حملت
زيارة وزير خارجية النظام السوري إلى
إيران طابعا اقتصاديا غير مسبوق بين الطرفين،
لا سيما أن الزيارة شهدت توقيع اتفاقيات اقتصادية جديدة بين الطرفين، مع تأكيد
الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على ضرورة تطبيق الاتفاقيات التي وقعها خلال زيارته
التاريخية إلى
سوريا.
وقال
الرئيس الإيراني خلال لقائه وفدا وزاريا من حكومة النظام السوري، إن بلاده تتطلع إلى
تنفيذ كامل الاتفاقات المبرمة مع سوريا.
وكانت
وكالة أنباء النظام السوري (سانا) قد قالت في أواخر شهر أيار/ مايو، إن رئيسي وقع
مع رئيس النظام السوري بشار
الأسد، ثماني مذكرات تفاهم، شملت التفاهم للتعاون في مجالات
الزراعة والسكك الحديدية والطيران إضافة إلى التعاون في مجال الاتصالات وتقانة
المعلومات والقطاع النفطي، فضلا عن الاعتراف المتبادل بالشهادات البحرية.
وأعلنت
السلطات الإيرانية، الاثنين، عن اتفاق مع النظام السوري لتصفير التعرفة الجمركية
لجميع أنواع السلع، حيث بات يمكن للتجار القيام بتصدير السلع واستيرادها من دون
دفع رسوم جمركية.
وخلال
السنوات العشر الماضية أعلنت إيران والنظام السوري عن توقيع عشرات الاتفاقيات
الاقتصادية، والتي بقيت حبيسة الأدراج وفق محللين ومراقبين تواصلت معهم
"عربي21".
وأشار
مراقبون إلى أن زيارة الوفد الوزاري التابع لنظام الأسد إلى إيران تتزامن مع ظهور
مؤشرات لجمود مسار التطبيع العربي مع النظام من جهة، ومع الانهيار التاريخي
للاقتصاد والليرة السورية من جهة أخرى.
وأكد
مراقبون أن سبب جمود التطبيع العربي يعود لعدم تنفيذ دمشق بنود المبادرة العربية التي
قادتها السعودية والأردن بشكل خاص، فضلا عن وجود انقسام عربي حول الالتزام بتطبيق القرار
الأممي الخاص في الحل بسوريا - 2254 - من عدمه.
في
المقابل، ربط محللون ضعف المبادرة العربية لحل الأزمة السورية، بتمسك النظام
السوري بحليفه الإيراني، الذي استحوذ على الاستثمار في مختلف القطاعات السورية، ما
يجعل دخول المستثمر العربي دون فائدة.
فشل
متوقع
المحلل
السياسي حسن النيفي، قال في حديث مع "عربي21" إنه على الرغم من أن إيران
افتتحت موجة التطبيع العربي مع النظام السوري إلا أنه منذ بدء التقارب مع بشار الأسد فإنه كان ثمة رأي أو قناعة بأن النظام أوقع نفسه في مستنقع من العسير أن تستطيع أي
جهة إقليمية أو دولية إنقاذه، لأن المشكلة تكمن في بنية النظام وليس في المسائل
الأخرى.
وأوضح
أن إصرار النظام على الحلول الأمنية بعيدا عن بنود المبادرة العربية ليس خيارا من
بين عدة خيارات وإنما هو الخيار الوحيد أمام نظام الأسد لأن أي إصلاح في بنية
النظام ستؤدي إلى انهياره بالتأكيد.
وأضاف:
"نظام الأسد ذو بنية عقيمة على الإصلاح ولو أنه قادر على إصلاح هذه البنية
لما مضت 12 سنة والأمر يزداد سوءا يوما بعد يوم".
من
جهته، أكد المحلل السياسي سامر خليوي، أن "فشل التطبيع العربي مع النظام السوري كان
متوقعا لأسباب متعددة منها: أن الأسد يريد الحصول على كل شيء دون تقديم أي
تنازلات، فضلا عن عدم قدرة النظام السوري على تلبية مطالب الدول العربية التي تخص
السيادة السورية كونه ليس صاحب قرار وكونه أصبح تابعا لروسيا وإيران".
