بعد مقتل الرئيس السادات على يد مجموعة مسلحة تنتسب للجيش
المصري في 6 تشرين
الأول/ أكتوبر 1981 وتنصيب حسني مبارك رئيسا للدولة مكانه، كان أول شيء فعله هو الإفراج
عن المعتقلين السياسيين الذين اعتقلهم السادات في 5 أيلول/ سبتمبر 1981.
كان السادات اعتقل قرابة 1536 من الساسة والدعاة والنقابيين والصحافيين
وشيوخ الدعوة؛ كان من بينهم مرشد جماعة الإخوان المسلمين الشيخ عمر التلمساني، وزعيم
حزب الوفد فؤاد سراج الدين، والصحفي الناصري المعروف محمد حسنين هيكل، والبابا شنودة
الثالث الذي عُزل من منصبه ونُفي إلى وادي النطرون، والشيخ الداعية أحمد المحلاوي
الذي قال عنه السادات في خطابه الشهير يوم 5 أيلول/ سبتمبر 1981 "أهه مرمي في
السجن زي الكلب"، ويشاء الله أن يُقتل السادات ويُعزل مبارك ولا يزال الشيخ
المحلاوي على قيد الحياة.
بعد الإفراج عن المعتقلين وفي 25 تشرين الثاني/ نوفمبر1981، دعا مبارك رئيس
مصر وقتئذ زمرة من هؤلاء المفرج عنهم للقائه كتعبير عن فتح صفحة جديدة في الحياة
السياسية ما لبثت أن أغلقت بالضبة والمفتاح، وربما لم تتكرر لقاءات مبارك
بالسياسيين بعد ذلك إلا على هامش لقاءات أخرى.
وركز مبارك بعدها على الاقتصاد ودعا لأول مؤتمر اقتصادي في عام 1982 ولم يعد الكرة إلا في 2002 لعقد مؤتمر
للمانحين، وهكذا لا يستدعي الرؤساء فكرة المؤتمرات إلا للملف الاقتصادي إما بدعوة
الشركاء المحليين أو باستجداء المانحين الخارجيين للأسف.
النظام الحاكم في مصر منذ 1952 لا يؤمن بفكرة الشراكة السياسية ولا يقبل الحاكم بفكرة المعارضة الجادة، وأقصى ما يسمح به هو وجود شخصيات تمارس المعارضة الشكلية وكان يطلق عليها المعارضة الوطنية، ولا أعرف ما معنى أن تكون وطنية وغيرها غير وطني ولكن جرت الأمور ولا تزال على هذا النحو
النظام الحاكم في مصر منذ 1952 لا يؤمن بفكرة الشراكة السياسية ولا يقبل
الحاكم بفكرة المعارضة الجادة، وأقصى ما يسمح به هو وجود شخصيات تمارس المعارضة
الشكلية وكان يطلق عليها المعارضة الوطنية، ولا أعرف ما معنى أن تكون وطنية وغيرها
غير وطني ولكن جرت الأمور ولا تزال على هذا النحو؛ حتى أن رئيس حزب الوفد الجديد
عبد السند يمامة الذي أعلن عن ترشيح نفسه لمنافسة الجنرال
السيسي في الانتخابات
المقبلة قدم نفسه على أنه محب ومؤيد لعبد الفتاح السيسي (
لولا أن تم اختياري للترشح لكنا كلنا
مع السيسي).. سبحان الله، مؤيد للرئيس
وسينافسه في الانتخابات، هذه واحدة من أعاجيب السياسة في مصر، لكن عبد السند لم
يكن فريد عصر ولا وحيد زمانه في ذلك فقد سبقه من قبل أحمد الصباحي، رئيس حزب الأمة
الأسبق أيام مبارك، والذي قال لو فزت لا قدر الله فسأتنازل للرئيس
مبارك!!
حين برزت على السطح معارضة قوية في نهاية حكم مبارك وقامت بالإعلان عما
يسمى البرلمان الموازي بعد انسحاب الجميع من المنافسة في انتخابات 2010 الهزلية، سخر
مبارك من هذه المعارضة وخرج من تحت قبة البرلمان وقال كلمته المسيئة جدا "خلوهم
يتسلوا"، ولكن هذه الكلمة دفع مبارك ثمنها فلم يكن يتوقعه أشد
المتشائمين والذين لم يتوقعوا أن يهب الشعب المصري في 25 يناير مفجرا ثورته ضد
مبارك وعياله.
