رغم
أن النظام
المصري استثنى بشكل علني
الإخوان المسلمين من المشاركة في الحوار الوطني
الذي دعا إليه في رمضان قبل الفائت، والذي توقف بإعلان من مجلسه قبل 3 أيام، إلا
أن الإخوان كانوا هم الحاضر الغائب على موائد الحوار، فالدعوة زعمت في البداية أن
الحوار مفتوح للجميع، وفجأة اكتشف أصحابها أن كلمة الجميع تشمل الإخوان فعادوا
للاستثناء. وظهر جليا أن الهدف هو إعادة ترميم حلف 30 يونيو المناهض أصلا للإخوان،
وحشده مجددا خلف النظام، كما أن جلسات الحوار وتصريحات العديد من المشاركين فيه لم
تخلُ من حديث عن الإخوان.
وفي
المسرحية الجارية المسماة
بالانتخابات الرئاسية يبرز الإخوان بقوة رغم أنهم ليسو
مشاركين فيها، ورغم أن غالبية قياداتهم داخل السجون أو في المنافي، وبعد عشر سنوات
من القمع والقتل والتشريد وادعاءات النظام المتوالية بقضائه على الإخوان، لا يزال
النظام يشعر أن القوة الحقيقية التي تمثل تحديا له هي الإخوان (رغم ما تمر به
الجماعة من أزمات)، فعاد لاستخدامها كفزاعة يًخيف بها الجميع، وهو ما تساوقت معه
بعض القوى السياسية الهشة.
أن الإخوان لا يرون أي جدية في هذه الانتخابات، إلا أنهم تعاطوا معها بشكل واعٍ، بهدف السعي لتحقيق مكاسب ديمقراطية للوطن عموما، وبالتأكيد سينالهم جزء من ذلك، فوجهوا رسائلهم القوية لطمأنة الخائفين بأنهم لن يرشحوا أحدا سواء بطريق مباشر أو غير مباشر لهذه الانتخابات
رغم أن
الإخوان لا يرون أي جدية في هذه
الانتخابات، إلا أنهم تعاطوا معها بشكل واعٍ، بهدف
السعي لتحقيق مكاسب ديمقراطية للوطن عموما، وبالتأكيد سينالهم جزء من ذلك، فوجهوا
رسائلهم القوية لطمأنة الخائفين بأنهم لن يرشحوا أحدا سواء بطريق مباشر أو غير
مباشر لهذه الانتخابات. وهذا موقف ليس طارئا ظهر فجأة في هذه الأيام، بل سبق أن أعلنه
القائم بعمل مرشد الإخوان الراحل إبراهيم منير قبل شهور قليلة من وفاته، ونقلته
وكالة رويترز، وهو أيضا لم يكن موقفا شخصيا لمنير رحمه الله بل كان موقفا رسميا
للجماعة التي أصبحت تمتلك رؤية سياسية بُنيت على تقديرات موقف لوضعها ووضع النظام،
والبيئة الإقليمية والدولية، وخلصت من ذلك إلى ترجيحات سياسية تبنتها في حركتها
العملية، ومن ذلك تنشيط المسار السياسي، بمعنى البحث عن حل سياسي للأزمة، بعد أن
اقتصر حديثها من قبل على المسار الثوري فقط، والذي كان يُترجم في أنشطة ميدانية
وحقوقية وإعلامية في الخارج؛ حيث لا مجال للحركة في الداخل بسبب القمع المسلح.
في
حديثه التلفزيوني لقناة الشرق، حرص رئيس القسم السياسي في الجماعة الدكتور
حلمي
الجزار على توجيه عديد الرسائل لأطراف مختلفة داخل مصر وخارجها، كان أبرزها
التأكيد على موقف الجماعة بعدم التنافس على السلطة، وعدم ترشيح مرشح لها في
الانتخابات الرئاسية. وقد أراد بذلك قطع ما تبقى من شكوك وظنون لدى البعض أن
الإخوان قد يدفعون شخصا من خارجهم للترشح ويمنحونه دعمهم، وحين سئل عن المرشح
المحتمل أحمد طنطاوي الذي يبدو الأكثر جدية بين المترشحين المحتملين المعارضين،
فإنه حرص على تأكيد أن ما يجري حاليا هو محض كلام في كلام لم يتحول بعد إلى فعل
لنحكم له أو عليه، وأن نظرة على المرشحين تشي بأن أكثرهم جدية هو النائب أحمد طنطاوي.
وهذا الكلام يتفق مع رؤية الجميع للمشهد، بما في ذلك رؤية النظام نفسه الذي يتعامل
بخشونة مع حملة طنطاوي لا يتعامل بمثلها مع باقي المرشحين.
