أعلن في القمة العشرين، التي تم عقدها في دلهي العاصمة
الهندية، وحضرها الرئيس الأمريكي جو
بايدن، فيما غاب عنها الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ؛ الاتفاق أو توقيع اتفاق على إقامة
الممر الاقتصادي الذي يربط دول الخليج العربي والأردن ودولة الاحتلال الإسرائيلي، مع الهند ودول الاتحاد الأوروبي عبر الشرق الأوسط.
الممر الاقتصادي، وحسب ما قيل عنه في الإعلام، وعن فوائده لدول العالم في التجارة وتنشيط سلاسل التوريد، مع السرعة وقلة التكلفة، يتكون من ممرين غربي وشرقي، أو شمالي؛ الممر الشرقي يربط ميناء مونديرا الهندي على الساحل الغربي للهند بميناء الفجيرة الإماراتي، فيما يستخدم على البر؛ خط سكك حديد عبر السعودية والأردن؛ لنقل البضائع بواسطة حاويات إلى ميناء حيفا الاستراتيجي. أما الممر الغربي أو الشمالي؛ فيمتد من ميناء حيفا إلى موانئ مختلفة؛ ميناء مرسيليا في فرنسا وموانئ أخرى في إيطاليا واليونان. من الممكن حسب المعلن عنه، أن يمتد لاحقا عبر ميناء مونديرا الهندي إلى فيتنام وتايلند وبنغلاديش، وفي الأخيرة هناك 6 خطوط للسكك الحديد ترتبط مع سكك حديد الهند إلى ميناء بونديرا الهندي، ومنه إلى أوروبا عبر المحيط الهندي.
إن هذا المشروع الطموح وكما قيل عنه؛ من أنه سوف يساهم في نقل الطاقة المتجددة والنظيفة بواسطة الأنابيب والكابلات إلى دول الاتحاد الأوروبي ودول أخرى في آسيا الوسطى، لا يزال مشروعا طموحا؛ قد لا يتم توفير الإمكانيات المادية لتنفيذه في القريب العاجل، ولا حتى في الأمد المنظور، وهذا الاحتمال هو الاحتمال الوارد جدا. كما أن هذا المشروع تعترض طريق تنفيذه الكثير من المطبات والصعوبات، على صعيد الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة العربية وفي العالم أيضا. فالأوضاع الدولية الحالية غير واضحة المعالم، والصراع التنافسي الدولي في المقبل من الزمن، سوف يكون على قواعد الاقتصاد والتجارة وممراتها العابرة للحدود.
الممر الاقتصادي هذا، الغاية منه أو واحدة من غاياته، هي محاصرة المشاريع
الصينية في الحزام والطريق، وأيضا محاصرة مشاريع روسيا مع إيران في الممر جنوب – شمال بين إيران وروسيا، الذي ربما يمتد مستقبلا إلى موانئ سوريا على البحر الأبيض المتوسط عبر العراق، وحتى ربما إلى الموانئ التركية عبر العراق إلى دول الاتحاد الأوروبي.
مشروع الحزام والطريق بين إيران والصين، من المحتمل أن يتخذ في مساره مسار ممر جنوب ـ شمال الروسي الإيراني نفسه. هنا وفي هذه الأوضاع التي سوف يتم مستقبلا إخضاعها للتحولات الكبرى على صعيد المنطقة العربية وفي جوارها الإسلامي، وفي بقية أرجاء العالم، التي تتحكم بها مصالح القوى الدولية الكبرى وأيضا القوى الإقليمية الكبرى. ربما، سوف تتغير أنظمة ما بعينها، في المنطقة العربية وفي جوارها، وأيضا سوف تتغير الكثير من الشراكات، سواء الاقتصادية أو العسكرية أو السياسية، مع هذا الطرف الدولي، أو بالضد من الطرف الدولي الآخر. الاستثناء الوحيد هنا؛ الهند، فعلى الرغم من أنها المركز الأساس للممر الاقتصادي الأمريكي، من المرجح جدا ألا تقف مع هذا الجانب، أو مع ذلك الجانب، بل إنها سوف تقف في المنطقة الوسط بين الضدين، في إيجاد منطقة ليست متوسطة فقط، على أهمية هذا من حيث وضع المصالح في حقيبتين؛ حقيبة هنا وحقيبة هناك؛ ليكون لهذه الدولة السائرة على الطريق، لتكون دولة كبرى في المناطحة المصلحية مع القوى الدولية الكبرى، موقف مستقل اقتصاديا وسياسيا عن قطبي التنافس والصراع الاقتصادي والسياسي، الصين وأمريكا، مع ما يكون في إطاريهما من قيادات دولية كبرى.