حاولت البحث عن معنى أو تعريف
الحوار الوطني فوجدت أنه وفقا
لمعهد الولايات المتحدة للسلام يعني "وسيلة شعبية لحل النزاعات والانتقال السياسي،
وهي وسيلة من شأنها توسيع دائرة النقاش حول المسارات التي يجب أن يمضي فيها البلد
بعيدا عن النقاشات النخبوية المعتادة". ويشير التعريف إلى نقطة غاية في
الأهمية وهي أنه "تمكن إساءة استخدام الحوار الوطني والتلاعب به من قبل
القيادات وذلك من أجل دعم وتعزيز سلطاتهم".
إذن الحوار الوطني وسيلة لمعالجة أزمة أو أزمات أو لتحديد مسار أو مسارات
الدولة بعد أن تفشل الوسائل السياسية المعروفة، فعلى سبيل المثال لو كان في مصر
برلمان ذو حيثية لواجه وبقوة المسار الذي اتخذه الجنرال، ولكن لأن البرلمان هو
مجرد قطعة ديكور في مكتب الجنرال فإنه لم يحرك ساكنا على مدار عقد من الزمن، بل لم
يتم استجواب سوى وزير واحد على ما أذكر وترك البرلمانيون إدارة السياسة للجهات
الأمنية، وحسب التعليمات التي تأتي يتصرف هؤلاء في قضايا تهم الأمن القومي، مثل
مياه النيل والجُزر والقروض وبيع الأصول والتضخم وارتفاع الأسعار والموت داخل
المعتقلات والسجون ومراكز الشرطة وانتهاك حقوق الإنسان بشكل عام والميزانيات المفتوحة
لصالح مشاريع الجنرال الفنكوشية.
في الدول المستقرة والتي تحكمها حكومات جاءت بانتخابات حرة ونزيهة لا يوجد
تطبيق يسمى "الحوار الوطني"، بل يوجد تفعيل للوسائل
الديمقراطية، ولو
فشلت الأحزاب عشر مرات لا يتدحل الجيش ولا تتدخل الشرطة لحين حسم الأمر بصوت وإرادة
الشعب عبر الصناديق، بينما في البلاد المأزومة سياسيا واجتماعيا عادة ما تكون هذه
البلاد تحت حكم الجنرالات أو الحكام المستبدين فتغيب إرادة وصوت الشعب ويعلو صوت
الجنرال مناديا بالحوار الوطني؛ لا لكي يحل المشكلات ولكن وكما جاء في التعريف
أعلاه لكي يُحكم القبضة ويعزز سلطاته ويُحرج النخبة ويظهر عجزها وفشلها.
حين خرجت دولة جنوب أفريقيا من تحت الحكم العنصري كان الشعب الأفريقي
منقسما بين حكم البيض العنصري وحكم الأفارقة المنتشين بالنصر على العنصرية، وكان
المجتمع منشقا طولا وعرضا، وحتى الأفارقة المنتصرون انقسموا بين مؤيد للتصالح
والتسامح وآخرون يرون ضرورة القصاص التام والكامل من البيض العنصريين الذين أذاقوا
السود مرارة العيش لعقود.
كانت الخيارات محدودة بين الاستعانة ببعض البيض ممن لديهم خبرة في إدارة
شئون البلاد وبين رافض لوجودهم على أرض الوطن، وكانت الدول الاستعمارية لا تزال
تنظر بعين الريبة إلى السود أصحاب البلد بحجة أنهم ثوار شيوعيون سوف يقضون على
امتيازات الرأسمالية التي تراكم عبر سنوات طويلة.. كانت هناك أزمة ولم يكن هناك
برلمان يمثل الشعب بل النخبة البيضاء الحاكمة، لذا بدأت جلسات طويلة تحت عنوان
الحوار الوطني وهي جلسات استمرت لأربع سنوات أفضت إلى إجراء أول انتخابات متعددة
الأعراق في عام 1994، قبل ذلك وللتاريخ وبعد أن أدرك البيض أن حكمهم إلى زوال أمر فريدريك
دي كليرك بتشكيل لجنة "جولدستون" للتحقيق في العنف الذي جرى وتورطت فيه
وحدات سرية لمكافحة الأرهاب من داخل جهاز الأمن (على غرار ما يجري في مصر منذ
سنوات).
