أمهلت الحكومة
المصرية الأجانب المقيمين إقامة غير شرعية مهلة ثلاثة
أشهر لتصحيح أوضاعهم وتقنين إقامتهم بالبلاد، وأصدرت ضوابط تحصيل رسوم الإقامة بالدولار
أو ما يعادله.
واشترط القرار وجود مُستضيف مصري الجنسية، وسداد مصروفات إدارية بما
يعادل ألف
دولار أمريكي تودع بالحساب المخصص لذلك وفقًا للقواعد والإجراءات والضوابط
التي تحددها وزارة الداخلية.
وينص القرار، على أنه يتعين على الأجانب المتقدمين الراغبين في الحصول
على حق الإقامة للسياحة أو لغير السياحة، تقديم إيصال يفيد قيامهم بتحويل ما يعادل
رسوم "الإقامة- غرامات التخلف- تكاليف إصدار بطاقة الإقامة" من الدولار أو ما يعادله
من العملات الحرة إلى الجنيه المصري من أحد البنوك أو شركات الصرافة المعتمدة.
تقدر السلطات المصرية عدد الأجانب على أراضيها بنحو 9 ملايين لاجئ. وقال
رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، في حزيران/ يونيو الماضي، في إطار تعليقه على
الأزمة السودانية، إن "هناك الآن 9 ملايين ضيف موجودون على أرض مصر".
وأضاف: "دخل إلى مصر أكثر من 220 ألف شخص خلال الأسابيع السبعة
الماضية ونتيجة الظروف التي حدثت مع أشقائنا في السودان".
في آب/ أغسطس 2022، قدرت
المنظمة الدولية للهجرة في مصر العدد الحالي
للمهاجرين الدوليين الذين يعيشون في مصر بـ 9 ملايين مهاجر ولاجئ من 133 دولة، يعمل
37% منهم في وظائف ثابتة ويساهمون بشكل إيجابي في سوق العمل المصرية.
وفقا للمنظمة فإن المهاجر هو "أي شخص يتحرك أو ينتقل عبر حدود
دولية أو داخل دولة بعيدًا عن مكان إقامته المعتاد، بغض النظر عن الوضع القانوني للشخص؛
ما إذا كانت الحركة طوعية أو غير طوعية؛ وما هي أسباب الحركة أو ما هي مدة الإقامة".
يتوزع العدد الأكبر على المهاجرين السودانيين (4 ملايين) والسوريين
(1.5 مليون) واليمنيين (مليون) والليبين (مليون)، وتشكل هذه الجنسيات الأربع 80٪ من
المهاجرين المقيمين حاليًا في البلاد.
إلا أن أعداد اللاجئين المسجلين رسميا أقل من هذا العدد بكثير، حيث
تقول
المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالقاهرة، إن مصر تستضيف 300 ألف
شخص من طالبي اللجوء من 55 دولة مختلفة، غالبيتهم من سوريا تليها السودان وجنوب السودان
وأريتريا وإثيوبيا واليمن والصومال.
بحسب المفوضية يوجد لديها 147,999 لاجئ من سوريا و77,140 من السودان
و27,142 من جنوب السودان و24,444 من أريتريا و16,286 من إثيوبيا و7,319 من اليمن و6,562
من الصومال و5,464 من العراق، إضافة إلى أكثر من 45 جنسية أخرى.
ويعيش اللاجئون وطالبو اللجوء، بحسب المفوضية، في الحضر ويتركزون إلى
حد كبير في القاهرة الكبرى والإسكندرية ودمياط وعدة مدن في الساحل الشمالي.
ويعتمد عدد كبير من اللاجئين وطالبي اللجوء على المساعدات الإنسانية
لتلبية احتياجاتهم الأساسية وتقديم الدعم الطبي أو النفسي-الاجتماعي، ويفتقرون إلى
مصدر دخل ثابت.
"حان وقت الدفع"
بذلك يتعين على عدد كبير من المقيمين غير المسجلين لدى مفوضية اللاجئين
الثلاثمئة ألف والسودانيين البالغ عددهم 4 ملايين أن يقوموا بتوفيق أوضاعهم وفق القرار
الجديد.
ويقيم السودانيون في مصر بموجب اتفاقية "الحريات الأربع"
التي وقعتها مصر مع السودان عام 2004، والتي نصت على حرية التنقل والإقامة والعمل والتملك،
ولكنها لم تطبق بشكل كامل.
لا توجد إحصاءات رسمية أو غير رسمية بشأن مساهمة المقيمين الأجانب في
مصر؛ لكن جزءا كبيرا منهم يعملون في العديد من القطاعات الاقتصادية المختلفة إلى جانب
انخراطهم في التجارة والصناعات المتوسطة والصغيرة.. وخلال السنوات العشر الأخيرة أنشأ
بعض المستثمرين مصانعهم وشركاتهم الخاصة في الكثير من المجالات المتنوعة مثل صناعة
الملابس والصناعات الغذائية والأثاث.
واشتكى بعض الوافدين من سوريا واليمن في تصريحات لـ"عربي21"
من تداعيات ذلك القرار، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمرون بها، إلى جانب صعوبة
الأوضاع التي تمر بها مصر وتلقي بظلالها على المواطنين والمقيمين على حد سواء.
