بالتزامن مع الأنباء عن اتفاق
التطبيع بين
السعودية والاحتلال، ينشغل الرأي العام الدولي والعربي بالأمر، خصوصا في البنود التي سيتضمنها الاتفاق، وانعكاساتها على أدوار دولية بفلسطين، والأردن بحكم الترابط الجغرافي والديموغرافي بين البلدين.
وسبق أن قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقابلة له مع شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية أخيرا، إن بلاده تقترب أكثر من تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وأضاف ابن سلمان: "هناك دعم من إدارة بايدن للوصول إلى تلك النقطة، وبالنسبة لنا فإن القضية
الفلسطينية مهمة للغاية"، مبينا أن "المفاوضات مستمرة حتى الآن، ومن المأمول أن تصل إلى مكان تسهل فيه الحياة على الفلسطينيين وتدمج إسرائيل بالشرق الأوسط".
في المقابل قال رئيس وزراء
الاحتلال بنيامين نتنياهو خلال خطابه في 22 أيلول/سبتمبر الجاري أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، "إنه يعتقد أن إسرائيل على أعتاب اتفاق سلام تاريخي مع السعودية".
وأضاف أنه "يتعين ألا يتم إعطاء الفلسطينيين حق الاعتراض على معاهدات السلام الجديدة مع الدول العربية"، مبينا أن "مثل هذا السلام سيقطع شوطا طويلا نحو خلق شرق أوسط جديد، وسيشجع الدول العربية الأخرى على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل".
من جهته، قال العاهل الأردني، الملك عبد الله خلال مؤتمر قمة الشرق الأوسط العالمية في نيويورك في 21 أيلول/سبتمبر الجاري "إن اتفاقا كهذا قد يقود إلى أفق جديد".
وأوضح أن هناك "متطلبات للسعودية ولإسرائيل وللولايات المتحدة، إلا أنه يتوجب الأخذ بعين الاعتبار ما سيجنيه الفلسطينيون وما ستجنيه المنطقة من هذا الأمر"، مبينا أن "الجميع معني بهذه القضية".
وتابع أن "جزءا من التحدي يكمن في الحكومة الإسرائيلية والاعتقاد أنه يمكنها تجاوز فلسطين والتعامل مع العرب"، مشيرا إلى "عدم إمكانية هذا الأمر ولن يتم الوصول إلى سلام حقيقي دون حل للقضية الفلسطينية".
وتشرف دائرة أوقاف القدس، التابعة لوزارة الأوقاف والمقدسات والشؤون الإسلامية في الأردن، بشكل رسمي على المسجد الأقصى وأوقاف القدس الشرقية، بموجب القانون الدولي، الذي يعتبر الأردن آخر سلطة محلية مشرفة على تلك المقدسات قبل احتلالها.
وفي آذار /مارس 2013، وقع العاهل الأردني عبد الله ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، اتفاقية تعطي المملكة حق "الوصاية والدفاع عن القدس والمقدسات" في فلسطين.
وشدد الأردن مرارا وتكرارا على أن "السعودية تدعم الوصاية الهاشمية" وعلاقات عمان والرياض "مميزة وهناك تنسيق مستمر بشأن القضية الفلسطينية كما في القضايا الأخرى".
قلق أردني
واعتبر علي الرحامنة أستاذ العلوم السياسية بجامعة الزرقاء الخاصة، أن "هذه الأيام تشهد موجة غير مسبوقة من الاهتمام بما أُعلن عن قرب التوصّل إلى تطبيع للعلاقات السعودية الإسرائيلية برعاية أمريكية".
وأضاف: "هذه الموجة تختلف عن موجات سابقة رافقت التحضير للتطبيع بين إسرائيل ودول عربية أخرى".
وأرجع الرحامنة ذلك إلى عدة أسباب من بينها، "وزن السعودية الكبير عربيا وإسلاميا وعالميا، وآثار هذا التطبيع على القضية الفلسطينية برمّتها، وعلى الدور الأردني الخاص فيها، ما يجعل من هذا الحدث إن تمّ، بمنزلة الانعطافات الكبرى التي شهدتها القضية الفلسطينية" بحسب الأناضول.
ولفت إلى أن "ما يدور الآن يتجاوز التصريحات السعودية والإسرائيلية الرسمية، إلى خطوات ذات طابع عملي، لعلّ أبرزها زيارة الوفد السعودي لرام الله، للوصول إلى صيغة للثمن المطلوب فلسطينيا كي تمضي السعودية قدما على طريق التطبيع، إلى جانب مطالبها الخاصة ببرنامجها النووي السلمي، وغيره".
