في صباح مثل هذا
اليوم الموافق 14 آب/ أغسطس 2013، ارتكب النظام الانقلابي في
مصر بقيادة وزير الدفاع
آنذاك عبد الفتاح السيسي، واحدة من أكبر المجازر بحق الشعب المصري في تاريخ البلاد
الحديث، حين قامت قوات من الجيش والشرطة باقتحام اعتصام أنصار الرئيس الراحل محمد مرسي،
في ميداني "
رابعة العدوية" والنهضة".
أجمع سياسيون وحقوقيون
على أن مذبحة "رابعة" التي ارتكبها النظام الانقلابي ضد المعتصمين السلميين
العزل احتجاجا على عزل أول رئيس مدني منتخب في تاريخ البلاد، على أنها أسست لولادة
نظام
قمعي جديد.
على الرغم من أن
قوات الجيش والشرطة ارتكبت سلسلة من المجازر والجرائم والمذابح في طول البلاد وعرضها
خلال فترة الاعتصامات والاحتجاجات الشعبية ضد انتهاكات حقوق الإنسان، إلا أن
"رابعة" تظل علامة فارقة ونقطة سوداء في تاريخ البلاد الحديث.
وقال سياسيون وحقوقيون
في تصريحات لـ"عربي21" إن عمليات قتل المدنيين أصبحت نهجا لدى سلطات الانقلاب؛
بهدف تخويف الناس وترويعهم ودفعهم للتنازل عن حقوقهم التي اكتسبوها خلال ثورة 25 يناير
2011 التي أسست لحقبة جديدة من اختيار الشعب.
وصفت منظمات حقوقية
عالمية ومحلية من بينها منظمة "هيومن رايتس ووتش" المجزرة بأنها "إحدى
أكبر وقائع القتل الجماعي لمتظاهرين سلميين في يوم واحد في تاريخ العالم الحديث"،
والتي راح ضحيتها الآلاف ما بين قتلى وجرحى ومختفين.
ورغم الدعوات العالمية
والمحلية من قبل المنظمات والمؤسسات الحقوقية بضرورة محاسبة القتلة إلا أن النظام تجاهل
كل تلك الدعوات، وعلى العكس فإنه قام بملاحقة المعتصمين واعتقل منهم المئات وزج بهم في السجون
وأجرى لهم محاكمات افتقدت كل معايير العدالة، بحسب منظمات حقوقية.
"حل الظلم
وغاب الاستقرار"
يقول القيادي بجماعة
الإخوان المسلمين وعضو مجلس النواب سابقا، الدكتور جمال حشمت: "دائما تعرف الأنظمة
من البدايات وهناك من يريد أن تكون عنيفة للردع وقد تنجح لفترة لكن آثارها كارثية على
كل المستويات؛ فمن لم يجد من يوقفه عن عنفه وإرهابه استحل كل شيء وتجاوز كل شيء وفي
النهاية فهو يخسر كل شيء".
وأضاف لـ"عربي21":
"ما حدث في مصر بعد مذابح الحرس الجمهوري والمنصة ورابعة والنهضة ورمسيس وأكتوبر
والمنصورة وسبورتنغ والرمل، وغيرها كثير، يوضح ما أشرت إليه حتى هذه اللحظات من حصاد
الفشل رغم الإنفاق والديون والارتباك الحادث في صفوف الحكم ومؤسساته، يؤكد أن العنف
لا يخلق دولة مستقرة ورغم أن هذا معلوم إلا أن الإصرار عليه يؤكد على سبق الإصرار والترصد
وإيصال مصر إلى هذه المرحلة من الضعف والانكسار والفقر والصراع مع فقد منظومة القيم
والأخلاق لتسهيل الاستيلاء على مصر وإرادة شعبها وثروته لصالح أعداء الأمة".
واستدرك حشمت:
"لذا فنحن أمام خيانة عظمى للأسف شارك فيها جزء من الشعب ونخبه بتآمر ومعارضين
وأحرار بسذاجة وحسن ظن مبالغ فيه، ولا بد من إعادة النظر في كل الأدوات وكل منظومات
العمل التي تستهدف تخليص مصر من هذا النموذج الإرهابي العنيف في حكم البلاد والعباد
إلى غير رجعة إن شاء الله".
