مع قرب انتهاء فترة الأعياد اليهودية الحالية واستمرار الانتهاكات الإسرائيلية بحق المقدسات الإسلامية وخاصة المسجد
الأقصى المبارك بالقدس المحتلة والحرم الإبراهيمي بالخليل وغيرهما، تسلط "عربي21" الضوء على تفاصيل فترة الأعياد اليهودية التي يجري فيها تصعيد الانتهاكات الإسرائيلية ضد المقدسات في
فلسطين المحتلة.
ارتفاع أعداد المقتحمين
وتلبية لدعوات "منظمات الهيكل" المزعوم والجماعات اليهودية المتطرفة، تصاعدت اقتحامات مجموعات المستوطنين والمتطرفين اليهود الكبيرة للمسجد الأقصى المبارك خلال الأيام الماضية التي تزامنت مع "عيد العرش" اليهودي، وسط إجراءات أمنية إسرائيلية مشددة وحراسة القوات الخاصة التي اقتحمت المسجد، علما أن اقتحام الأقصى يتم في جميع أيام الأسبوع ما عدا الجمعة والسبت، وشهدت باحاته انتهاكات شاذة مست بحرمة المسجد الإسلامي الخالص.
وبحسب ما أكدته إدارة المسجد الأقصى لـ"عربي21"، فقد تضاعفت أعداد المقتحمين للمسجد وبلغ عددهم أمس الخميس 1178، وقبله الأربعاء 1459 متطرفا، والثلاثاء الماضي أكثر من 800، ويوم الاثنين وصل عددهم 1489 متطرفا.
وتنوعت انتهاكات المقتحمين وسلوكياتهم التي تمس بحرمة المسجد الأقصى؛ وتمكن بعضهم من إدخال قرابين نباتية داخل الأقصى، إضافة لاستمرارهم في استفزاز مشاعر المسلمين والتضييق عليهم وإخراج بعضهم من المسجد، وإقامة المتطرفين لصلوات تلمودية والرقص والغناء داخل باحات المسجد وعلى أبوابه، وقيام قوات
الاحتلال بالاعتداء على المرابطات المبعدات عن الأقصى واعتقال بعضهن، إضافة لمنع الشباب من دخول الأقصى وإعاقة دخول النساء وكبار السن.
وعن تفاصيل كافة الأعياد اليهودية التي يجري فيها تصعيد اقتحامات المسجد الأقصى، وأهم الانتهاكات للمقدسات الإسلامية، أوضح الباحث والمحلل السياسي المختص في الشأن الإسرائيلي وشؤون القدس، صالح لطفي، أن هناك "علاقة طردية تطورت منذ احتلال المسجد الأقصى عام 1967 والاقتحامات اليهودية له، وترافقت هذه الاقتحامات من حيث زخمها وتعاظمها وتطورها مع ثلاثة معالم شهدها المجتمع الإسرائيلي".
تحويل سوق القطانين لكنيس يهودي
وذكر في حديثه لـ"عربي21"، أن هذه المعالم تمثلت في "تغلغل الدين في المجتمع الإسرائيلي وانتقاله من العلمانية المحضة إلى قبول الدين في تصاريف الحياة وتقبل قيمه وأفكاره ومنها موضوع المسجد الأقصى، بزعم أنه حق يهودي خالص ومنة إلهية اعتدى فيها المسلمون على هذا الحق الإلهي الممنوح لشعب الله المختار (حسب عقيدهم المحرفة)، وأيضا تغلغل التيار الديني الصهيوني في مفاصل الدولة وخاصة الأمني وسيطرته على بلدية القدس المحتلة وفرض أجنداته السياسية المنبثقة من البعد العقدي على عموم القدس والبلدة القديمة عبر سياسات التهويد للأرض؛ إما بمصادرتها أو فرض وقائع جديدة من مثل اقتحام البيوت وإخراج أهلها منها والاستيطان فيها وشمل ذلك البلدة القديمة؛ ابتداء من هدم حي المغاربة وإقامة الحي اليهودي وتعزيز اقتحام البيوت وتشريد أهلها منها وسلبها والاستيطان فيها سعيا لمحاصرة الأقصى".
