توفيت أوكونور عن عمر 56 عاما دون الإعلان عن سبب وفاتها- عربي21
مغنية وكاتبة أغاني إيرلندية اشتهرت في أواخر الثمانينيات، وخاضت مسارا فنيا حافلا شهد تألقها في سماء الموسيقى العالمية لسنوات.
عرفت بإثارتها الجدل في مواقفها وتقلبها في الأديان، وفي محطات كثيرة من مسيرتها.
واشتهرت برأسها الحليق وصوتها الجميل المفعم بالقوة والشراسة، إضافة إلى آرائها الجدلية حول عدد من القضايا.
شهداء دافيت (صدقات) التي ولدت باسم سينيد أوكونور (شينيد باللهجة المحلية) عام 1966 جنوب دبلن بإيرلندا، تقول إن اسمها الحقيقي ماغدا دافيت.
بدأت مسيرتها الموسيقية بالغناء في شوارع دبلن، عرفت الشهرة بعد نجاح ألبومها الأول "الأسد والكوبرا"، الذي أصدرته عام 1987، قبل أن تقودها أغنيتها الأشهر "لا شيء يقارن بك" لتتصدر الساحة الغنائية العالمية عام 1990 والتي كتبها المطرب والموسيقي الشهير برنس.
وقد غابت الفنانة ذات الرأس الحليق، تدريجيا من صدارة المشهد الفني، لكنها عادت في عام 2005 من جديد بفضل موسيقى الريغي في ألبومها "ارمِ ذراعيك" بعد أن استقرت لفترة في جامايكا واستكشفت معتقدات الراستافاري (حركة دينية جديدة وحركة اجتماعية في آن واحد).
أصدرت أوكونور 10 ألبومات غنائية، آخرها صدر عام 2014، وترشحت النجمة الآيرلندية لمجموعة من جوائز الغرامي في 1991، قبل اختيارها في السنة التالية "فنانة العام"، من قبل مجلة "رولينغ ستون".
كانت في عام في 1992 طرفا في واقعة إعلامية غير مسبوقة، حين كانت ضيفة في برنامج "ساترداي نايت لايف" وقامت بغناء أغنية "حرب" للموسيقي بوب مارلي، احتجاجا على الاعتداءات الجنسية في الكنيسة الكاثوليكية، وبشكل مفاجئ للجميع أخرجت صورة للبابا يوحنا بولس الثاني وقامت بتمزيق الصورة لعدة قطع وقالت "حاربوا العدو الحقيقي"، وقامت برمي القطع باتجاه الكاميرا.
وتلقت على إثرها تهديدات بالقتل، ومقاطعة عدة محطات إذاعية لأغانيها.
سياسيا تؤيد أوكونور فكرة إيرلندا موحدة ودعت حزب "شين فين" بأن يكون أكثر شجاعة، وكانت تقارير قد تحدثت عن عضويتها في الحزب القومي، وبأنها دعت إلى هدم جمهورية أيرلندا واستبدالها ببلد جديد موحد، كما دعت إلى استقالة سياسيين بارزين في الحزب مثل جيري آدمز لأنهم "يذكرون الناس بالعنف".
وبدت مواقفها من القضية الأيرلندية متناقضة وغامضة ففي عام 2015 قالت إنها كانت تتمنى أن تظل إيرلندا تحت الحكم البريطاني، وبعد استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016، كتبت أوكونور على صفحتها في الفيسبوك "رسميا أيرلندا لم تعد مملوكة من قبل بريطانيا".
مواقفها من القضايا الإنسانية شجاعة وثابتة ففي عام 2014 ألغت حفلا مقررا لها في دولة الاحتلال، مؤكدة انحيازها للشعب الفلسطيني في محنته مع الاحتلال، وقالت آنذاك: "على المستوى الإنساني، لن يكون لدى أي شخص أي عقل، بما في ذلك أنا، أي شيء سوى التعاطف مع المحنة الفلسطينية. لا يوجد شخص عاقل على وجه الأرض يعاقب بأي شكل من الأشكال السلطات الإسرائيلية على جرائمها".
دينيا، ولدت أوكونور مسيحية مؤمنة بالمفاهيم المسيحية الأساسية عن الثالوث ويسوع، وذكرت بأن إيمانها المسيحي ساعدها في إعطائها القوة لتتعايش وتتجاوز آثار معاملتها السيئة وهي طفلة.
وفي عام 2017 قامت بتغيير اسمها إلى ماجدة داود قائلة في مقابلة إنها تود أن تكون "خالية من اللعنات الأبوية".