هل تتخيل أن يكون ما يجري في مصر المنكوبة بحكومة قتل وإرهاب وفساد واستبداد على النحو الذي تتحدث عنه الصحافة العالمية ويتناوله كبار الكتاب والمحللين الأجانب كما فعل ستيفن كوك في الفورين بوليسي الأمريكية؛ هو حوار وطني سيفضي إلى إعادة الاعتبار للشعب والدولة ولم شمل المجتمع الممزق إربا منذ 3 تموز/ يوليو 2013؟
في التجربة الأفريقية انتهى الأمر بما عُرف بالمصالحة الوطنية على قاعدة رد
المظالم وإعادة الاعتبار للشعب، وخصوصا السود الذين تمكنوا في 1994 من أن يأتوا
بأول رئيس أسود في تاريخ البلاد، وهو نيلسون مانديلا الذي سجن لقرابة ربع قرن ثم خرج ليتسلم الرئاسة ثم يقوم
بجولات حول العالم كرمز للمقاومة والنضال والسلام.
والسؤال: هل كان بمقدور البرلمان الأبيض العنصري في جنوب أفريقيا إقامة
حوار وطني يفضي إلى إنهاء الحكم العنصري وإعادة جنوب أفريقيا إلى مكانتها بعد أن
ظلت منبوذة لعقود رغم أن حكومة البيض كانت مدعومة من بريطانيا وأمريكا والكيان
الصهيوني؟ وهل تتخيل أن يكون ما يجري في مصر المنكوبة بحكومة قتل وإرهاب وفساد
واستبداد على النحو الذي تتحدث عنه الصحافة العالمية ويتناوله كبار الكتاب
والمحللين الأجانب كما فعل ستيفن كوك في
الفورين بوليسي
الأمريكية؛ هو حوار وطني سيفضي إلى
إعادة الاعتبار للشعب والدولة ولم شمل المجتمع الممزق إربا منذ 3 تموز/ يوليو 2013؟
في السادس والعشرين من نيسان/ أبريل 2022 وأثناء حضوره حفل إفطار الأسرة
المصرية، وهو مناسبة سنوية اعتاد الجنرال تنظيمها ليبدو أكثر قربا من الشعب، كلف الجنرال إدارة المؤتمر الوطني للشباب (وهو منصة كلامية للجنرال يوبخ
فيها من يشاء ويقرظ فيها من يريد ويكشر عن أنيابه حينا ويضحك صحكات هستيرية غير
مفهومة أحيانا) ببدء حوار وطني موسع مع كافة التيارات السياسية في البلاد ورفع
تقارير متابعة إليه شخصيا، أي أن الحوار سيكون تحت إشرافه.
في حزيران/ يونيو 2022، أي قبل عام وشهرين من اليوم، تم الإعلان عن اختيار ضياء رشوان منسقا عاما
للحوار الوطني، وكما هو معلوم فضياء موظف
حكومي كبير فهو رئيس هيئة الاستعلامات المصرية وهي هيئة حكومية، إضافة إلى كونه
باحثا بمركز دراسات الأهرام من قبل ونقيبا للصحفيين من قبل أيضا، وحاليا مقدم
برنامج تلفزيوني (مصر الجديدة) يبدو كمكافأة له أو هدية تقديرا لجهوده في إدارة
الحوار على النحو الذي سنتحدث عنه.
