نشر موقع "ريسبونسبل ستيت كرافت" الأمريكي تقريرا تحدث فيه عن الانقلاب العسكري في
النيجر وتأثيره على الاستقرار في المنطقة والعلاقات الثنائية بين النيجر والجزائر ومع دول أخرى.
وقال الموقع، في التقرير الذي أعدته الكاتبة إيميلي ميليكن، وترجمته "عربي21"، إنه على خلفية الانقلاب العسكري الذي شهدته النيجر في 26 تموز /يوليو والذي أطاح بالرئيس محمد بازوم، تهدد
فرنسا والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) باتخاذ إجراء عسكري ضد المجلس العسكري في النيجر بذريعة حماية المنشآت الدبلوماسية والعسكرية الفرنسية واستعادة النظام الدستوري في النيجر، وسط مخاوف من تطوّر هذه الأزمة إلى صراع إقليمي.
لدى كل جيران النيجر السبعة مجموعة فريدة من المصالح ووجهات النظر بشأن الوضع في النيجر. من جهتها، تركز
الجزائر التي تشترك مع النيجر في حدود طولها 620 ميلا، على تعزيز الاستقرار والعودة إلى النظام الدستوري في النيجر مع منع القوى الأجنبية من انتهاك سيادة البلاد.
ويشعر الجانب الجزائري بالقلق إزاء انتقال حالة عدم الاستقرار إلى البلدان المجاورة (بما في ذلك الجزائر) واستغلال المتطرفين للاضطرابات في النيجر نفسها. ولا تزال ذكريات "العقد الأسود" في الجزائر (1991-1999)، حيث أدى التمرد والحملة القمعية التي قادتها الدولة إلى الكثير من إراقة الدماء، حيّة في أذهان الجزائريين.
ونقل الموقع عن السفير الأمريكي السابق غوردون غراي قوله إن "مسؤولي الأمن القومي في الجزائر يشعرون بالقلق بالفعل بسبب التوترات المتزايدة مع المغرب غربا، واستمرار عدم الاستقرار في ليبيا وتدهور الوضع الاقتصادي في تونس شرقا. وعدم اليقين في الجنوب، أي على طول الحدود مع النيجر، يمثل تطورا آخر محفوفا بالمشاكل الخطيرة سيتعين عليهم التعامل معه".
في عام 2012، سيطرت ثلاث جماعات جهادية - تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وحركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا، وأنصار الدين - على ثلثي مالي بما في ذلك الأراضي المتاخمة للجزائر. ويشعر الجزائريون بالقلق من قدرة هؤلاء المتطرفين المسلحين على تهديد أمن الجزائر.
كما كشفت أزمة الرهائن في أميناس عام 2013 للجزائر مدى سهولة تعرضها لخطر الجماعات الإرهابية العابرة للحدود الوطنية. وفي الوقت الراهن، يشعر المسؤولون الجزائريون بالقلق إزاء الاضطرابات في النيجر التي توفر فرصا للجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيم الدولة والقاعدة لشن هجمات في جميع أنحاء المنطقة.
ما أسباب القلق الجزائري؟
أعرب المسؤولون الجزائريون عن قلقهم إزاء التأثير المدمر الذي يمكن أن يحدثه الوضع على سكان النيجر البالغ عددهم 25 مليون نسمة. ولا تشمل العقوبات التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا على النيجر في أعقاب انقلاب 26 يوليو/تموز استثناءات إنسانية. وتخشى الحكومة الجزائرية أن تؤدي الاضطرابات السياسية والوضع الاقتصادي المتدهور في النيجر إلى تدفق اللاجئين إليها وغيرها من البلدان المجاورة، ما يهدد الاستقرار الإقليمي بشكل أكبر.
وأوضح الموقع أن مخاوف الجزائر بشأن أزمة النيجر تتجاوز التهديد الإرهابي وتفاقم الكوارث الإنسانية. فرغم تأييدها لاستعادة النظام الدستوري في النيجر، إلا أن الجزائر تعارض بشدة التدخل العسكري من قبل القوات الأجنبية.
وفي هذا السياق، أوضح ريكاردو فابياني، مدير مشروع شمال أفريقيا لمجموعة الأزمات الدولية، أن الجزائر تعارض كافة أشكال التدخل الخارجي في شمال أفريقيا ومنطقة الساحل، سواء كان عسكريًا أو سياسيًا. وتتمسك بمبدأ السيادة وتعتبر أي تواجد أجنبي في جوارها تعديا على سيادة الدول المحلية مهما كانت طبيعة التدخل أو الوجود الأجنبي.
وأضاف فابيانو أنه "بالنسبة للجزائر، فإن التدخل العسكري ضد النيجر سيكون بمثابة كارثة. ويشير الجزائريون إلى أن التدخلات السابقة في ليبيا ومالي أدت إلى تفاقم المشاكل الموجودة من قبل، بدلا من حلها. وهذه العمليات لها تأثير سياسي وأمني كبير، ويمكن أن تمتد تداعياتها لعقود".
