من
منّا سينسى الحملات الشعواء التي تعرضت لها بلداننا العربية من قبل دول الاتحاد الأوروبي
تحت مسمى
حقوق الإنسان؟ في الحقيقة هذا السؤال يستوجب التوقف عنده طويلاً خصوصا
إذا ما راجعنا الاستراتيجية الأوروبية في استخدام حقوق الإنسان كسلاح ابتزاز للدول
العربية. ولكن يبدو أنّ هناك استفاقة عربية (ولو كانت متأخرة) في هذا الملف.
لقد
أظهر الاجتماع الثالث عشر لرؤساء الأجهزة الحكومية المعنية بحقوق الإنسان بمشاركة
الاتحاد الأوروبي، أظهر إمكانية لتشكيل استراتيجية عربية أو خليجية جديدة لمواجهة
الرواية الغربية حول حقوق الإنسان وتقويض أهدافها غير الإنسانية. فقد جاء بيان
المندوب الكويتي تأكيداً لتصريحات وزير خارجية بلاده الذي أكد على أنه لا يحق
للاتحاد الأوروبي التدخل في الشؤون الداخلية للكويت، كما أكد بقية المندوبين على
أهمية الاستقلال الذاتي للدول الخليجية والعربية وضرورة تخلي الاتحاد الأوروبي عن
نظام الوصاية على الدول العربية.
ومن
هنا نبعت الأهمية الكبيرة لتصريحات كل من قطر وعُمان حول التشكيك في شرعية مطالبة
الدول الغربية بالمشاركة في جلسات المحاكمات في الدول العربية ومراقبة السجون، ويرها
من الأماكن الحساسة، في الوقت الذي ترفض فيه الدول الغربية منحنا كدول عربية هذا
الحق.
لا أحد منا ينكر التجاوزات في ملف حقوق الإنسان في الدول العربية، سواء في السجون أو التعامل مع المهاجرين أو أنظمة العمالة وغيرها من المواضيع الأخرى التي تحتاج إلى معالجة فورية وتحتاج إلى تعقّل وإعادة النظر في السياسة التشريعية في هذه البلدان. ولكن هل تسمح هذه الحقائق بأن يتدخل الغرب في الشؤون الداخلية لنا؟
نعم،
قد تخرج البيانات الختامية بكلمات لبقة ومنمّقة، وهذه هي الطبيعة الدبلوماسية
للعلاقات الدولية، ولكن ما يبدو ظاهراً اليوم هو أن هناك إمكانية كبيرة لاتخاذ
موقف موحد من ملف حقوق الإنسان ومنع الغرب من تسيس هذا الملف وتحويله إلى سلاح
مسلط على رقابنا.
لا
أحد منا ينكر التجاوزات في ملف حقوق الإنسان في الدول العربية، سواء في السجون أو
التعامل مع المهاجرين أو أنظمة العمالة وغيرها من المواضيع الأخرى التي تحتاج إلى
معالجة فورية وتحتاج إلى تعقّل وإعادة النظر في السياسة التشريعية في هذه البلدان.
ولكن هل تسمح هذه الحقائق بأن يتدخل الغرب في الشؤون الداخلية لنا؟ وهل يمنحنا
الغرب بوصفه "الحامي والمدافع عن حقوق الإنسان حول العالم" القدرة على الوصول
المنظم إلى سجونه؟ وهل يمنحنا القدرة على انتقاد سياساته التشريعية؟
على
مرأى أنظار العالم الحر، يتداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي صور معاناة
المهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في صحراء ليبيا، هذه الصور التي أظهرت وفاة سيدة
إلى جانب طفلها في الصحراء، متأثرة بشدة الحرارة وفقدان المياه وفقدان أي مساعدة
لهم.
يسميها
الأوروبيون اتفاقية "شراكة استراتيجية" بشأن الهجرة والاقتصاد، ولكنها
في الواقع رشوة من الاتحاد الأوروبي
إلى حكومة قيس سعيد، هي عبارة عن صفقة لترسيخ
معادلة "منع الهجرة أهم من الديمقراطية".
يسميها الأوروبيون اتفاقية "شراكة استراتيجية" بشأن الهجرة والاقتصاد، ولكنها في الواقع رشوة من الاتحاد الأوروبي إلى حكومة قيس سعيد، هي عبارة عن صفقة لترسيخ معادلة "منع الهجرة أهم من الديمقراطية"
على
الدول العربية المشاركة في المنتديات والحوارات حول حقوق الإنسان أن تثير وبشكل
صريح هذه المرة مسألة تمويل الاتحاد الأوروبي لمليشيات مسلحة في أفريقيا لمنع وصول
المهاجرين إلى دوله. إن هذه الحقائق المفجعة نشرها الصحفي "كينان مالك"
في صحيفة الغارديان البريطانية، حيث تحدث عن أن الاتحاد الأوروبي يدفع ملايين
اليوروهات لاحتجاز من يحاول الفرار إلى
أوروبا، حيث
يُترك هؤلاء المهاجرون إلى
مصيرهم الذي يتضمن الجوع والعطش والاغتصاب والموت.
الأمثلة
عن استغلال الغرب لملف حقوق الإنسان كثيرة ولا تحصى، يكفي أن نشير إلى الحملة
الممنهجة التي تعرضت لها قطر لتقويض استضافتها لمونديال كأس العالم لكرة القدم
(على سبيل المثال لا الحصر)، حيث أنه منذ اللحظات الأولى لنيلها تنظيم المونديال
على أراضيها تعرضت قطر لحملة عنصرية ممنهجة من قبل الدول الغربية التي لم يرق لهم
أن تقوم إحدى الدول العربية بتنظيم كأس العالم، وعليه وكالعادة استخدم هؤلاء سيف
حقوق الإنسان الذي يسلطونه على رؤوسنا كل مرة.
إذاً،
لا بد للدول العربية من تبني سياسة واستراتيجية مشتركة لطرح ومناقشة ملف
انتهاكات
حقوق الإنسان والتعذيب الممنهج ضد المهاجرين الذي تتبعه الدول الغربية على الأراضي
العربية، سواء في تونس أو ليبيا وعلى العرب، كذلك أن يطرحوا موضوع عدم تسييس موضوع
حقوق الإنسان أو عدم تحويل هذا الملف ذي المبادئ السامية إلى سلاح مسلط على الرقاب
لتحقيق أهداف سياسية.