وأوضح
في حديث مع "عربي21" أن أبرز أسباب فشل التطبيع العربي مع الأسد يتعلق
بمسألة وقف تهريب الكبتاغون والمواد المخدرة إلى دول الخليج والأردن كونها تدر
عليه ملايين الدولارات، ولا يمكن التفريط بهذا السلاح أمام الدول الأخرى.
وأكد
أن نظام الأسد لا يقبل بالمطلق أي حل سياسي في سوريا يملى عليه وإنما يريد أن يكون
مستقلا برؤيته للحل وهو استسلام المعارضة وخضوعها له، وقد أشار الأسد في قمة السعودية
إلى ذلك حين قال إنه لا يحق للجامعة العربية التدخل في البلاد إلا إذا طلب منها ذلك.
المبادرة
العربية تهدف إلى الحل وليس التطبيع
بدوره،
رأى الدبلوماسي الروسي السابق والمقرب من الخارجية الروسية، رامي الشاعر، أن المبادرة
العربية تهدف إلى مساعدة سوريا والسوريين على تجاوز أزمتهم والحفاظ على الدولة
السورية وسيادتها ووحدة أراضيها، ولم يكن الهدف التطبيع مع نظام الأسد.
وأوضح
في حديث مع "عربي21" أن الظروف الصعبة التي تعيشها سوريا اليوم في كافة
المجالات وخاصة الوضع الاقتصادي المتردي، بالإضافة إلى عدم توفر الكهرباء والوقود
وأزمة الدواء يجعل سوريا في وضع كارثة إنسانية، والزعماء العرب يدركون هذا، ولذلك وافقوا
على دعوة بشار الأسد لأنه الرئيس المعترف به دوليا في سوريا شئنا أم أبينا.
وأضاف:
"القضية ليست قضية تطبيع بل قضية ملحة لإنقاذ الشعب السوري في الدرجة الأولى
ومحاولة وقف التدهور الذي يمكن أن يؤدي إلى تقسيم سوريا ونهاية الدولة السورية
بشكلها الحالي".
وأعرب
عن أمله في أن "لا تسمح الدول العربية بفشل مبادرة الحل في سوريا حتى وإن لم يتجاوب النظام في
دمشق معها ولم يقم بخطوات تتوافق مع الجهود لإنقاذ سوريا وشعبها".
إصرار
عربي لحل الأزمة السورية
وأكد الدبلوماسي الروسي السابق، أن هناك إصرارا لدى مختلف الدول العربية بشأن الحفاظ على
الدولة السورية، مؤكدا أن هناك خطوات عملية سيتم اتخاذها لمساعدة الشعب السوري في
تجاوز أزمته في وقت قريب.
وأضاف:
"هذه الجهود تتشابه وليست بعيدة عن الجهود التي تبذلها دول أستانا (روسيا
تركيا إيران) والتي ثبتت وقف إطلاق النار تقريبا في الأراضي السورية، لمنع اندلاع حرب
أهلية في سوريا على الرغم من أن الأجواء مؤهلة لاندلاعها وتزداد يوما بعد يوم
مع تدهور الوضع الاقتصادي والمماطلة من قبل دمشق في بدء عملية الانتقال السياسي
السلمي حسب القرار 2254".
وتابع:
"بالإضافة إلى الجهود العربية التي أعادت العلاقات مع النظام السوري، يبقى الأهم
الحفاظ على نظام التهدئة في سوريا وعودة العلاقات بين سوريا وتركيا ونضوج العامل
السوري الذاتي وبمساعدة الدول العربية ودول أستانا لحل جميع القضايا التي تعاني
منها سوريا.
ورأى
أن الحل في سوريا يجب أن يكون قائما على مبدأ المصالحات الوطنية كأساس
لحل جميع القضايا والمشاكل في البلاد.