريون عن فرحتهم الكبيرة بعملية "طوفان الأقصى"، معربين عن كامل دعمهم للمقاومة الفلسطينية، ومؤكدين أن عملية اليوم منحتهم الأمل في التغيير السياسي للنظام الحالي في مصر.
وربط البعض بين حلول الذكرى الـ52 لنصر أكتوبر المجيد 1973، أمس الجمعة، وهزيمة الأسطورة العسكرية الإسرائيلية على يد الجيش المصري والجيش السوري، وبين عملية "طوفان الأقصى" اليوم السبت، التي رأوا أنها مذلة للكيان المحتل وتكشف حالة عجزه ودعايته الكاذبة.
كما اعتبرها البعض ردا قويا على الأنظمة العربية المطبعة مع الكيان الإسرائيلي على غير رغبة شعوبها، وهو ما عبر عنه الرياضي المصري محمد أبوتريكة عبر صفحته بـ"فيسبوك".