أثار إعلان عدد من القوى السياسية
العراقية عدم مشاركتها في
الانتخابات المحلية المقبلة، العديد من التساؤلات عن مدى تأثير ذلك على المشاركة الجماهيرية، خصوصا في ظل استمرار دعوات
المقاطعة التي تطلقها تيارات محسوبة على احتجاجات تشرين الأول/ أكتوبر 2019.
وتأتي الانتخابات المحلية التي من المقرر أن تجرى في 18 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، بعدما حل البرلمان العراقي مجالس المحافظات عام 2019 بضغط من الاحتجاجات الشعبية، قبل أن تعود الكتل البرلمانية في آذار 2023، وتصوت على إعادة إحيائها مجددا.
انسحابات متتالية
ويعد
التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر أبرز الغائبين والمنسحبين من هذه الانتخابات، وكذلك ائتلاف الوطنية بزعامة رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، وحركة "امتداد" بقيادة علاء الركابي، التي انبثقت من "حراك تشرين" عام 2019.
ومن جانبها أعلنت حركة حزب "بيارق الخير" برئاسة السياسي محمد الخالدي، عدم مشاركتها أيضا، بينما دعا تحالف "المستقلين" في البرلمان العراقي إلى تأجيل الانتخابات المحلية إلى العام المقبل.
و أعلنت المرشحة عن تحالف "الأساس العراقي" في محافظة ديالى آلاء جلال فليجة، الأحد الماضي، انسحابها من الترشح لانتخابات مجالس المحافظات، مشيرة إلى أن "التحالفات والكيانات المستقلة مجرد تدوير للأحزاب الفاسدة".
ويرأس تحالف "الأساس العراقي" النائب الأول لرئيس البرلمان محسن المندلاوي، عقب تحالف 22 حزبا وحركة سياسية، غالبيتهم من القوى الناشئة التي تصف نفسها بأنها "مستقلة".
وتوقعت صحيفة "المدى" العراقية في تقرير لها، الأحد الماضي، أن يمتنع نحو نصف العراقيين الذين يحق لهم التصويت عن المشاركة في الانتخابات المحلية المقبلة، مقسمين بين من قاطعوا الانتخابات البرلمانية السابقة وبين من أعلنوا عدم مشاركتهم في الانتخابات المرتقبة.
من جهتها أعلنت المفوضية العليا للانتخابات، الأحد الماضي، أن أكثر من 23 مليون مواطن يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في انتخابات مجالس المحافظات، وأن مليونا و31 ألفا من الناخبين قاموا بتحديث سجلاتهم.
ومن المقرر أن تشمل الانتخابات المحلية 15 محافظة عراقية من أصل 18، على اعتبار أن محافظات إقليم كردستان الثلاث غير مشمولة بها، إذ تعتبر هذه الانتخابات هي الثالثة من نوعها، بعد تلك التي أجريت في 2009 و2013.
تأجيل محتمل
وعن مدى تأثير غياب هذه القوى على الانتخابات المحلية، قال المحلل السياسي، فلاح المشعل، إن "هذه الانسحابات من المؤكد أنها تؤثر على نحو مباشر وكبير في طبيعة وحجم الجمهور المشارك فيها".
وأضاف المشعل في حديث لـ"عربي21" أن "التيار الصدري يسيطر على نصف الساحة الشيعية أو أكثر، وبالتالي فإن غيابهم سيؤثر في عدد المشاركين المندفعين للانتخابات كونه جمهورا منظما، إضافة إلى جماهير القوى الأخرى المقاطعة".
ولفت إلى أن "الرفض اعتمد على ثلاثة أسباب، الأول أن مجالس المحافظات هذه قد جرى حلها بموجب إرادة شعبية متمثلة في احتجاجات تشرين عام 2019، والأمر الآخر هو قانون الانتخابات الذي جرى التلاعب به من قبل الأحزاب الحاكمة واعتمادهم مبدأ سانت ليغو، وهذا مرفوض شعبيا وسياسيا سواء من التيار الصدري أو غيره".
السبب الآخر، بحسب المشعل، هو أن "الأحزاب الحاكمة هي التي تمتلك السلطة والنفوذ والسلاح والمال، بالتالي فإنه لا يمكن الوثوق في نتائج الانتخابات، لأنها ستكون لصالح هؤلاء بشكل أكيد، وبالتالي فإن مجالس المحافظات لن تمثل الإرادة الوطنية".
وأشار إلى أنه "في الانتخابات البرلمانية عام 2021 جرى الحديث رسميا عن مشاركة 41 بالمئة، لكن أكثر التقديرات ذهبت إلى أنها لم تتجاوز الـ 20 بالمئة، لذلك فإن انتخابات مجالس المحافظات المرتقبة ربما يشارك فيها أقل من 10 بالمئة".