تشكل مجلس للأمناء من بين مجموعة من اليساريين والشيوعيين القدامى ونخبة 30
يونيو وكثير من كارهي الإخوان، مع حفنة ممن يسمون بالليبراليين وبعض من يطلقون على
أنفسهم العلمانيين، وبعض الصحفيين الذين تم تعيينهم في البرلمان مكافأة لجهودهم في
الحرب على الديمقراطية مثل عماد حسين، أو بعض ممن انقلبوا على الرئيس مرسي بعد أن
رفع من شأنهم وجعل منهم مستشارين كسمير مرقص. وفي الخامس من تموز/ يوليو 2022 عقد
مجلس الأمناء أول اجتماعاته تحت شعار "الطريق نحو الجمهورية الجديدة"،
وذكر ضياء المشاركين أنه في 1953 أُعلنت مصر جمهورية بدلا من الملكية وأنه يعتقد
أن الحوار سيفضي إلى جمهورية جديدة من بين شروط بنائها
استبعاد الإخوان بشكل واضح وصريح، رغم أن مخترع
الحوار الوطني نفسه (الجنرال السيسي) قال إن الحوار لن يستثني أحدا!!
في ذات نفس الجلسة أعلن رشوان أنه "
لا سقف للحوار"، ولكن بعد أن تجاوز البعض السقف وتحدثوا عن
المشروعات الفنكوشية وظهرت آثار
كلمة عمرو موسى المدوية والتي قدم فيها إدانات للنظام على شكل تساؤلات يطرحها
الناس في الشارع القلق، على الفور أصيب الحوار بجلطة دماغية استدعت إدخاله إلى
غرفة الإنعاش لأن الجنرال طلب وبوضوح تقديم أفكار جديدة للخروج من الأزمة
الاقتصادية وعدم النيل من مشاريعه لأن ذلك عيب!
خرج الحوار من غرفة الإنعاش ودخل عرفة النقاشات بعد عام وتحديدا في أيار/ مايو 2023، وذلك لتهيئة الأجواء وإزالة ما علق بتحالف 30 يونيو-3 يوليو من شوائب قبيل إعلان الجنرال عن ترشيح نفسه أو بمعنى أدق إعادة تنصيبه حاكما أبديا للبلاد
خرج الحوار من غرفة الإنعاش ودخل عرفة النقاشات بعد عام وتحديدا في أيار/ مايو
2023، وذلك لتهيئة الأجواء وإزالة ما علق بتحالف 30 يونيو-3 يوليو من شوائب قبيل
إعلان الجنرال عن ترشيح نفسه أو بمعنى أدق إعادة تنصيبه حاكما أبديا للبلاد.
تلخصت
أهداف الحوار الوطني المكتوم في التالي:
- تحديد أولويات العمل الوطني في المرحلة المقبلة (يعني
عشر سنين ومليارات الدولارات ولم تعرفوا ما هي الأولويات).
- الوصول لحلول للقضايا الأكثر إلحاحا التي تهم المواطن
المصري (ما هي هذه القضايا من فضلكم).
- الكشف عن كوادر مؤهلة في كافة المجالات السياسية
والاقتصادية والاجتماعية (يحتاجون إلى كشافين مثل مكتشفي المواهب في ملاعب كرة
القدم).
- ضمان حياة كريمة تليق بالمواطن المصري والنقاش حول
آليات تنفيذها (أين الحكومة والجنرال والجنرالات من حوله؟).
- دعوة أطياف المجتمع للتحاور والجلوس على طاولة واحدة (هل
هذا هدف أم وسيلة؟).
- دعم جهود التوافق (بين من؟) عن طريق بناء جسور الثقة
والاحترام المتبادل.
هذه هي الأهداف، وهي كما ترى أهداف شديدة العمومية لمتحاورين بلا صلاحيات
ولا قدرة على إقناع بعضهم البعض ناهيك عن اقناع البرلمان المزيف أو الشعب المغيب
تماما.
كل ما جاء من أهداف لم يتعرض للكوارث التي تمر بها مصر ولم يواجهها بشجاعة،
وعلى رأسها وأهمها حكم الفرد والديمقراطية المغيبة، والاقتصاد المنهك، والمواطن
المفروم بين عجلات قطار الجنرالات شديد البطش والتهور.
كل ما ذكر من أهداف يمكن أن تحققه أو تعمل على تحقيقه السلطة التنفيذية
المنوط بها إدارة شئون البلاد، فهي معنية بحياة كريمة للمواطنين ومعنية بحل
القضايا ومواجهة الأزمات وإطلاق قوى المجتمع وطاقاته، في إطار مشروع أوسع لتمكين
الشعب من حكم نفسه بدلا من بناء أكاديميات أو إطلاق
برنامج رئاسي لإعداد وتأهيل
قيادات مصنعة عسكريا أو تحت إشراف العسكر كما يجري منذ سنوات.
