لا تعتبر سياسة اعتقال وترهيب المرشحين السياسيين ضمن الانتخابات الرئاسية
المصرية جديدة أو غير مسبوقة، فعلى امتداد أكثر من 19 عاما جرى قمع كل من ترشح أمام رئيس حالي يشغل منصبه ويمثل المؤسسة العسكرية.
بدأت مصر ممارسة الانتخابات الرئاسية التعددية لأول مرة في عام 2005، وقبل ذلك كانت تلجأ إلى الاستفتاء الشعبي الذي منح السلطة إلى الرؤساء جمال عن الناصر، وأنور السدات، وحتى حسني مبارك.
من هم أبرز المرشحين الذين حاولوا خوض الانتخابات ضد الرؤساء المصريين؟ وما كان مصيرهم بعد ذلك؟
أيمن نور
سياسي مصري ذو توجه ليبرالي ولد في كانون الأول/ ديسمبر 1964، هو عضو سابق في حزب "الوفد" ونائب سابق بمجلس الشعب ومؤسس حزب "الغد" ومن بعده حزب "غد الثورة".
اشتهر نور برفضه الشديد لترشح الرئيس الراحل، حسني مبارك لولاية خامسة، ومعارضته لفكرة "توريث الحكم"، ودعا صراحة إلى "ضرورة الحد من صلاحيات رئيس الجمهورية نفسه"، وضمّن ذلك في الوثيقة الأساسية لبرنامج حزب الغد الذي كان يرأسه.
تزوح نور سابقا من المرشحة المحتملة الحالية لانتخبات الرئاسية المصرية 2023 ورئيسة حزب الدستور، جميلة إسماعيل، وشاركها نفس أفكارها الداعية للتغيير.
واشتهر نور بشكل أكبر بعدما أعلن من داخل السجن اعتزامه الترشح لمنصب الرئاسة في مصر، وهو الذي دخله بعد رفع الحصانة عنه واتهامه بتزوير التوكيلات، على خلفية دعوته لإعادة النظر في المادة 85 من الدستور، بحسب وكالة رويترز.
وتنص المادة المذكورة أن رئيس الجمهورية غير مسؤول سياسيا أمام مجلس الشعب، وأنه لا تجوز محاكمته إلا في حالة الخيانة العظمى وارتكاب جريمة جنائية.
وسجن نور لأور مرة لمدة ست أسابيع، في قضية "تزوير توكيلات تأسيس حزب الغد"، التي ينفيها بشدة ويصفها بالكيدية، ثم خرج بكفالة ليشارك في انتخابات 2005، بحسب مقابلة له مع "قناة الجزيرة".
وخاض نور بالفعل الانتخابات وحصل وفقا للنتائج الرسمية على 7.6 بالمئة فقط من الأصوات، ثم بعد شهرين صدر حكم ضده بسجنه خمس سنوات بتهمة التزوير، وقد قضى منها أربعا وأفرج عنه لأسباب صحية.
وبعد ثورة كانون الثاني/ يناير 2011، ترك أيمن نور حزب الغد، وأسس حزب "غد الثورة"، وأعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية، إلا أنه جرى استبعاده لعدم صدور حكم قضائي يرد له اعتباره ويلغي تبعات الحكم الصادر في حقه عام 2005.
حمدين صباحي
سياسي وبرلماني مصري، ولد في تموز/ يوليو 1954، وهو رئيس سابق لحزب الكرامة ويعمل وعمل كرئيس تحرير لجريدة تحمل نفس الاسم، وعضو برلمان سابق ومرشح لرئاسة الجمهورية في انتخابات عامي 2012 و2014.
حصل صباحي على أكثر من 20 بالمئة بقليل من أصوات الناخبين في الجولة الأولى من انتخابات 2012، التي خسرها لصالح الرئيس الراحل محمد مرسي ومنافسه حينها
أحمد شفيق.
وبعد الانقلاب والإعلان عن انتخابات 2014، أعلن صباحي الترشح ضد رئيس النظام الحالي، عبد الفتاح السيسي، وتمكن من جمع 31,100 توكيل من 17 محافظة، متجاوزا الـ25 ألفا المطلوبة.
وحصل صباحي على 3.9 بالمئة فقط من أصوات المصريين خلال الانتخابات التي خاضها بحزب التيار الشعبي المصري، أي أقل من مليون صوت، لينسحب بعدها من المشهد السياسي تقريبا.