ونوه الباحث إلى أنه "بعد 2005، أي مع انتهاء الانتفاضة الثانية وعودة الاحتلال إلى المسجد بشراسة أكثر، أقر ما يطلق عليه التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، وبدأ بدوريات (اقتحامات الفترة الصباحية) صباحية تبدأ من الساعة السابعة صباحا وحتى ما قبيل صلاة الظهر، ومع عام 2015 بدأت بدورية أخرى ما بعد الظهر (اقتحامات الفترة المسائية)، وقبل أيام قليلة طلب إيتمار بن غفير (وزير الأمن القومي) رسميا من بنيامين نتنياهو (رئيس حكومة الاحتلال) جعل المسجد مفتوحا لليهود على مدار الـ24 ساعة على غرار المسجد الإبراهيمي في الخليل، ويبدو أن نتنياهو متجهٌ نحو إقرار هذه الخطوة إذا ما تحصل على موافقة أو غض طرف من السعودية راعية منظمة التعاون الإسلامي، وتحقيق صمت تركي لا يتجاوز التنديد والندب".
وأكد أن "هذه المسيرة (التهويد) تتعزز باستمرار عبر الأعياد اليهودية التي تشكل الرافعة العملية لزيادة وتيرة الاقتحامات من جهة ولفرض سياسات جديدة من جهة أخرى، وهذه تجلت بوضوح في هذه الاقتحامات التي بدأت مع منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي وتنتهي مع نهاية الأحد المقبل".
وأوضح أن انتهاكات الاحتلال والجماعات اليهودية المتطرفة تتنوع وتتصاعد خلال فترة الأعياد، حيث "أغلق سوق القطانين ومنع أصحاب المحال التجارية من فتح محالهم وتحول السوق لمنطقة صلوات يهودية، وصرحت قيادات دينية نافذة من "الصهيونية الدينية" و"القومية الدينية" بالعمل على جعل السوق، منطقة صلوات تلمودية؛ أي تحويله إلى كنيس، وإذا تحقق هذا الطرح عمليا، نكون قد خسرنا منطقة ثانية داخل البلدة القديمة بعد خسارتنا باب المغاربة، خاصة وأن سوق القطانين يسيطر على حيز منه جمعيات صهيونية-دينية، ما يشكل تكئة عملياتية للسيطرة عليه، حيث يدلف السوق مباشرة للمسجد الأقصى، وبذلك تكون أحد أهم روافد المسجد قد أغلقت أمام المصلين من جهة وتحولت إلى بؤرة استيطانية تزحف سريعا نحو المسجد، وهذا يتساوق وطرح بن غفير الرسمي لنتنياهو بفتح المسجد للمقتحمين اليهود على مدار الساعة".
الأعياد أداة للسيطرة والتهويد
ولفت لطفي، إلى أن "القوى "الصهيو-دينية" و"الحاريدالية" و"القومية اليهودية"، تعمل على تحقيق سيطرتها على المسجد الأقصى من خلال ثلاث أدوات مباشرة مستعينة بالسلطات الاحتلالية وهي؛ الاقتحامات اليومية الممنهجة والمبرمجة عبر جمعيات تعلن رسميا عن مواعيد السفر من المستوطنات إلى المسجد لاقتحامه وتقلهم مجانا بل وتمنح بعضهم مكافآت على ذلك، وكلهم من أتباع تياري الصهيونية الدينية والقومية اليهودية، والأعياد التي تشكل عنصر جذب لليهود من مختلف أنحاء فلسطين التاريخية، ويتم نقلهم عبر حافلات مجانا إلى حائط البراق، وبعضهم يشارك في اقتحامات المسجد الأقصى، وأخيرا الدعوات الخاصة التي تصدر عن عناوين مهمة من حاخامات التيارين السابقين أو من جماعات شبابية تتبع حزب "الليكود" وجموع التيار المحافظ إلى جانب الاقتحامات الدورية المتعمدة للجنود والمنتمين للأجهزة الأمنية على اختلاف مسمياتها (منها المخابرات)؛ ضمن ما يعرف بالدعم العقدي والمعنوي للجنود وربطهم بالمسجد تحت زعم أنه حق لهم يجب تحريره آجلا أم عاجلا".
وتاليا أهم تلك الأعياد اليهودية لعام 2023 التي يتم فيها اقتحام المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي في الخليل، وقبر يوسف في نابلس:
"ليلة التاسع من آب/ أغسطس"
وهذه تأتي بتاريخ 26 حزيران/يونيو 2023، وهو يوم صيام يهودي، متعلق بـأحداث تدمير الهيكل المزعوم، وابتدعت التيارات الدينية فكرة اقتحام المسجد الأقصى بزعم أنه مكان الهيكل، حيث المطالبة ببناء الهيكل الثالث تبعا لتأسيس "إسرائيل" التي هي "البيت الثالث"، واستمرت الاقتحامات على مدار يومين أي 26 و27، ويمتاز بالاقتحامات المكثفة تحت حماية شرطية أمنية إسرائيلية كبيرة.
