شهدت
مصر قبل عشر سنوات، يوما لم تعرف مثله في تاريخها القريب، وسقط مئات القتلى المدنيين في ساعات قليلة وباتت القاهرة أقرب إلى ساحة الحرب، لا يسمع فيها سوى صوت طلقات الرصاص وصافرات سيارات الأمن.
ففي 14 أغسطس/ آب عام 2013، فضت قوات الأمن المصرية بالقوة اعتصاما لأنصار الرئيس السابق محمد مرسي الذي انقلب عليه الجيش بقيادة عبد الفتاح
السيسي.
ونقلت شبكة "بي بي سي" البريطانية، عن الشاب عمرو حشاد الذي شارك في الاعتصام الذي استمر نحو خمسين يوما بميدان
رابعة العدوية، قوله إن "الجثث كانت في كل مكان، اختنقنا من الغاز المسيل للدموع. رأيت العديد من الأطفال القتلى في الميدان".
كان عمرو في العشرين من عمره حينذاك. لم يخطر بباله قط أن تواجه قوات الأمن خلافا سياسيا بالذخيرة الحية، على حد وصفه.
يقول عمرو: "أتمنى لو لم أكن حيا اليوم حتى لا أعيش معذبا وملاحقا بذكريات يوم الفض. فقد قتلت الإنسانية في مصر في ذلك اليوم".
وتشير التقديرات الرسمية إلى مقتل أكثر من 600 من المعتصمين في رابعة العدوية مقابل مقتل ثمانية من رجال الأمن. لكن تقديرات جماعة الإخوان المسلمين التي نظّمت الاعتصام تحدّثت عن ما يزيد على الألف قتيل بين صفوف المعتصمين. وقدّرت منظمة هيومان رايتس ووتش أعداد الضحايا من المدنيين بين الـ800 والـ1000 .
واتهمت المنظمة الحقوقية السلطات المصرية بتنفيذ واحدة من أكبر وقائع قتل المتظاهرين في يوم واحد في تاريخ العالم الحديث.
"أشعر بالاختناق"
يقيم عمرو حاليا في بريطانيا بعد أن رحل عن مصر أواخر عام 2018، بعد أن قضى في السجن نحو خمس سنوات. قبض عليه بعد أشهر من فض الاعتصام واتهم بإتلاف الممتلكات العامة وتكدير السلم والأمن العام.
ويقول إن الأمن نكّل بالعديد من أفراد أسرته جراء مشاركتهم في الاعتصام. ولا يزال أخوه ذو الساق المبتورة سجينا على خلفية اتهامات بالانضمام لجماعة "إرهابية".
ولا يزال الكثيرون من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، التي ينتمي إليها الرئيس السابق محمد مرسي، إما محتجزين أو ملاحقين أو منفيين.
ويضيف عمرو: "كلما سمعت صوت صافرات سيارات الأمن أو مروحيات تحلق في السماء أسترجع يوم الفض. أشعر حينها بأنني أختنق وكأن روحي تفارق جسدي".
وقالت السلطات المصرية إنها فتحت ممرات آمنة كي تسمح للمعتصمين بمغادرة ميدان رابعة العدوية قبل أن تدخل إليه قوات الأمن. لكن عمرو يكذّب الرواية الرسمية.
ويوضح: "شاهدت صفا من الناس، من بينهم نساء وأطفال، يرفعون أيديهم في استسلام ويغادرون الاعتصام لكن سرعان ما أطلق عليهم القناصة النيران".
وفي تقرير صدر بعد مرور عام على الفض، قالت منظمة هيومان رايتس ووتش، إن "أعمال القتل هذه ترقى على الأرجح إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية".
وأوضحت المنظمة أنها خلصت إلى هذه النتيجة بناء على "الطبيعة الممنهجة واسعة النطاق لوقائع القتل هذه، والأدلة التي توحي بأنها شكلت جزءا من سياسة تقضي باستخدام القوة المميتة ضد متظاهرين عزل في معظمهم لأسباب سياسية".
حلم العودةيقول عمرو: "حتى إن سنحت لي الفرصة كي أعود إلى مصر. لقد تحطمت نفسيتي. فشكل الحياة الذي كنت أعرفه ذهب بلا عودة".
غياب المحاسبة
وبعد مرور عشر سنوات كاملة على الفض، لم يقدّم أي من رجال الشرطة أو الجيش للمحاسبة، فكل الملاحقات القضائية والمحاكمات كانت من نصيب أعضاء وأنصار جماعة الإخوان المسلمين فحسب.
ويسهم غياب المحاسبة في تعميق الشرخ الكبير الذي يعانيه المجتمع المصري حاليا، إذ باعدت الدماء بين العديد من أبناء هذا البلد.