وأعلن في 2017 أنه لن يخوض السباق الرئاسي لعام 2018، قائلا: "أعتقد أنني أديت واجبي مرتين (...) وأنا أنتمي إلى ثورة يناير التي ينتمي إليها كثيرون قادرون على خوض الانتخابات، والتقدم بمرشح مدني مؤمن بأهدافها"، وذلك في حوار أجراه حينها مع شبكة "بي بي سي".
وفي آب/ أغسطس 2018 عاد صباحي بعد غياب طويل، لانتقاد سلطة الحكم العسكري بمصر، داعيا "الشعب لتغييرها بيده والإفراج عن المعتقلين السياسيين".
وقال صباحي حينها إن "السلطة الحاكمة معادية للشعب، واخترقت الدستور وأهانته، وتقبض على أصحاب الرأي لمجرد أنهم قالوا كلمة حق بوجه سلطان جائر".
بسبب ذلك، انهالت البلاغات المطالبة بالإحالة للمحاكمة الجنائية على صباحي، وتضمنت تهم متعلقة بـ"التطاول على رئيس الدولة، والقوات المسلحة ووزارة الداخلية، وإثارة الرأي العام، والتحريض ضد الدولة، والإساءة لمؤسساتها في الداخل والخارج".
وجاء في أحد البلاغات أن صباحي قام بشن "حملة تشويه متعمدة للإضرار بالأمن والاقتصاد القومي والسياحة والاستثمار وزعزعة أمن واستقرار البلاد، وذلك لقلب نظام الحكم وإسقاط الدولة للأبد".
وطالب البلاغ السلطة القضائية بحماية صباحي من نفسه وحماية الدولة من جنونه، زاعما "إمكانية تصفيته من الجماعة الإرهابية أو الأجهزة المعادية، لكي يتم توجيه الاتهامات للدولة المصرية بقتله بسبب جنونه المستمر بالتحريض ضدها".
وفي 2020، تعرض صباحي لإنذار جديد من خلال تقدم أحد المحامين ببلاغ للنائب العام يتهمه بـ"التطاول على الدولة"، على خلفية انتقاده إجراءات التعامل مع واقعة مقتل مواطن يدعى عويس الراوي، في مدينة الأقصر، والذي لقي حتفه برصاص الشرطة داخل منزل عائلته، دفاعا عن والده الذي تعرض لاعتداء بالضرب من أحد الضباط.
وفي تعليقه على الانتخابات الحالية، أكد صباحي دعمه "لأي وجه سياسي من الحركة المدنية أو المعارضة ويتوفر فيه حس المسؤولية وألا يكون محسوبا على الإخوان المسلمين أو يتلقى تأييدا منها".
وقال إنه على الرغم من "اختلافه مع النظام الحاكم وسياساته، إلّا أنّه سوف يدعم أي وجه سياسي مُخضرم ينتمي للحركة المدنية أو للمعارضة بشكل عام، على أن تتوافر فيه الشروط الموضوعية التي يجب أن تتوفر فيمن يتصدى لموقع المسؤولية وبكل تأكيد يجب أن يكون هذا الوجه ليس من الوجوه المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين أو يتلقى تأييدا أو دعما منها لأننا في خصومة معها".
انتخابات 2018
قد تكون من أكثر الانتخابات التي شهدت قمع المرشحين ومنعهم حتى من المنافسة، ونتج عنها مرشح واحد اسمه موسى مصطفى موسى، والمفارقة أنه أقدم على تأييد السيسي خلال الانتخابات، واحتل المركز الثالث في سباق ثنائي، بعدما جاءت بطاقات الاقتراع الباطلة قبلا منه.
وقبل إجراء الانتخابات جرى استبعاد العديد من الأسماء مثل: الرئيس السابق لأركان الجيش المصري،
سامي عنان، ورئيس الوزراء الأسبق، الفريق أحمد شفيق، إضافة إلى المهندس والاستشاري والضابط العامل بالخدمة بالقوات المسلحة المصرية، أحمد قنصوه، وغيرهم.
سامي عنان
قائد عسكري مصري بارز ولد في شباط/ فبراير 1948، وشغل منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة ونائب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة أثناء إدارة المجلس شؤون البلاد عقب ثورة يناير 2011.