وفي السنوات الأخيرة، كانت أوكونور تعبر عن تقلباتها النفسية على مواقع التواصل الاجتماعي حيث وشمت على ظهر يدها وشما يحمل كلمات "أسد يهوذا سوف يكسر كل سلسلة"، وعلى صدرها أيضا وشم كبيرة لصورة يسوع، وعلى رقبتها اقتباس إنجيلي آخر: "كل شيء يجب أن يمر"، وكانت في أواخر التسعينيات تقول إنها تريد أن تعرف باسم الأم "برناديت ماري".
لكنها ما لبثت أن أعلنت عام 2018 اعتناقها الإسلام، ونشرت على حسابها على موقع "تويتر" صورة وهي ترتدي الحجاب، وغيرت اسمها إلى شهداء دافيت.
وكتبت عبر تويتر: "هذا الإعلان عن أنني فخورة بكوني مسلمة، وهذا هو الاستنتاج الطبيعي لأي رحلة لاهوتية ذكية، كل دراسات الكتب المقدسة تؤدي إلى الإسلام، ما يجعل الكتب المقدسة الأخرى غير ضرورية".
وأضافت أنها غيرت اسمها ليكون "شهداء"، كما غيرت صورتها الشخصية على حسابها، حيث يمكن رؤية عبارة "فقط افعلها" مع عبارة "ارتد الحجاب" .
وبثت بعد ذلك مقطع فيديو وهي تردد فيه الأذان.
نشرت أوكونور في عام 2021 كتاب مذكرات وسيرة ذاتية حمل عنوان "ذكريات" التي تعود فيها إلى معاناتها من المعاملة السيئة لوالدتها، وسنواتها الدراسية المضطربة، وصولا إلى حياتها في مرحلة النجومية ومعاناتها مع الانفصال واعتلال صحتها النفسية.
كما أخرجت كاثرين فيرغسون في العام الماضي فيلما وثائقيا عن حياتها الممتدة بين العام 1987 و1993، والذي حمل عنوان "لا شيء يقارن".
توفيت أوكونور عن عمر 56 عاما دون الإعلان عن سبب وفاتها، وجاء في بيان العائلة "ببالغ الحزن نعلن وفاة حبيبتنا سينيد..عائلتها وأصدقائها مدمرون ونطلب الخصوصية في هذا الوقت الصعب للغاية"، حيث تأتي وفاتها بعد 18 شهرا فقط من رحيل ابنها شين البالغ من العمر 17 عاما.
وكانت آخر تغريدة للراحلة على حسابها في موقع التواصل الاجتماعي خاصة بابنها، حيث كتبت "كنت أعيش جثة هامدة منذ وفاته، كان حب حياتي، كان النور لقلبي، كان الشخص الوحيد الذي أحبني إلى أبعد حدود، أنا تائهة من دونه". ولم يكن ابنها الوحيد، إذ إن لديها ثلاثة أبناء من زيجات مختلفة، كما أنها أصبحت جدة لأول مرة في عام 2015.
وكتبت صحيفة "الغارديان"، أن أوكونور فنانة اشتهرت بصوتها النقي، المقترن بقدرات استثنائية في كتابة الأغاني التي أثارت وجهات نظرها حول السياسة والروحانية والتاريخ والفلسفة.
من جانبها أفادت أسوشيتد برس"، بأن الراحلة، عرفت بـ"صراعاتها الخاصة وأفعالها الاستفزازية، بقدر ما اشتهرت بموسيقاها الشرسة والمعبرة".
من جانبه، صرح المدير التنفيذي لمنظمة العفو الدولية في إيرلندا، كولم أوغورمان، إن قلة من الفنانين فقط، حققوا مثل هذا التأثير الاجتماعي والثقافي، مضيفا: "يا لها من خسارة.. خالص التعازي لأطفالها وعائلتها وكل من أحبها ".
كما رثت العفو الدولية في إيرلندا "موسيقية قوية وناشطة حقوقية شجاعة ناضلت من أجل حقوق المرأة في أيرلندا وفي جميع أنحاء العالم".
رحيل ترك أثرا أشبه بالصدمة عند محبيها ومتابعيها الذين استمتعوا بموسيقاها وأغانيها، وتعاطفوا مع تجاربها الشخصية التي كان بعضها قاسيا .
رحلت وهي تحاول إجادة الأذان وبناء حياتها من جديد تحت ظلال الإسلام الذي جعلها "سعيدة" كما كانت تقول.