إن مشاريع الحزام والطريق الصينية، لها الحظ الأوفر في الوجود والتنفيذ واقعيا؛ أولا لأنها لا ترتبط في إبرامها وتنفيذها كما تفعل أمريكا بشروط سياسية، كما تقول عنها الصين، من أنها تعتمد على المنفعة المتبادلة، وثانيا؛ أنها لا تعتمد على إحداث تغييرات سياسية في الأوضاع والنظم السياسية، بل إنها مشاريع اقتصادية، وثالثا؛ أغلبها يعتمد على البحار والموانئ، وليس جميعها، ورابعا؛ أغلبها لا تتصادم ممراتها مع الممر الاقتصادي الأمريكي، بل إنها تسير في خطوط متوازية مع هذا الممر أو مع غيره من الممرات، وخامسا؛ أن الصين تستثمر ومنذ زمن بعيد في الموانئ الإسرائيلية، كما أنها تستثمر استثمارا اقتصاديا جديا ومؤثرا في الدول التي يمر عبر أراضيها الممر الاقتصادي الأمريكي، أي إنها ـ في هذه الحالة ـ شريك غير مباشر في الممر الأمريكي. من الأمثلة على هذا، وليس الحصر؛ الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، الذي بدأ العمل به في عام 2016 بعد أن تم الاتفاق عليه بين الصين وباكستان في عام 2013 في عهد نواز شريف، في ما بدأ العمل به أي بتنفيذه على أرض الواقع بعد ثلاث سنوات، وفي عهد من تولى رئاسة الحكومة الباكستانية بعد نواز شريف، واستمر العمل به في زمن حكومة عمران خان، حتى إنه تواصل العمل به في الحكومة الباكستانية التي خلعت عمران خان، وتحظى بدعم أمريكي لا محدود. هذا يعني أن مشاريع الصين لا تخضع لتبدلات النظم والأوضاع السياسية في دولة اتفاق الطرف الثاني؛ لحوكمة المصالح لطرفي الاتفاق. بينما الممر الاقتصادي الأمريكي تتحكم فيه ليس بعد التنفيذ، بل قبل التنفيذ أيضا؛ البيئة السياسية والنظم السياسية والاستقرار في الدول التي يمر بها، أو يبدأ منها، مما يقود إلى أن يكون حظ تنفيذ هذا الممر، قليلا جدا لجهة الواقع الموضوعي في الوقت الحاضر، وربما في الأمد المتوسط. إن هذا الممر، قد صمم من أجل أن تكون دولة الاحتلال الإسرائيلي دولة طبيعية في المنطقة العربية، وأن تكون مركزا اقتصاديا وصناعيا وعسكريا في المنطقة، أو بعبارة أخرى تعتمد على نفسها في الحماية الأمنية والتنمية الاقتصادية، بل أكثر من هذا؛ أن تكون أو أن تخلق للأباطرة اليهود في أمريكا والغرب وحتى روسيا، أباطرة المال والتجارة والصناعة، سواء المدنية أو العسكرية؛ بيئة ملائمة لإحداث تنمية متبادلة ونفعية لمواردهم، بين دولة الاحتلال الإسرائيلي واللوبيات اليهودية المتحكمة في اقتصادات الدول سابقة الإشارة لها.
(عن صحيفة القدس العربي)