نشرت منصة "ويزدوم أوف كرودز" مقالا للأكاديمي الأمريكي من أصول
مصرية شادي حميد، تحدث فيه عن نظرته إلى الواقع السياسي في مصر، عقب مجزرة رابعة العدوية.
شادي حميد، الزميل في قسم العلاقات الأمريكية بالعالم الإسلامي في مركز "بروكنغز" بواشنطن، والحاصل على الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة هارفارد، وصف مجزرة رابعة بأنها "أسوأ مجزرة في تاريخ مصر الحديث".
وتحدث حميد عن الخطر الكبير في طريقة تفكير أنصار
السيسي، إذ قال إنه كان شاهدا على تقبل وتحريض واسع من قبل الأهالي بما فيهم بعض أقاربه، على إراقة الدماء.
وتاليا الترجمة الكاملة للمقال:
وقعت قبل عشر سنوات أسوأ مجزرة في تاريخ مصر الحديث. حدث ذلك وسط القاهرة في وضح النهار وعلى مدار ساعات، حيث قُتل أكثر من 800 شخص. حتى وأنا أكتب هذا المقال، أتساءل في داخلي هل حدث ذلك بالفعل؟ وأقول بسذاجة: كيف؟ ولماذا؟
نزل عشرات الآلاف من أنصار الإخوان إلى مسجد رابعة العدوية. كانوا يحتجون على الانقلاب العسكري الذي وقع في الثالث من شهر تموز/ يوليو 2013 والذي أطاح بأوّل رئيس منتخب ديمقراطيًا في البلاد، محمد مرسي - الذي كان من قيادات الإخوان المسلمين. من السهل احترام النتائج الديمقراطية عندما تكون كما تريد، لكن بالنسبة للعديد من المصريين كان احترام ديمقراطية أسفرت عن نتائج "غير مرغوب فيها" أمرًا بعيد المنال. وبعد كل شيء، فإذا كانت الديمقراطية جيدة، فعليها أن تحقق نتائج جيدة. وإلا فما هو الهدف؟
من جانبه، كان الجيش يهدد بالمضي قدما. كنا نعلم جميعًا أن ذلك سيحدث. ولكن السؤال كان متى وإلى أي مدى ستكون تحركاته دموية. لقد غادرت مصر قبل يومين من وقوع المجزرة، في 12 آب/ أغسطس. فمن الغريب انتظار وقوع مجزرة.
مع "التطهير" القسري لميدان رابعة، بدأت مرحلة جديدة حيث حاول أعضاء الإخوان - على الأقل أولئك الذين لم يكونوا في السجن - فهم مصر التي لم يعودوا يعترفون بها. لقد عانوا بالطبع من القمع سابقا. ومع ذلك، فقد كان هذا الوضع مختلفًا.
كان زعيم الانقلاب الجنرال عبد الفتاح السيسي يتبنى خطًا مسيانيا مخيفًا وغريبًا في نفس الوقت (أنا لا أستخف هنا بكلمة مسياني). فعلى سبيل المثال، في مقابلة غير رسمية مسربة، أخبر السيسي المقرب منه ياسر رزق بأنه رأى قبل 35 سنة حلما كان يرفع فيه سيفًا مكتوبًا عليه "لا إله إلا الله" باللون الأحمر. وفي حلم آخر سمع السيسي صوتا يقول "سنعطيك ما لم نعطه لأحد غيرك".
وفي العلن، قدّم السيسي نفسه كشخصية منقذة من شأنها "تعظيم" سلطة الدولة لإخراج الشعب المصري - "نور عينيه"، كما سماه - من حالته المؤسفة. وردد هذا الحديث بنبرته الأبوية الجميلة على انفراد. وقال ذات مرة لأحد الصحفيين: "يعتقد الناس أنني رجل ليّن. لكن السيسي مثال للتعذيب والمعاناة".
لقد كان السيسي ديكتاتورًا لكنه كان يتمتع بشعبية خاصة في البداية، جعلت منه قائدا جديدًا يحظى بالتمجيد. فقد صرّحت إحدى الصحفيات بأنها عشيقة الجنرال السيسي. وظهر على غلاف مجلة إخبارية مملوكة للدولة 30 وجها مبتسمًا للسيسي، وكان كلهم يرتدون ملابس مختلفة - أطباء ومهندسين وعمالا - مكتوبًا في أعلاها عبارة "مصر كلها السيسي". وسرعان ما ظهرت ملابس نوم نسائية تحمل صورة السيسي وتعرض وجه الجنرال نفسه مرتديًا نظارات شمسية داكنة اللون.
في كثير من الأحيان، تم انتقاد السيسي لأنه لم يكن قمعيًا بما فيه الكفاية، بما في ذلك في الفترة التي سبقت المجزرة. وتساءل الملايين من المصريين المؤيدين للانقلاب عن سبب استغراق القائد العزيز وقتًا طويلاً للتصرف. وعندما حدث ذلك أخيرًا، أشادوا بعمليات القمع والقتل، بتشجيع من الشيطنة المستمرة لجماعة الإخوان المسلمين في وسائل الإعلام الحكومية والخاصة. لقد حقق منقذ مصر مبتغاه. وفي الواقع، نادرا ما كان المشاهير لا يحملون طباعًا وحشية.
من المخيف مشاهدة الأشخاص الذين تعرفهم ينشغلون بما لا يمكن وصفه إلا بـ "الهستيريا الجماعية". في عطلة نهاية الأسبوع التي سبقت تدخل الجيش، ذهبت إلى الساحل الشمالي لمصر لزيارة عائلتي، على أمل الهروب، ولو لفترة وجيزة، من الخوف والغضب والاستقطاب الذي يجتاح القاهرة.
كنت جالسًا على الشاطئ، عندما قام أحد الأقارب بأمر مروع، وأشار إلى طاولة القهوة أمامنا بإيماءة تحاكي قطع اليد لدرجة اهتزاز الطاولة، ثم قال إنه يريد أن تقطع رؤوس كل كبار قادة الإخوان المسلمين وتوضع على الطاولة، وذكر اسم كل واحد منهم. كنت أعلم أنه كان يمزح نوعا ما، ويؤدي نوعًا من مسرح العبث. ومع ذلك، فقد كان قريبي الآخر، عمي المتعلم والعاقل، جادًا للغاية. وانتقل إلى صفحته على "فيسبوك" للدعوة علنًا إلى إعدام أعضاء جماعة الإخوان المسلمين دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.
حاولت أن أفهم كل هذا، وإثبات كل ما جاء بعد ذلك، سواء بوعي أو دون وعي. عندما يُظهر أفراد عائلتك أنهم قادرون على إراقة الدماء - إراقة الدماء التي لم أشهدها من قبل - فإن ذلك يجبرك على التفكير ليس فقط في هشاشة السياسة، وإنما أيضًا في هشاشة التفاعل البشري البسيط، والقدرة على رؤية الآخر على أنه يستحق الكرامة حتى لو اعتقدنا أن أفكاره السياسية فظيعة حقًا.
إن معارضة مثل هذا العنف، عنف الدولة العشوائي، أمر نعتبره من المسلمات. ولكن لا ينبغي لنا ذلك. قد نعتقد (أو نأمل) أن الأشخاص المقربين منا سوف يرسمون خطا ويرفضون دعم الأعمال التي لا توصف. لست متأكدًا من أن مثل هذا الأمل له مبرر. نحن جميعًا نتاج سياقاتنا، وكل شيء مشروط. لذلك يجب أن نحب ما لدينا، عندما يكون في متناولنا.
للاطلاع على النص الأصلي (هنا)