"رأس السنة العبرية"
يأتي في الفترة ما بين 15-17 أيلول/سبتمبر 2023، حيث نفذت في اليوم الأخير فيه والذي صادف يوم الأحد اقتحامات مكثفة للمسجد الأقصى المبارك.
"يوم وليلة الغفران"
يصادف تاريخ 24-25 أيلول/سبتمبر 2023، وتمت فيه اقتحامات كبيرة للمسجد الأقصى من التيار الديني الصهيوني والقومي فيما لا يدخله تيار الحريديم.
"عيد العرش"
يستمر 8 أيام، بدأ من يوم 29 أيلول/ سبتمبر ويستمر حتى اليوم 6 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وبدأ المستوطنون والمتطرفون اليهود بتنفيذ اقتحامات واسعة للمسجد الأقصى بحماية أمنية، وامتدت هذه الفترة من الأحد الماضي حتى أمس الخميس، بكثافة عالية في الاقتحامات، خاصة من اليمين المشكل لمختلف التيارات المحافظة و"الدينية الصهيونية" و"القومية والحاريدالية" والحريدية، وفي هذه الأيام شدد الاحتلال الإجراءات القمعية على المرابطين والمصلين وسعى لتفريغ المسجد من المصلين.
وبلغت أعداد المقتحمين للمسجد خلال "عيد العرش" 5232 متطرفا، وهذا الرقم هو الأعلى منذ عام 1967 بفضل سياسات بن غفير وسموتريتش، ونوه لطفي إلى أنه "مع كل جهودهم المكثفة ودعاياتهم عبر منصات التواصل، إلا أن الأعداد التي شاركت في الاقتحامات، لم تكن مرضية للذين عملوا على تحضير وتهيئة الأجواء سواء من الأطراف الحكومية أو الأمنية والشرطية، وحتى من الحاخامات ومقاولي تجميع وتسفير اليهود من مستوطناتهم إلى المسجد الأقصى".
"سمحات توراه/ ابتهاج التوراة"
يحتفلون في هذا العيد، بـ"إكمال الدورة السنوية من قراءة فصول التوراة في الكنس"، ويأتي في القترة ما بين 7-8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ولا يوجد اقتحامات للمسجد يوم 7 من الشهر لأنه يوافق يوم السبت.
"عيد التدشين/عيد الأنوار"
يستمر في الفترة ما بين 8-15 تشرين الأول/أكتوبر 2023، وهو بحسب عقيدتهم التوراتية (المحرفة)، يأتي من أجل "إحياء ذكرى إعادة تدشين الهيكل الثاني أيام الحشمونيين"، وخلال تلك الفترة يتم تصعيد اقتحام المسجد الأقصى المبارك.
"عساراه بطيفيت"
وفي هذا العيد اليهودي الذي يبدأ يوم 30 تشرين الثاني/نوفمبر ويستمر حتى 3 كانون الأول/ديسمبر 2023، يكون فيه "صوم في ساعات النهار حدادا على بداية الحصار على "أورشاليم" (القدس) قبل خراب الهيكل"، وفق زعمهم، وتنفذ خلاله الاقتحامات التهويدية للمسجد الأقصى المبارك.
الاحتلال الاستعماري
ومن خلال الاستعراض السابق للأعياد اليهودية، يتضح بحسب الباحث في شؤون القدس والمسجد الأقصى، أن "الاقتحامات مرتبطة عضويا بالأعياد، وذلك لمنحها نوعا من القداسة أمام العوام والحيلولة دون تدخل السلطات ومنحها أي السلطات، مساحة للمناورة الدولية والإقليمية، وهو ما يتضح على المستوى الدولي والعربي المُطبع".
من جهة أخرى، قال لطفي إن "هذه الأعياد أضحت الحمار الذي يركبه المستوطنون وغلاة التيار "الصهي-ديني" لفرض وقائع على الأرض، سواء في محيط المسجد الأقصى وهو المهم راهنا، حيث تنشط جمعيات دينية وصهيونية لشراء أو الاستيلاء على الأراضي والبيوت في البلدة القديمة للقدس المحتلة، لتحقيق مخطط يهدف إلى تجريف كافة الأماكن المحيطة بالمسجد وتحويلها إلى فضاءات تخدم الهيكل الذي يسعون لبنائه في المسجد؛ سواء بقرب الصخرة أو داخل مساحة المسجد، وتعتبر المساحة القائمة بين باب الأسباط ومصلى الرحمة، فضاء يُعمل عليه لتحقيق بدايات حقيقية لتطبيق التقسيم المكاني داخل المسجد وسوق القطانين كمدخل من مداخله".