وقال أحد المقيمين السوريين ويدعى أبا أحمد، ويعمل في مجال صناعة الأثاث
بمحافظة الجيزة: "أقيم في مصر منذ 7 سنوات، وأسست مع عدد من أقربائي أكثر من ورشة
لصناعة الأثاث ولا يحملون إقامة، والبعض الآخر يحمل إقامة سياحية أو دراسية أو يحملون
الكارت الأصفر الصادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين".
وأضاف، في حديثه لـ"عربي21": "هذا القرار يكلف الكثير
من الأسر أعباء مالية كبيرة قد تصل إلى 240 ألف جنيه لأسرة من 6 أشخاص، وهو مبلغ لا
يملكه الكثيرون، وهناك بعض الأسر التي تحتاج إلى مساعدات مالية".
أحد المقيمين من دولة اليمن، ويدعى إسماعيل ويعمل في مجال التجارة،
قال: "جئنا إلى مصر منذ ثلاث سنوات، ونعمل مع بعض الأصدقاء في مجال التجارة، ولكن
نواجه الكثير من المتاعب والصعوبات لاستخراج الأوراق والتصريحات الرسمية، وأعتقد أن
القرار سيكون جيدا لمن يمتلكون المال، لكنه سيكون سيئا جدا لهؤلاء الذين يعانون ماليا".
وطالب، في حديثه، لـ"عربي21" بأن "تقلل الحكومة المصرية
من المبلغ المطلوب لتوفيق الأوضاع؛ لأن هناك الكثير من الأسر غير القادرة على دفع هذه
الأموال، والقرار لم يوضح هل هي سنوية أم لمرة واحدة، وما هي التسهيلات التي سوف يحصلون
عليها".
ويفند قرار الحكومة المصرية بإلزام المقيمين الأجانب بتوفيق أوضاعهم
تصريحات السيسي، الذي طالما كرر أن مصر تحتضن ملايين اللاجئين على أراضيها وتعاملهم
معاملة المواطن العادي، وهي هي الدولة الوحيدة التي لا تقيم مخيمات أو معسكرات للاجئين
على أراضيها.
"توفيق أوضاع"
في سياق تعليقه على القرار، يقول رئيس الجمعية المصرية لدراسات الهجرة،
الدكتور أيمن زهري، إن "تقنين أوضاع المهاجرين غير النظاميين لا علاقة له باللاجئين
الذين يتمتعون بحقوق اللجوء حيث وقعت مصر على اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين
وتحترمها وتطبقها".
وأوضح لـ"عربي21" أن "أي شخص غير لاجئ أو طالب لجوء
ولا يملك إقامة سارية فهو في حكم المهاجر غير النظامي، وعلى جميع المقيمين من أي جنسية
أن يوفقوا أوضاعهم، والباب مفتوح للتقدم بأوراق اللجوء والتمتع بصفة لاجئ إذا كانت
تنطبق عليه الشروط ولا يملك القدرة المالية على توفيق أوضاعه وفق نص القرار الجديد".
ونفى خبير شؤون الهجرة أن يكون الهدف هو جمع مبالغ مالية بالدولار أو
بالعملة المحلية، وأكد أن "الهدف من صدور القرار هو تنظيم وجود ملايين المقيمين
في البلد، وعليهم أن يقدموا وثائق تثبت الغرض من وجودهم، هي محاولة لضبط الأمور بعد
عقود من التساهل".
"زيادة الحصيلة الدولارية"
اقتصاديا، يعتقد الخبير الاقتصادي، عبد النبي عبد المطلب، أن
"تحصيل الرسوم بالدولار لتوفيق أوضاع المقيمين غير النظاميين يتسق تماما مع توجهات
الحكومة المصرية في محاولة زيادة الحصيلة الدولارية خلال الشهور القليلة الماضية، ولكن
الاختلاف هذه المرة أنه إلزامي وليس مبادرة حكومية يمكن الأخذ بها أو تركها".
ورهن في حديثه لـ"عربي21" تحصيل مبالغ دولارية "بعدد
المقيمين الذين يرغبون في تقنين أوضاعهم في مصر، وقدرتهم على توفير المبالغ الدولارية،
وهذا القرار هو أحد آخر الأفكار الذي تفتق عنها ذهن المشرع المصري من أجل زيادة الحصيلة
الدولارية".
واستدرك عبد المطلب: "خاصة أن بعض الدراسات رصدت أن جزءا كبيرا
من تحويلات الأجانب لذويهم بالداخل تتم عن طريق السوق الموازية وليس البنوك، لذلك اشترط
القرار أن يتم صرف العملة الأجنبية من البنوك ومكاتب الصرافة المعتمدة بالسعر الرسمي".
"عبء إنساني"
على المستوى الحقوقي، فند مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان، خلف بيومي
القرار، وقال: "القرار الجديد، بلا شك، يشكل عبئا كبيرا على قطاع واسع من المهاجرين
أو المقيمين غير الشرعيين في مصر منذ سنوات، وهي إجراءات تتناقض مع تصريحات المسؤولين
بخصوص فتح الباب للجميع".
مضيفا لـ"عربي21" أن "بعض هؤلاء خاصة من البلدان العربية
والأفريقية أصبحوا جزءا من نسيج المجتمع المصري، و اندمجوا في سوق العمل بمختلف أنشطته
سواء كانت تجارية أو حرفية أو صناعية، وساهموا في إنشاء مشروعات تنموية، ولكن هناك من لا
يستطيع تدبر حياته إلا بصعوبة ولا يحصل على أي معونات أو مساعدات من الدولة أو من الأمم
المتحدة ويجب مراعاة ظروفهم".