ثمة فارق بين الحوار الوطني الذي يناقش أطرافه وهم مختلفون آليات الخروج من
المأزق من أجل حماية الوطن والمواطنين، وبين الحوار المجتمعي الذي يدور بين أبناء
الدائرة الانتخابية الواحدة أو التجمعات النقابية أو المهنية بغرض مناقشة جدوى بعض
القوانين قبل استصدارها واعتمادها من البرلمان، بحيث يؤخذ رأي من يهمه الأمر من
الأطراف المعنية بالقضية، مثل دراسة قانون المعاشات أو قانون الضرائب أو التأمين
الصحي وغيره من القضايا التي تهم الشعب، أما قوانين السياسة والعمل الحزبي فمكانها
البرلمانات المنتخبة بطريقة شرعية نزيهة.
ما يجري ليس حوارا وطنيا وليس حلا للمآزق والكوارث التي تعيشها البلاد، وهو ليس حوارا وطنيا يضم كل قطاعات المجتمع وكافة أطيافه السياسية ولا يتضمن أجندة واضحة ولا أهدافا محددة، وما يجري هو عملية استهلاك للوقت وتضييع له من أجل تفويت الفرصة على الشعب لكي يحاسب القتلة والفسَدة والمجرمين، ومحاولة يائسة من أجل تبييض وجه الجنرال وإعادة تقديمه للخارج على أنه تحول إلى رجل ديمقراطي يسمع للمخالفين ويحاور المعارضين
ما يجري ليس حوارا وطنيا وليس حلا للمآزق والكوارث التي تعيشها البلاد، وهو
ليس حوارا وطنيا يضم كل قطاعات المجتمع وكافة أطيافه السياسية ولا يتضمن أجندة
واضحة ولا أهدافا محددة، وما يجري هو عملية استهلاك للوقت وتضييع له من أجل تفويت
الفرصة على الشعب لكي يحاسب القتلة والفسَدة والمجرمين، ومحاولة يائسة من أجل
تبييض وجه الجنرال وإعادة تقديمه للخارج على أنه تحول إلى رجل ديمقراطي يسمع
للمخالفين ويحاور المعارضين، بينما في الحقيقة هو قاتل يقتل شعبه ويعصف بكل كلمة
حرة ويهدر ثروة البلاد على نزوات يعرف أنها ضد مصالح البلاد ولا يبالي بأنين الشعب
ولا صرخاته وهو يتجول في ردهات
قصره المشيد في مدينة العلمين؛ حيث لا تنقطع الكهرباء
عنه ولا عن سكان المدينة من المستثمرين العرب والزوار من نخبة الاقطاعيين الجدد في
بلادنا.
هذا حوار بين الجنرال وذاته، بين شقيه الأيمن والأيسر وإن حضره كثيرون، فلا
كلمة ولا صوت، وإن أراد الجنرال وسيفعل سيفضّ الحوار بعد أن يتمكن من التمديد
لفترة مقبلة.
لم أتحدث هنا عن استبعاد الإخوان لأن الشعب كله مستبعد علاوة على كونه
مستعبدا، وما يجري تضييع للوقت وتوزيع للمكافآت وفرصة لتعويض مؤيدي الانقلاب نفسيا
وأدبيا بعد أن أهملهم الجنرال لعشر سنوات.
إذا أردتم حوارا يفضي إلى شيء جديد فالتجربة الجنوب أفريقية يمكنها أن تكون
نموذجا قابل للتكرار في مصر التي تعاني من حكم الجنرالات مقارنة بحكم العنصريين
البيض، والمعارضة ورموزها في السجون كما جرى في جنوب أفريقيا، ومصر سمعتها في
الحضيض كما لم يحدث من قبل..
الحوار الوطني عنوانه وأولى خطواته إنهاء حكم الطبقة العسكرية على غرار
إنهاء حكم البيض في جنوب أفريقيا.