"رسالة النظام
للشعب وصلت وضاعت"
وصف مدير مركز
الشهاب لحقوق الإنسان، خلف بيومي، مذبحة رابعة بأنها "الجريمة الأسوأ في التاريخ
الحديث؛ وهي جريمة ضد الإنسانية ارتكبها النظام ومعها عدد من المذابح بدأت من
3/7/2013 في إطار ممنهج وواسع النطاق ضد مجموعة من المعارضين".
وفي ما يتعلق بعدم
محاسبة المسؤولين، أوضح لـ"عربي21" أنه "منذ ارتكاب تلك المجازر وحتى الآن فقد أحدثت جرحا عميقا وجرحا غائرا بسبب عدم ملاحقة الجناة وجبر ضرر المجني عليهم، لذلك فإنها سوف
تظل نقطة سوداء في جبين من حرض عليها أو أمر بها".
وعن أسباب الوحشية
التي تبناها النظام، قال بيومي: "لعل النظام قد أراد ارتكاب الجريمة بهذا الأسلوب
وبهذه الوحشية ليقطع على الشعب كل محاولات الرفض لتصرفاته أو مناهضة حكمه، فهي رسالة
النظام لشعبه أنه جاء على متن مدرعات ويقتل معارضيه، ولكننا في الذكرى العاشرة لفض
رابعة لم يتحقق الاستقرار الموعود، وبدأ النظام ينهار اقتصاديا وبصورة غير مسبوقة ما
يعطي الأمل للشعب في القدرة على مواجهته وإرغامه على التراجع".
"قتل الأمل
.. لا قتل الناس فقط"
واعتبر الناشط
السياسي وأحد المترددين على الاعتصام السلمي، أحمد البقري، أن "مذبحة رابعة هي
الفصل بين الإنسانية واللاإنسانية، لم يكن هدف النظام قتل المعتصمين فقط بل كان هدفه
قتل الأمل في غد أفضل لدى جموع المصريين".
وأضاف في حديثه
لـ"عربي21": "كانت رسالة من النظام العسكري الجديد بأن أي تفكير في
التغيير للأفضل سيكون الرد عليه بالدم؛ لذلك فقد عمد النظام منذ اللحظات الأول إلى بناء
جمهورية القمع والخوف بإبادة المعتصمين في وضح النهار".
وأشار البقري إلى
أن "رسالة النظام العسكري الجديد ردت عليه، وها نحن بعد 10 سنوات من المذابح والمجازر.. لم تنعم مصر بالاستقرار وباتت في مهب الريح، ولم تتقدم خطوة واحدة بل تراجعت خطوات
وخطوات حتى لم نعد دولة وأصبحنا شبه دولة تتسول تارة الأرز وأخرى القمح".
"غدر النظام
العسكري بالشعب"
يقول السياسي المصري
المعارض محمد شريف كمال، إن "ذكرى مذبحة رابعة تعيد إلى أذهاننا لحظات عصيبة عاشها
رجال ونساء مدافعون عن الديمقراطية ورافضون للانقلاب على مكاسب انتفاضة 25 يناير العفوية
التي سعت لهدم دول الفساد واسترداد كرامة الإنسان المصري".
ورأى في حديثه
لـ"عربي21" أن "إراقة الدماء في ذلك اليوم على أيدي عصابة السيسي مثلت
قمة الغدر في التاريخ المصري، ومثلت طبيعة النظام الذي بني على الغدر منذ اللحظة الأولى
من انقلاب قائد جيش على رئيس منتخب ديمقراطيا وأطلق الرصاص على معتصمين سلميين أمام
مقر الحرس الجمهوري دفاعا عن الرئيس المحتجز حين ذاك هناك بدون وجه حق".
واختتم كامل حديثه
بالقول: "مثلت ( المجزرة) انطلاقا لانتهاك حرمة الدماء التي احترمها المصريون طوال
تاريخهم حتى في أسوأ الظروف، فلم يكن غريبا على ذلك النظام أن يستكمل مسيرته في ما بين
القتل خارج إطار القانون، والإخفاء القسري، والاحتجاز في ظروف غير آدمية، والمحاكمات
الصورية والإعدامات الظالمة، والإهمال المتعمد حتى الموت الذي شمل العديد من المحتجزين
دون مسوغ قانوني، حتى بمقياس ذلك النظام، والذي أدى إلى وفاة المئات منهم والرئيس المنتخب
ديمقراطيا".