عقب ترشح عنان في 2018، اتهمته القوات المسلحة المصرية بـ"مخالفة اللوائح والقوانين بإعلانه الترشح لرئاسة الجمهورية دون الحصول على الموافقة أو اتخاذ ما يلزم من إجراءات لإنهاء استدعائها له"، معتبرة ذلك بمثابة "التحريض الصريح ومحاولة للوقيعة بينها وبين الشعب المصري العظيم".
وقضت محكمة الأمور المستعجلة حينها بقبول دعوى طالبت بإلزام وزارة الدفاع المصرية بتقديم شهادة تفيد بأن عنان مستمر كضابط تحت الاستدعاء قبل تقديمه أوراق الترشح للانتخابات، وذلك بالتزامن مع تصريحات القوات المسلحة.
وأعلنت الهيئة الوطنية للانتخابات حينها عن حذف اسم عنان من قاعدة بيانات الناخبين وأصدر المدعي العام العسكري في نفس اليوم قرارا بـ"حظر نشر" في الاتهامات الموجهة له.
وبعد ذلك ألقي القبض عليه، فيما أكد أعضاء في حملته الانتخابية حينها أنه تم التحفظ عليه تحت الإقامة الجبرية في منزله، وهو ما أكدته الصفحة الرسمية له على فيسبوك والتي أعلنت وقف الحملة حتى إشعار آخر "حرصا على أمن وسلامة كل المواطنين الحالمين بالتغيير".
وفي كانون الأول/ يناير 2019، أعلن مدير مكتب عنان أن السلطات أفرجت عن المسؤول العسكري السابق بعد قرابة العامين من الاعتقال، بحسب ما نقلت وكالة "فرانس برس".
وأضاف مدير المكتب أن "عنان الذي عاد إلى منزله، كان محتجزا في سجن حربي إلى أن ألمت به وعكة صحية شديدة في تموز/ يوليو 2018 نقل على أثرها إلى المجمع الطبي للقوات المسلحة بالمعادي في جنوب القاهرة وبقي فيه إلى أن أفرج عنه".
أحمد شفيق
رئيس الوزراء الأسبق، والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية ضد الرئيس الراحل محمد مرسي، ولد في تشرين الثاني/ نوفمبر 1941.
أعلن شفيق عبر مقطع مصور عزمه الترشح لمنصب رئيس الجمهورية في الانتخابات الرئاسية المصرية، ثم تراجع عن قراره معلنا انسحابه من السباق الرئاسي في 7 كانون الثاني/ يناير 2018.
وقال شفيق حينها: "كنت قد قررت لدى عودتي إلى أرض الوطن أن أعيد تقدير الموقف العام بشأن ما سبق وأن أعلنته أثناء وجودي بدولة الإمارات مقدرا أن غيابي لفترة زادت على الخمس سنوات ربما أبعدني عن المتابعة الدقيقة لما يجري على الأرض من تطورات وإنجازات رغم صعوبة الظروف التي أوجدتها أعمال العنف والإرهاب".
وذكرت مصادر حينها أن شفيق اتهم الإمارات بمنعه من السفر بعد إعلان نيته الترشح، ثم نشرت صحيفة "
نيويورك تايمز" تقريرا أكدت فيه أن انسحاب شفيق قبل يوم من الإعلان عن الانتخابات رسميا كان بناء على "تهديدات مارستها الحكومة المصرية من ضمنها تهم فساد وأحكام بالسجن وهو ما أكده محامي الفريق شفيق في تقرير آخر للصحيفة مفندا بذلك جل تصريحات شفيق السابقة".
وأكدت الصحيفة في
تقرير آخر امتلاكها لتسجيلات صوتية من ضابط في أحد الأجهزة الأمنية المصرية يدعى أشرف الخولي، يوجه عددا من الإعلاميين لممارسة ضغوطات أمام الرأي العام ضد شفيق بغية إجباره على الانسحاب من السباق الرئاسي.
أما العقيد أحمد قنصوه، فقد تعرض للاعتقال بعد 4 أيام فقط من نشره إعلان الترشح، بتهمة الإضرار بـ"مقتضيات النظام العسكري"، ثم صدر في حقه حكم بالسجن 6 سنوات مع الشغل والنفاذ في كانون الأول/ ديسمبر 2017.
ومنذ ذلك الوقت تطالب العديد من الجهات أبرزها زوجته، بإطلاق سراح قنصوه، وذلك بعد الإفراج عن الفريق سامي عنان.