باعتبارها مستعمرة فرنسية سابقة قبل شن حرب من أجل الاستقلال (1954-1962)، ينظر الجزائريون إلى السيادة الوطنية على أنها أمر مقدس، وهو ما يساعد على فهم سبب معارضة الجزائر في الماضي للتدخلات الأجنبية في ليبيا والعراق ومالي وسوريا.
وأورد الموقع أن الجزائر، باعتبارها من الدول المناهضة للإمبريالية والمؤمنة بالقومية الأفريقية والعربية، سوف تعارض دائما التدخل العسكري الغربي (وخاصة الفرنسي) في أفريقيا، أو الشرق الأوسط، أو في أي مكان في الجنوب العالمي.
خطة جزائرية
وتلعب الجزائر دورا رائدا في الدعوة إلى حل دبلوماسي للأزمة النيجيرية يحول دون أي تدخل عسكري خارجي. وفي الشهر الماضي، زار وزير الخارجية أحمد عطاف ثلاث دول أعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا – نيجيريا وبنين وغانا – بناء على أوامر من الرئيس عبد المجيد تبون. وبعد الزيارات، اقترح عطاف خطة انتقالية مدتها ستة أشهر لإعادة الحكم المدني والديمقراطية إلى النيجر.
وأكد عطاف معارضة الجزائر للتدخل العسكري الأجنبي مؤكدا أن الجهات الخارجية ستُمنع من عبور المجال الجوي الجزائري في إطار أي تدخل. وتهدف خطة النقاط الست إلى "صياغة ترتيبات سياسية بقبول جميع الأطراف في النيجر دون استبعاد أي طرف" في غضون ستة أشهر، وذلك وفقًا لأحد كبار الدبلوماسيين الجزائريين الذي أجرى أيضا اتصالات مع أعضاء المجلس العسكري وقادة مدنيين نيجيريين.
وقبل إعلان عطاف عن خطة الجزائر، وضعت القيادة العسكرية في النيجر بدعم من بوركينا فاسو ومالي خطتها المختلفة تماما، ودعا المجلس العسكري إلى فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات لاستعادة النظام الدستوري. وقد رفضت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا هذه الخطة بشكل موجز، مؤكدة أن ثلاث سنوات فترة طويلة للغاية، كما وصف بعض الأعضاء اقتراح المجلس العسكري بأنه "استفزاز".
وتأمل الجزائر أن يقدم اقتراحها أرضية وسطية تحفظ ماء وجه جميع الأطراف وتفضي إلى استعادة الديمقراطية في النيجر مع منع أي عمل عسكري ضد الدولة غير الساحلية الخاضعة للعقوبات.
بالنسبة للجزائر، من حسن الحظ وجود دعم دولي متزايد من الحكومات الأجنبية مثل الحكومة الإيطالية لجهود الوساطة التي تبذلها مع اشتداد المواجهة بشأن النيجر. وحسب فابياني "إذا نجح هذا الجهد الدبلوماسي، فمن الممكن أن يعزز دور الجزائر في منطقة الساحل، وهو أحد أهداف الجزائر طويلة المدى في المنطقة".
من جهتها، لم تتخذ واشنطن بعد موقفا بشأن خطة الجزائر واتبعت بشكل عام نهجا أكثر حذرا من باريس. ورغم جهود مسؤول كبير في وزارة الخارجية لإشراك المجلس العسكري، رفضت الولايات المتحدة حتى الآن وصف الإطاحة ببازوم على أنها "انقلاب"، وهو قرار قانوني يتطلب من واشنطن إنهاء المساعدات العسكرية لنيامي، التي تعتبر شريكا رئيسيا في مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل لسنوات.
وأوضحت كبيرة محللي شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية، داليا غانم، أن "الجزائر اليوم لا تريد استعداء المجلس العسكري في النيجر، ولا تريد دعم أي تدخل عسكري. تعلمت أن موقف عدم التدخل هذا لم يعد فعالا لأنه يترك الباب مفتوحا أمام التدخل الأجنبي كما هو الحال في ليبيا".
وبالتالي وفقا لغانم، فإن "القيادة في البلاد عالقة بين عقيدة قديمة والواقع الإقليمي الجديد. وليس أمام البلاد خيار آخر سوى تعزيز الأمن على حدودها، ولا يمكنها النجاح في ذلك دون اتخاذ خيارات صعبة. وفي نظر الرأي العام، ستواصل الجزائر استثمار طاقتها الدبلوماسية في خطتها الانتقالية التي مدتها ستة أشهر. أما خلف الكواليس، تبحث الجزائر عن طرق للتعاون مع المجلس العسكري لضمان أمن حدودها الجنوبية".