وأكد الرحامنة، أن "الأردن ينظر إلى تطوّرات مسار التطبيع بين السعودية وإسرائيل بحذر وقلق مبرّرين لخصوصية الدور الأردني في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، بإصراره على حلّ الدولتين، وتخوف أطراف أردنية من احتمالات قيام دولة الاحتلال بمحاولة إلغاء الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس".
وشدد الأكاديمي الأردني، على أن بلاده "لن تقبل في أيّ حال بإلغاء وصايتها واستخدام التطبيع الإسرائيلي مع السعودية مدخلا لذلك".
وتابع الرحامنة: "قبل كل ذلك فإنه من المحزن والمؤلم ترك الفلسطينيين وحدهم في مواجهة حكومة عنصرية فاشية تُقدّم لها هدايا التطبيع من هنا وهناك، وهي، بالمقابل، تصعّد من وتائر جرائمها بحق الفلسطينيين، أفرادا، وجماعات، وشعبا، وحقوقا مشروعة".
مزاحمة سعودية
من جانب آخر قال بدر الماضي أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الألمانية الأردنية، "إنه يعتقد أن التطبيع السعودي الإسرائيلي المتوقع خلال الأشهر القليلة القادمة سيعمل على إحداث نقلة نوعية بالمنطقة بشكل عام، وفيما يخص التموضع العربي بشكل خاص، وتحديدا تجاه الرياض".
وتوقع، "أن هذا التحول الإستراتيجي ودخول السعودية في علاقة طيبة مع إسرائيل سيجعل من الرياض لاعبا أساسيا وقوة إقليمية مؤثرة بالأحداث، وملفات المنطقة بحكم قوتها الاقتصادية والعلاقات التي ستنشأ مع تل أبيب وبالتالي مع واشنطن".
ورأى الماضي أنه "بلا شك أن السعودية ستزاحم وبشكل قوي جداً ليس فقط الأردن، وإنما مصر أيضا في ملف القضية الفلسطينية، وبذلك إما ستكون الرياض مرجعية جديدة تضاف لعمان والقاهرة، أو يتم مناقلة الأدوار بحيث تكون الوحيدة في ذات الشأن" بحسب الأناضول.
واستدرك: "ذلك لا ينفِي محاولة الأردن العمل للحفاظ على دوره، وهو ما أستبعد تحقيقه؛ لأن إسرائيل لا تريد أن تعطِيه الدور المأمول تجاه القضية الفلسطينية".
واعتبر الماضي أن المخرج من ذلك هو "انتقال خيارات الأردن من التحالف المطلق ودون حدود مع مصر إلى إحداث تفاهمات جديدة مع السعودية بشأن مستقبل القضية الفلسطينية، لأنه ليس للمملكة اهتمامات، وإنما مصالح استراتيجية عميقة بالملف الفلسطيني".
القدرة على التكيّف
من جهته اعتبر عيسى الشلبي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسين بن طلال، أن "التطبيع السعودي الإسرائيلي سيكون له تأثير بالغ الأهمية ومتعدد الأوجه على الأردن".
وأضاف خلال تصريحاته للأناضول، "أن للتطبيع دلالات مختلفة، وسينعكس على العلاقات الإسرائيلية الأردنية من جهة، وعلاقات الأردن مع السعودية من جهة أخرى".
وأردف الشلبي: "هناك عواقب سلبية محتملة، ولكن ذلك لا يفقدنا فرص المشاركة بشكل بنّاء في الدبلوماسية الإقليمية، والسعي لحماية المصالح الخاصة ضمن المشهد الجيوسياسي المتغير بالمنطقة".
واستدرك: "الأردن يتمتع بتاريخ من القدرة على التكيف في التعامل مع التعقيدات الإقليمية، وستكون قدرته على القيام بذلك في هذا السياق عاملاً رئيسا في وضع حدّ لأي تأثيرات محتملة على البلاد في المستقبل، بعد هذا التطبيع".
وتابع الشلبي: "النخب الإسرائيلية تتطلع وبشدة نحو هذا التطبيع، باعتبار أن السعودية لها ثقل عربي وإقليمي، ولكن بالتأكيد لن يغيب عنها محورية الدور الأردني بالصراع الإسرائيلي العربي، فديناميكيات المنطقة والواقع الجغرافي والديموغرافي يفرضان ذلك".