استغلت
القنوات التابعة للنظام هذه الكلمات لتثبت بها صحة ادعاءاتها التي ساقتها من اليوم
الأول لإعلان طنطاوي اعتزامه الترشح وهو في بيروت، لقد ادعوا ساعتها أنه التقى في
بيروت بقيادات إخوانية وذكروا تحديدا اسم الدكتور حلمي الجزار، وهو ما نفاه الجزار
بشدة في حديثه الأخير، مؤكدا انه لم يزر لبنان في حياته، ويشهد بذلك جواز سفره
وسلطات مطار بيروت. ومن تابع الحديث التلفزيوني بدون مواقف مسبقة سيتأكد أن الجزار
لم يعلن دعما مباشرا أو غير مباشر لطنطاوي ولا لغيره، بل إنه أكد أن الباب لا يزال
مفتوحا لظهور أسماء جديدة قد تكون أقوى أو أضعف من طنطاوي.
الرسالة
الثانية هي أن الحل السياسي والمصالحة المجتمعية هي نقطة البداية في حل جميع
التحديات التي تواجه مصر، وأولى خطوات ذلك الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين من
جميع التيارات، في تأكيد منه أن قضية المعتقلين تمثل إحدى أولويات الجماعة في
الوقت الحالي.
ربما كانت الرسالة الجديدة فيما قاله حلمي الجزار هي إعلانه عن تشكيل الجماعة لجنة للمراجعة والتوثيق برئاسة أحد أساتذة التاريخ؛ بدأت عملها بالفعل، وقد تظهر نتائجها الأولية خلال ستة أشهر، رغم أنها حددت لنفسها فترة عامين لإنجاز مهمتها. ويبدو أن الدكتور الجزار قد لمس وترا حساسا، حيث تصاعدت المطالب للجماعة من داخلها ومن خارجها بضرورة مراجعة مجمل سياساتها ومواقفها خلال السنوات الماضية
الرسالة
الثالثة هي التأكيد على أن جماعة الإخوان تمد يدها للجميع من أجل الوطن، أيضا لم
يقل جديدا في ذلك بل تأكيدا على مواقف سبق أن أعلنها الراحل إبراهيم منير،
والقيادي في الجماعة يوسف ندا، وقد صدرت من كليهما قبل أن تشهد الجماعة أزمتها الداخلية
الحالية.. الجديد أن من وجّه الرسالة هذه المرة هو الدكتور حلمي الجزار بموقعه
التنظيمي الجديد، وبرمزيته التاريخية المعروفة.
الرسالة
الرابعة هي التأكيد على دعم الإخوان لأي تقارب عربي أو إسلامي كما هو الحال في
العلاقات المصرية التركية، والتأكيد أيضا على تحسين العلاقة مع المملكة العربية السعودية
التي كانت تربطها بالإخوان تاريخيا علاقات جيدة منذ عهد المؤسس.
ربما
كانت الرسالة الجديدة فيما قاله حلمي الجزار هي إعلانه عن تشكيل الجماعة لجنة
للمراجعة والتوثيق برئاسة أحد أساتذة التاريخ؛ بدأت عملها بالفعل، وقد تظهر
نتائجها الأولية خلال ستة أشهر، رغم أنها حددت لنفسها فترة عامين لإنجاز مهمتها. ويبدو
أن الدكتور الجزار قد لمس وترا حساسا، حيث تصاعدت المطالب للجماعة من داخلها ومن
خارجها
بضرورة مراجعة مجمل سياساتها ومواقفها خلال السنوات الماضية وخاصة منذ ثورة
يناير 2011، ولم تجد هذه الدعوات آذانا صاغية من قبل بحجة أن الوقت ليس مناسبا
للمراجعة والتقييم، وأن غالبية المسئولين عن الفترة الماضية مغيبون في السجون، لكن
الجماعة في توجهها الجديد قررت إجراء هذه
المراجعات والتقييمات بمن حضر من قادتها
ومسئوليها.
وكان
واضحا من ردود الفعل على حوار الجزار تلهف الكثيرين لنتائج هذه المراجعات
والتقييم، وربما غضب بعضهم من الحديث عن فترة عامين للانتهاء منها حيث أن الأمر لا
يستدعي هذه المدة الطويلة، في ظل أحداث كبرى متتالية تحتاج إلى سرعة في التعاطي
معها.
قد
تصل رسائل الجزار لمن قصدهم، وقد تتأخر في الوصول أو قد لا تصل، لكنها رسائل مهمة
في كل الأحوال، والمهم أن تقدم الجماعة من جهتها ما تراه مناسبا لتحريك المسار
السياسي، وحل أزمة المعتقلين، ولا يتوهم أحد أن الاستجابة ستكون سريعة، وإن كان
المأمول غير ذلك.
twitter.com/kotbelaraby