وضعت الدعوة التي وجهها الرئيس الأمريكي، جو
بايدن، إلى رئيس الوزراء
العراقي محمد شياع
السوداني لزيارة واشنطن، حدا للتكهنات الكثيرة بخصوص أسباب تأخرها، والتي كان يعزوها البعض إلى شروط أمريكية عدة يجب على الأخير تنفيذها قبل دخوله البيت الأبيض.
لكن ما يثير التساؤلات حيال دعوة بايدن، هو توقيتها كونها جاءت بعد عام على تولي محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة العراقية التي شكلها الإطار التنسيقي القريب من إيران، وكذلك ما مدى انعكاس الزيارة على العلاقة بين البلدين، ولا سيما في المجال الأمني والاقتصادي؟
وأعلن مكتب رئيس الوزراء العراقي في بيان، الثلاثاء، أن السوداني تلقى دعوة من الرئيس بايدن لزيارة البيت الأبيض من أجل المزيد من التباحث في العلاقات الثنائية بين البلدين، فيما أكد الأول تقديره للدعوة و"استعداده لتلبيتها في موعد يحدد لاحقا".
وجاءت الدعوة خلال لقاء جمع السوداني مع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، على هامش مشاركته في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي جرى خلاله "بحث أوجه التعاون بين العراق والولايات المتحدة، وسبل تعزيز الشراكة في مختلف المجالات والصعد"، وفقا للبيان.
شروط أمريكية
ويرى الخبير الإستراتيجي العراقي، أحمد الشريفي، أنه "لا يوجد تغيير في الموقف الأمريكي حيال حكومة الإطار التنسيقي، والدليل أنه لم يُحدد موعد زمني للزيارة، لأنها ستقبل في حال تنفيذ الشروط التي على أساسها منحت حكومة السوداني الثقة من واشنطن والأمم المتحدة".
وأوضح الشريفي في حديث لـ"عربي21" أن "حكومة السوداني قامت على أساس شروط عدة، هي: القضاء على الفساد، والتعديل الوزاري فيها، والأمر الثالث والأهم، هو حصر السلاح بيد الدولة وإنهاء الفصائل، و إذا لم تنفذها فإنها ستفقد دعمها الدولي، ولن يكون هناك لقاء في
الولايات المتحدة".
وتابع الخبير العراقي بأن "الدعم الدولي لحكومة السوداني يبقى مرهونا بهذه الشروط، وإذا لم تتحقق فمعنى ذلك أن دعمها يبقى قلقا، إضافة إلى أنها لا تمتلك رصيدا جماهيريا في الشارع، بل إنه يشهد تراجعا مستمرا".
وفي حال حصلت الزيارة، كما يعتقد الشريفي، فإن هذا يعني وجود صفقة ضمنية غير معلنة دفعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى تخطي هذه الشروط، والتي هي بالأساس مطالب وطنية للعراقيين، والتي من أبرزها موضوع مكافحة الفساد كونه ملفا موجعا بالنسبة لهم".
وشدد الشريفي على أنه "إذا لم تحقق الشروط، فإن الانتخابات سواء المحلية أو البرلمانية المقبلة في العراق ستشهد عزوفا شاملا من العراقيين، لأن التماهي مع الفساد الذي وضع نفسه تحت مظلة الفصائل بات أمرا يستفز الرأي العام العراقي".
وأردف: "خصوصا في المرحلة الحالية، التي تحاول فيها الفصائل المسلحة عبر قوة السلاح فرض واقع حال وتمرر فاسدين رغما عن العراقيين، رغم أن نظم الديمقراطية تقول إن الشعب هو مصدر السلطات".
وأكد الشريفي أنه "لن تكون أي انعكاسات إيجابية لزيارة السوداني إلى الولايات المتحدة، بل سيزداد الوضع سوءا في العراق إذا لم يفِ بالتزاماته الدولية، لأن احتمالية عودة الاحتجاجات ستكون قوية، جرّاء حالة الإحباط والانكسار التي يعيشها العراقيون بسبب نقص الخدمات والضغوطات الاقتصادية".
تأخرت كثيرا
في المقابل، رأى المحلل السياسي العراقي، حيدر الموسوي، أن "زيارات رؤساء الحكومات العراقية المتعاقبة عادة ما تكون أمرا طبيعيا، وجزءا من البروتوكول المعمول به، خصوصا أن رئيس الوزراء الحالي في نظر السياسة الخارجية الأمريكية، لا يختلف عمن سبقوه".
وأوضح الموسوي لـ"عربي21" أن "زيارة السوداني إلى واشنطن تأخرت كثيرا مقارنة بتواريخ زيارات رؤساء الحكومات السابقة، لكن التأخير غير متعلق بما يتحدث به البعض عن وجود رؤية أمريكية غير واضحة بخصوص الحكومة الحالية لأن من شكلها الإطار التنسيقي، الذي لديه امتدادات مع الجانب الإيراني".