وحذر لطفي في نهاية حديثه لـ"عربي21"، من أن "المسجد الأقصى في ظل هذه الحكومة، يتعرض لأقصى درجات الإحلال الاستعماري، وتنشط بقوة لفرض أجندات دينية مختلف عليها داخل المنظومة الدينية اليهودية، وهذه بدأت بتهيئة ملابس الكهنة والصخور المعدة للهيكل، وانتهت في هذه المرحلة بتحضير البقرات الحمراء المعدة للحرق لتطهير المسجد وإحلاله والإعلان عن بناء الهيكل (المزعوم)".
ولفت إلى أن "هناك وزراء شركاء في هذه الحكومة يعيشون هوس لحظة الخلاص باعتبار أن الخلاص قد بدأ بقيام إسرائيل "البيت الثالث" كما يراه العلمانيون والمحافظون، الزحف نحو السيطرة الكلية على المسجد الأقصى؛ سيطرة سيادية ووظيفية، هدف أساس للائتلاف الحكومي القائم باعتباره محافظا ومتدينا وحاريديا".
مسار الاقتحام
وانتشرت قوات الاحتلال بكثافة داخل مدينة القدس المحتلة وخاصة في أزقة البلدة القديمة خلال فترة الأعياد، بالتزامن مع استمرار استفزاز المستوطنين لمشاعر المسلمين، إضافة لقيام قوات الاحتلال بنصب العديد من الحواجز العسكرية، وإغلاق بعض الطرف والأزقة أمام المسلمين وفتحها أمام المستوطنين، وتواجد أعداد كبيرة على أبواب المسجد الأقصى المبارك.
وتبدأ عملية اقتحام المسجد الأقصى من قبل المستوطنين في الفترة الصباحية في حدود السابعة صباحا من باب المغاربة، ومن ثم التجول في الساحات والوصول إلى المصلى المرواني، والمشي بجوار السور، والمرور من أمام باب الأسباط، ومن ثم باب حطة وباب المجلس والحديد وباب القطانين، وتنتهي بالخروج من باب السلسلة، وتمتد كل جولة لنحو ربع ساعة وربما يزيد، وتنتهي الفترة الصباحية الساعة الحادية عشر والنصف قبل الظهر، ويتجدد اقتحام الأقصى في الفترة المسائية بعد الظهر والتي قد تمتد لنحو 60 دقيقة.
وتستغل الجماعات الاستيطانية وجماعات الهيكل المزعوم المتطرفة فترة الأعياد اليهودية، التي تمتد لـ22 يوما، وبدأت بما يسمى "رأس السنة العبرية" يوم 17 أيلول/سبتمبر الماضي وتستمر حتى نهاية "عيد العرش" التوراتي يوم 9 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، من أجل شن اقتحامات واسعة للمسجد الأقصى، تترافق مع حالة توتر كبير في القدس والأقصى، والتي تتطور أحيانا لمواجهات مع قوات الاحتلال.
وبشكل مستمر، تعمل قوات الاحتلال على حماية المتطرفين المقتحمين للمسجد الأقصى ومنع حراس الأقصى من القيام بعملهم في حماية المسجد ومنع انتهاك حرمته من قبل المتطرفين، وفي بعض الأوقات، تعتقل بعضهم وتعتدي على آخرين حينما يهمون بمنع المتطرفين من أداء صلواتهم التلمودية وشعائرهم الدينية التي تمس بعقيدة المسلمين وتنتهك حرمة مسجدهم وقبلتهم الأولى.
وتهدف اقتحامات المتطرفين التي تتم طوال الأسبوع ما عدا يومي الجمعة والسبت، إلى فرض وقائع جديدة داخل المسجد الأقصى المبارك، وتتصاعد حدة الاقتحامات في الأعياد والمناسبات اليهودية المختلفة، حيث يشارك فيها العديد من الشخصيات الإسرائيلية الرسمية؛ نواب ووزراء وغيرهم.
ويسعى الاحتلال جاهدا لتحقيق مخططاته الهادفة إلى تهويد المسجد الأقصى وتحقيق التقسيم المكاني بعدما تمكن إلى حد ما من تحقيق تقسيمه الزماني للأقصى، تمهيدا لهدمه وإقامة هيكلهم المزعوم مكانه.