وبناء على المقاطعة الحالية وقلة نسبة المشاركة المتوقعة في انتخابات مجالس المحافظات كما يرى المشعل، فإن "الأحزاب الفائزة ستواجه معارضة شعبية واسعة النطاق، لذلك فإنها ربما تؤجل الانتخابات إلى العام المقبل على أمل أن يشارك فيها التيار الصدري".
وتابع: "إذا جرت الانتخابات في ظل هذه الظروف، فإن النتائج لن تكون في صالح الفائزين لأنها ستحظى بمعارضة شعبية واسعة، كون من سيشارك فيها هم فقط المستفيدون والموالون للأحزاب الحاكمة، وهذا خلاف لمبدأ الديمقراطية الذي يؤصل لحكم الأغلبية".
ورأى المشعل أنه "إذا كانت الأغلبية غائبة عن المشاركة في الانتخابات، فإن الأقلية هي من ستتحكم بالقرار السياسي، وبالنتيجة فستكون كل السلطات بيدها، بمعنى أن ما يجري هو تدوير السلطة بين هذه القوى الحاكمة من البرلمان والحكومة إلى الحكومات المحلية".
وأكد الخبير العراقي أن "دعوات مقاطعة الانتخابات المحلية بدأت من أحزاب وتيارات معروفة وتتعاظم خلال الأيام المقبلة، وأن موضوع المشاركة حق طبيعي يستطيع المواطن التمتع به أو التنازل عنه، ولا يحق للحكومة فرض خيار التصويت على العراقيين".
انتخابات زبائنية
وفي السياق ذاته، قال عضو التيار الصدري السابق، عصام حسين، لـ"عربي21" إن "الانتخابات المقبلة لن تكون بالمستوى المطلوب من ناحية المشاركة، وذلك يعود إلى إحباط الشارع العراقي نتيجة الصراعات السياسية، وعدم معالجة العديد من ملفات الفساد، وسيطرة المليشيات على اقتصاد البلد".
بناء على ذلك، رأى حسين أن "العملية الانتخابية المقبلة هي انتخابات مال سياسي ونفوذ سلاح، وكذلك نفوذ إقليمي، لأن إيران وأمريكا لديهما القدرة على التأثير فيها، وهذه القناعات موجودة لدى المواطنين".
ووصف حسين ما يجري بـأنه "انتخابات زبائنية" أكثر منها جماهيرية، لأن مؤيدي القوى الحاكمة هم من سيشاركون فيها، إضافة إلى الضغط على القوات الأمنية للإدلاء بأصواتها، فضلا عن شراء البطاقات الانتخابية من بعض المواطنين، لأن رفض المشاركة واضح.
وبحسب معلومات حسين، فإنه "لم يذهب إلى تحديث سجل الانتخابات المقبلة سوى مليون مواطن فقط، من مجموع 9 ملايين كانوا قد شاركوا في الانتخابات الماضية عام 2021، من ضمنهم جمهور التيار الصدري، والتيارات المدنية".
وأردف بأن "التيارات المدنية اليوم متهمة بأنها أحزاب ظل للإطار التنسيقي الشيعي، وهذا يعني فقدان المواطن الثقة بها، وبالتالي فلا توجد مشاركة بالمستوى الذي تريده قوى الإطار، لتقديمها كواجهة أمام المجتمع الدولي بأن العراقيين تواقون للمشاركة في العملية الديمقراطية".
وبلغ عدد المصوتين للأحزاب المستقلة والمدنيين في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في عام 2021 نحو مليوني صوت، إذ تجاوزت أصوات المدنيين ما جمعته تحالفات وأحزاب الإطار التنسيقي الحاكم، والتي حققت أكثر من المليون و500 ألف صوت بقليل.
وكانت أصوات المدنيين أكثر من ضعف أصوات التيار الصدري الذي حصل على أعلى المقاعد بنحو 800 ألف صوت، لذلك فإن مقاطعة الصدريين للانتخابات المحلية المقبلة قد يتسبب في عدم مشاركة نحو مليون صوت، وهم جمهوره الذي يتبع توجيهات مقتدى الصدر.
وكانت نسبة المقاطعة في الانتخابات البرلمانية عام 2021 قد بلغت نحو 59 بالمئة، فيما قُدرت المشاركة حينها بـ41 بالمئة فقط، وهذا يعني أنها انخفضت عن ما كانت عليه في انتخابات عام 2018، والتي شارك فيها نحو 44.52 بالمئة، بحسب الجهات الرسمية.