وتابع: "الأمر يتعلق بأن الرئيس الأمريكي الحالي، جو بايدن، لديه مشاكل صحية كبيرة وليس نشطا مثل الرؤساء السابقين، بحكم عمره المتقدم، وبالتالي فقد تم تسليم الدعوة على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ولم يحدد موعدها حتى اليوم".
وأعرب الموسوي عن اعتقاده بأن "الهدف من الزيارة قد يكون التفاهم حول اتفاقية الإطار الاستراتيجي من جديد، وتوضيح عدد من الأمور من بينها تواجد
القوات الأمريكية في العراق، إضافة إلى الملحق الاقتصادي لهذه الاتفاقية وهو ما يهم واشنطن حاليا، لأن ملف الطاقة له أهمية كبرى في ظل الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع أسعار النفط".
وأشار إلى أن "الفاعل الأمريكي يريد استقرار الداخل العراقي، وأن أي عملية فوضى في البلاد ستعرّض أسعار النفط إلى هزة كبيرة، وبالتالي فإنها ستؤثر على اقتصاد الولايات المتحدة، فهم يريدون دعم الحياة السياسية وإطالة النظام السياسي الحالي، وإنضاجه بشكل أكبر".
ولفت الموسوي إلى أن "العراق قد يبحث خلال الزيارة عن حلول لمشكلة تأثير النزاع بين طهران وواشنطن على الوضع الداخلي العراقي، مثلما جرى في أزمة دفع العراق أموال الغاز الإيراني، وربما تحصل تفاهمات حول هذه الجزئية تحديدا لاستمرار إمدادات هذا الغاز".
وتوقع المحلل السياسي أن "يحاول العراق خلال زيارة السوداني إلى واشنطن إيجاد صيغة تضمن تخفيف إجراءات وزارة الخزانة الأمريكية التي فرضتها على بيع الدولار، وبالتالي فإنها يمكن أن تسهم في حلحلة أزمة الدولار وارتفاعه أمام الدينار العراقي".
ومنذ تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، يواجه العراق أزمة انخفاض قيمة الدينار المحلي أمام الدولار، وذلك بعد فرض وزارة الخزانة الأمريكية نظام المنصة الإلكترونية "سويفت" على نافذة بيع العملة التابعة للبنك المركزي العراقي لمراقبة حركة الدولار.
ورغم تغيير البنك المركزي سعر الصرف في البلاد من 1470 إلى 1300 دينار عراقي لكل دولار أمريكي في شباط/ فبراير 2022، فإن السعر في السوق الموازي يقف حاليا عند 1540 دينارا لقاء الدولار الواحد.
تفعيل اتفاقية الإطار الاستراتيجي
بدوره، قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إن "وزارة الخارجية العراقية ونظيرتها الأمريكية يقومان في الوقت الحالي على ترتيب موعد الزيارة إلى الولايات المتحدة خلال العام الجاري".
وأضاف السوداني خلال مقابلة مع قناة "سي أن أن" الأمريكية، السبت، أن "واحدة من أهم المواضيع التي يمكن أن تناقش خلال الزيارة هي اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بين بغداد وواشنطن، والتي تحتاج إلى تفعيل".
ولفت إلى "وجود رغبة جادة لتطوير العلاقة بين البلدين، والتي يجب ألا تقتصر على الجانب الأمني، رغم أهميته".
وأكد السوداني: "نحتاج أن نفعل المجالات الأخرى في اتفاقية الإطار، كونها مهمة، ولا سيما أن العراق يمتلك مواد اقتصادية كبيرة وهو مؤثر في سوق الطاقة، وهناك فرص كثيرة في العراق ممكن أن تكون مجالات لعمل الشركات الأمريكية في مختلف القطاعات، الاقتصادية والخدمية والعمرانية".
أما بالنسبة للدور الأمني، فأوضح السوداني أن "العراق اليوم لا يحتاج إلى قوات قتالية سواء كانت من الولايات المتحدة أو باقي دول التحالف الدولي، لأن القوات الأمنية العراقية وصلت إلى مرحلة متقدمة من الجاهزية والإمكانية والمقدرة على المحافظة على استقرار الأمن وتعقب خلايا تنظيم الدولة".
وكانت بغداد قد وقعت مع واشنطن اتفاقية الإطار الاستراتيجي عام 2008، في عهد الرئيس الأسبق "جورج بوش" الابن، التي مهّدت لخروج القوات الأمريكية من العراق أواخر 2011، بعد ثماني سنوات من الاحتلال.
وتنظم الاتفاقية ذاتها، علاقات العراق والولايات المتحدة في مختلف المجالات، خاصة العسكرية منها و الاقتصادية.
وفي تموز/ يوليو 2021، وقّعت بغداد وواشنطن، حزمة من الاتفاقيات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والتعليمية والثقافية، دخلت حيز التنفيذ أواخر العام ذاته، أبرزها تحويل مهمة القوات الأمريكية في العراق من قتالية إلى استشارية، ضمن جهود التحالف الدولي للحرب على الإرهاب.