تطالعنا وسائل الإعلام الإسرائيلية
المختلفة يومياً بأنباء حول قرارات جائرة للتضييق على فلسطينيي الداخل المحتل..
وإضافة إلى محاولاتها الحثيثة لتهويد الزمان والمكان في الداخل
الفلسطيني عبر إصدار
قرارات وقوانين عنصرية زائفة، سعت الدولة المارقة إسرائيل وتسعى على مدار الساعة إلى
تشتيت فلسطينيي الداخل وتمزيق نسيجهم الاجتماعي وجعلهم أقلية منعزلة عن الشعب
الفلسطيني.
أصدرت إسرائيل خلال العقدين الأخيرين
حزمة من القوانين العنصرية بغرض الضغط على فلسطينيي الداخل وأسرلتهم في نهاية
المطاف وجعلهم هامشيين في كافة مسارات الحياة، ومن أخطر تلك القوانين، قانون
القومية والقسم والولاء، وقانون عدم التزاوج مع فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة؛
وقبل ذلك تمّ فرض الخدمة العسكرية القسرية على الدروز والشركس في العام 1958؛
والهدف من وراء ذلك طمس الهوية العربية لفلسطينيي الداخل عبر تشتيت وتمزيق النسيج
الاجتماعي.
في وقت اعتبرت فيه الحكومات
الاسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 وجود الأقلية العربية في وطنها الأصلي خطراً
على وجود إسرائيل في المدى البعيد، فقد انتهجت المؤسسات الإسرائيلية المختلفة
سياسات ممنهجة تستهدف الاستمرار في الإرهاب والتمييز العنصري لإجبار فلسطينيي
الداخل على الرحيل وإفراغ الأرض من أهلها الشرعيين وفرض الديموغرافيا القسرية
التهويدية الإحلالية.
ومحاولة منها لطمس الهوية العربية
الفلسطينية لفلسطيني الداخل، سعت إسرائيل وتسعى على الدوام إلى جعل الدروز والشركس
قوميات منفصلة، وفرضت عليهم الخدمة الإلزامية في الجيش الإسرائيلي منذ العام 1958
كما أشرنا، وحاولت التفريق بين العرب المسلمين والمسيحيين وتقسيم المسيحيين إلى
طوائف شرقية وغربية، والمسلمين إلى مذاهب مختلفة، وقد توضح ذلك للمتابع للمجموعات
الإحصائية الإسرائيلية الصادرة منذ لعام 1950، حيث تضمنت مسميات وتوصيفات
إسرائيلية لفلسطينيي الداخل لترسيخ فكرة تفريقهم وتهميشهم والانقضاض على أحلامهم وآمالهم
في حنايا وطنهم فلسطين.
انتهجت المؤسسات الإسرائيلية المختلفة سياسات ممنهجة تستهدف الاستمرار في الإرهاب والتمييز العنصري لإجبار فلسطينيي الداخل على الرحيل وإفراغ الأرض من أهلها الشرعيين وفرض الديموغرافيا القسرية التهويدية الإحلالية.
ويمكن الجزم من خلال متابعات، فإنه رغم
فرض الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي على الشباب العرب الدروز والشركس في
نهاية الخمسينيات من القرن المنصرم، رفض العشرات الالتحاق بالخدمة أو عدم الانصياع
لأوامر عسكرية بالذهاب لقمع الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة إبان
الانتفاضتين الأولى التي انطلقت في نهاية العام 1987، والثانية التي انطلقت من
باحات الأقصى في نهاية سبتمبر / أيلول 2000، مما دفع السلطات الإسرائيلية لاعتقال
وسجن العديد من الذين رفضوا الخدمة لسنوات عدة، وبطبيعة الحال، هناك وعي شعبي بين
فلسطينيي الداخل، دفع بالكثيرين من الشباب الفلسطيني رفض فكرة تجنيد العرب في
الجيش الإسرائيلي، التي تستهدف تمزيق النسيج الاجتماعي والثقافي بين فلسطينيي
الداخل الذين وصل مجموعهم خلال العام الحالي 2023 إلى نحو مليونين وخمسين ألفاً، لجعلهم
هامشيين في المستوى الاقتصادي والسياسي.
في الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل إلى
تمزيق هوية فلسطينيي الداخل الحقيقية وتغييبها، كانت هبة يوم الأرض في الثلاثين من آذار
/ مارس من عام 1976 رداً ورفضاً لكافة سياسات
الاحتلال الرامية إلى تهويد الأرض،
وليصبح هذا اليوم يوماً وطنياً في تاريخ الشعب الفلسطيني يتم إحيائه سنوياً؛ وقد
ساهم فلسطينيو الداخل في كافة مراحل الكفاح الوطني الفلسطيني والانضمام إلى فصائل
العمل الوطني منذ انطلاقتها في البدايات، وذهبوا إلى أبعد من ذلك بتشكيليهم أحزاب
ذات طابع عربي خاصة بهم في الداخل المحتل، لكن للأسف حصلت خلال انتخابات الكنيسيت
الأخيرة تشظيات وانقسامات جديدة في القائمة المشتركة، الأمر الذي سيزيد من ضعفها
في المستقبل وحضورها وقوة صوتها الضعيف أصلاً في ظل خارطة حزبية إسرائيلية تلفظ
الفلسطيني وحضوره في الأساس في الحياة السياسية واتخاذ القرارات.
ومن الأهمية الإشارة إلى حضور ومساهمة
مباشرة لفلسطيني الداخل ودعمهم اللافت لأهلهم في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال
الانتفاضتين الأولى والثانية .
مرّ خمسة وسبعون عاماً على نكبة
الفلسطينيين الكبرى وإنشاء الدولة المارقة إسرائيل؛ ولم تستطع سياسات إسرائيل طمس
هوية فلسطينيي الداخل وانتمائهم لهويتهم الوطنية الفلسطينية الواحدة الموحدة؛ وقد
تمّ ترسيخها بشكل جلي خلال هبة الأقصى في أيار / مايو من العام 2021؛ حيث كانت المشاركة
عارمة ولافتة ومباشرة لكافة الشرائح الاجتماعية في الداخل الفلسطيني بشكل جلي
بفعالياتها وعلى امتداد الداخل؛ مدنه وقراه المحتلة، كمدينة اللد وأم الفحم وبئر
السبع وحيفا عروس الساحل الفلسطيني الجميل.
*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا