في الوقت الذي تتواصل فيه التقارير الإسرائيلية عن تحرك سياسي محتمل تجاه
السعودية منذ شهور، يستحضر الإسرائيليون أوجه التشابه مع مبادرة السلام السعودية منذ 2002، وبناءً عليه تتوقع محافل إسرائيلية أن
التطبيع هذه المرة لن يتحقق هو الآخر.
ويعتبر انضمام المملكة المحتمل للتطبيع مع
دولة الاحتلال استكمالا لما بدأ في 2020 مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، مفترق طرق في تاريخ الشرق الأوسط، وسيكون له أهمية دينية كبيرة، لأنها تسيطر على المواقع الإسلامية المقدسة مكة والمدينة، فضلاً عن الإمكانات الاقتصادية الهائلة.
يارون فريدمان المستشرق الاسرائيلي ذكر أن "ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، قد يكون الأنسب لاتفاق مستقبلي مع إسرائيل، رغم أن هناك مشاكل تعترض هذا الاتفاق، أولها أننا كنا بالفعل في هذا الفيلم منذ 2002 حين وضعت المملكة على طاولة الجامعة العربية مبادرة السلام، التي طالبت بانسحاب إسرائيلي كامل لحدود 67، بما فيها الجولان والضفة والقدس وغزة، مقابل توقيع جميع أعضاء الجامعة العربية على سلام كامل مع إسرائيل، مع العلم أنه كان واضحا تماما أن الاقتراح لن يدرس من قبل حكومة أرييل شارون في ذروة الصراع ضد الفلسطينيين في الانتفاضة الثانية".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة
يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21": "إننا اليوم في سيناريو مشابه، حيث تطالب المملكة بإحراز تقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين، والموافقة على تطوير برنامج نووي مدني، وتحالف دفاعي مع الولايات المتحدة، فهل يمكن التفاوض مع الفلسطينيين في ظل الحكومة الأكثر يمينية منذ إنشاء إسرائيل، لا سيما أن حكومة سموتريش وبن غفير لن تتخلى عن حلم أرض إسرائيل الكاملة، حتى مقابل إنهاء الصراع العربي الصهيوني، والقادة السعوديون على دراية تامة بالوضع الإسرائيلي، لكنهم مهتمون بالاقتراب من الولايات المتحدة بعد أزمة مطولة في العلاقات مع إدارة بايدن".
وأشار إلى أنه "كما في 2002، فقد قدمت السعودية اقتراحًا سيتم الترحيب به في واشنطن، ورفضه تمامًا في تل أبيب، لأنه حتى في الدول الموقعة على اتفاقات التطبيع فإن هناك معارضة شعبية كبيرة للتطبيع، صحيح أنه في الإمارات لا نشعر بذلك بسبب القمع القوي للمعارضة، لكن الشارقة إحدى إماراتها السبع تجرأ كبار مسؤوليها على التعبير عن معارضتهم للاتفاقية في وقت مبكر من عام 2020. أما في البحرين، وعلى عكس الإمارات، فتجري أنشطة احتجاجية ضد التطبيع، وعلى شبكات التواصل، وكذلك الأمر مع جماعة العدل والإحسان في المغرب ما يعكس معارضة كبيرة للتطبيع".
وأوضح أن "الدول المطبعة أيضاً تبدي قلقاً من ضم إسرائيلي محتمل لمناطق (ب و ج) بالضفة الغربية، وتشعر باستفزاز كلما شرع اليمين الإسرائيلي بمزيد من بناء المستوطنات، وفي آذار/ مارس أعلنت الإمارات عزمها على وقف شراء أنظمة عسكرية حساسة من إسرائيل، وأدانت الإمارات والبحرين الحكومة الحالية عدة مرات بسبب اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى. وأرجأت البحرين زيارة وزير الخارجية إيلي كوهين، وفي نفس الشهر أعلنت وزيرة النقل ميري ريغيف بعد عودتها من دبي أنها لن تعود هناك، لأنها لا تحب هذا المكان، رغم محاولة الحكومة تقليص الأضرار التي لحقت ببلدان اتفاقيات التطبيع، باعترافها بسيادة المغرب على الصحراء".
آفي غيل المدير العام السابق لوزارة الخارجية، والزميل في معهد سياسة الشعب اليهودي، ذكر أن "الترويج لاتفاق تطبيع إسرائيلي سعودي من شأنه تكوين خلفية مثالية لصفقة شاملة ذات ثلاثة أهداف: تغيير علاقاتنا مع العالم العربي والإسلامي بشكل كامل، ووقف انزلاق إسرائيل لواقع دولة عنصرية ثنائية القومية، والاتفاق مع السعودية، بوصفها القوة النفطية الموكلة، وتضم أقدس مكانين للإسلام، وهذا منعطف تاريخي، لأنه يعني قبول إسرائيل في منطقة ينفي معظمها وجودها، وسيعطي شرعية لدول إسلامية إضافية، ليس فقط عربية، وليس فقط في الشرق الأوسط، خاصة ماليزيا وإندونيسيا، لتطبيع علاقاتها معها".
وأضاف في مقال نشرته صحيفة
يديعوت أحرونوت، وترجمته "عربي21" أن "السعودية رغم اتفاقها مع إيران، فما زالت تخشاها، وتطالب باتفاقية دفاعية مع الولايات المتحدة، وهو جيد لإسرائيل، لأنه سيعزل إيران ويضعفها، ويوقف تآكل التدخل الأمريكي بالمنطقة، ما سيقلص الفراغ الاستراتيجي فيها. ويطالب السعوديون بالمساعدة الأمريكية لإقامة مشروع نووي مدني، وسيكون من الأفضل أن يكون تحت إشراف أمريكي، وإلا فإن روسيا أو الصين أو باكستان ستلبي رغبات الرياض، وليس جديرا بإسرائيل الفزع من طلبات السعودية لتجهيز نفسها بأسلحة متطورة، بسبب الثقة في رقابة الولايات المتحدة، والتزامها بالحفاظ على التفوق النوعي لإسرائيل".
وأوضح أن "الرئيس جو بايدن يهدف من التطبيع الإسرائيلي السعودي إلى إظهاره كإنجاز في مواجهة النشاط الصيني المتزايد في الشرق الأوسط، وسيعطيه نقاطًا جديرة مع بداية الحملة الرئاسية لعام 2024، ولكن من أجل تلبية مطالب المملكة، تحتاج الإدارة لمساعدة بنيامين
نتنياهو بتخفيف حدة المعارضة في الكونغرس، ما سيجعل من التعاون المطلوب بين واشنطن وتل أبيب، لمنع المحاولات الإيرانية من تخريب اتفاقية التطبيع المزمع، ما يمثل منعطفًا إيجابيًا في علاقاتهما المتوترة بشدة منذ تشكيل حكومة يمينية".
وأكد أن "اتفاق التطبيع الإسرائيلي-السعودي لابد أن يشمل الملف الفلسطيني، والأهم من ذلك أنه سيعمل على إبطاء عملية ضم الضفة الغربية، وعزل سموتريش وبن غفير عن الحكومة، والالتزام بمبدأ تقسيم الأراضي الفلسطينية، واقتصار الاستيطان على التجمعات الكبرى فقط، على طريق إنشاء حكومة وحدة يقودها نتنياهو حتى الانتخابات المقبلة، وبعدها سيتقاعد من الحياة السياسية، ويتم وقف الإجراءات القانونية ضده".