حين صرخت سيدة في الشمال السوري المحرر وهي الأم لطفل
مريض بالسرطان؛ بوجه الصحافي الذي سألها هل ستتجهين إلى النظام لمعالجة ولدك،
فقالت: "لن أذهب إلى
السرطان الأكبر، الذي قتلنا ودمر بيوتنا وهجرنا منها"؛
فإن حديث السيدة السورية هو حديث 3300 مريض بالسرطان، وهو حديث في حقيقته وجوهره
يستبطن قناعة سورية من أن ما يجري يتعدّى عجزاً عربياً وإسلامياً وعالمياً لمعالجة
هذا الرقم، وإنما يأتي ضمن سياق عربي واقليمي ودولي لتركيع السوريين للقبول بما
قبل به المحيط الإقليمي من التصالح والتطبيع مع عصابات الكبتاغون السورية، وما على
السوريين الذين نُكبوا حينها على مدى أكثر من نصف قرن بهذه العصابة إلّا القبول
بها..
لاثني عشر عاماً، والعالم كله يُمنّي السوريين
بالدخول في مفاوضات، وصدق الكذوب وزير خارجية العصابة وليد المعلم حين قال سنغرقهم
في التفاصيل، ولكن ليس هو فقط من أدخل
الثورة السورية في التفاصيل، وإنما من قدموا
أنفسهم أصدقاء للشعب السوري، فكانوا في حقيقتهم أصدقاء للعصابة
الأسدية، وابتلعت المعارضة
السورية الطُعم، فلهثت وراء كل محفل دولي، مبتعدة عن شعبها وثورتها، ومؤْثرة
التسوّل السياسي، وهو ما أوصل الثورة والشعب السوري إلى أن تحصر هذه الدول التي
تسلمت قيادة ثورة المليون شهيد في لجوء ولاجئين ومشردين، بينما الكل يعلم أن
القضية كلها نتاج شخص مجرم قاتل متفق عليه، أرعب المحيط بعد أن أرعب السوريين يوم
أغرقهم بالمخدرات والمليشيات الإرهابية.
من حق الدول أن تنسج سياساتها وفق مصالحها، ولكن ليس من حق نفس الدول أن تقدم نفسها راعية لمفاوضات، واتفاقيات، وتعاهدات، ثم تنحاز إلى طرف دون آخر، بل وتبدأ في إرغام الطرف الأضعف للرضوخ للقاتل المجرم، حينها قد تبدو الخسائر المنظورة لهذه الدول غير مرئية، ولكن على المدى البعيد، وتحديداً من الجانب الأخلاقي، ستكون النتائج كارثية
من حق الدول أن تنسج سياساتها وفق مصالحها، ولكن ليس
من حق نفس الدول أن تقدم نفسها راعية لمفاوضات، واتفاقيات، وتعاهدات، ثم تنحاز إلى
طرف دون آخر، بل وتبدأ في إرغام الطرف الأضعف للرضوخ للقاتل المجرم، حينها قد تبدو
الخسائر المنظورة لهذه الدول غير مرئية، ولكن على المدى البعيد، وتحديداً من
الجانب الأخلاقي، ستكون النتائج كارثية، إذ لن يثق أحدٌ بمثل هذه الدول التي خرقت
تعهداتها، وانحازت للظالم، فلا يمكن أن تكون مع الظالم والمظلوم في عين الوقت.
التسوّل السياسي أسوأ من التسوّل الاقتصادي، وقد خرست
المعارضة السورية تماماً اليوم أمام ما تتعرض له الثورة من تصفيات. ولكن باعتقادي
وأنا المقيم في داخل الشمال السوري المحرر بنفس الدرجة التي أقيم بها خارجه؛ أن
هذه الثورة لن تنكسر بإذن الله، وهذه الثورة تتجدد يوماً بعد يوم، ولعل انتفاضة
السرطان الأخيرة قد أثبتت حيويتها ونضارتها من جديد، وأن الضغط على اللاجئين
بالعودة من لبنان وتركيا وغيرهما لن يُفلح في كسر إرادة الشعب السوري، حيث يفاجئك
كل من تلتقيه بأنه ليس لديه ما يخسره، وما على هذه الدول التي تراهن على كسر
إرادته، أن تنسى رهانها.
فهذا الشعب سيدخل سنته الثالثة عشرة في الثورة على
الطغيان الطائفي المليشياوي المدعوم من أحقر عصابتين دوليتين؛ روسيا وإيران،
فالاستسلام ليس موجوداً في قاموس انتفاضته، ومع هذا لا تزال كرة ثلج المقاومة
والانتفاضة السورية تكبر وتكبر، جغرافياً على امتداد
سوريا كلها، أو في العمق على
مستوى النخب التي رفضت وبكل بسالة وقوة هذه العصابة الطائفية المجرمة.
هذا الشعب سيدخل سنته الثالثة عشرة في الثورة على الطغيان الطائفي المليشياوي المدعوم من أحقر عصابتين دوليتين؛ روسيا وإيران، فالاستسلام ليس موجوداً في قاموس انتفاضته، ومع هذا لا تزال كرة ثلج المقاومة والانتفاضة السورية تكبر وتكبر، جغرافياً على امتداد سوريا كلها، أو في العمق على مستوى النخب التي رفضت وبكل بسالة وقوة هذه العصابة الطائفية المجرمة
المعارضة السياسية السورية التي اختطفت القرار السياسي
طوال هذه الفترة، ما عليها إلّا أن تُعلن استقالتها إن كان لديها بعض الماء في وجهها،
وبالتالي تضع العالم كله أمام الشعب السوري وجهاً لوجه، فكفى تجميلا لمجتمع دولي
مجرم تقوم به هذه المعارضة، من خلال تسويق الوهم في أن عملية سياسية موجودة، وهو
ما يريده العالم كله، فأكثر ما يخشاه أن يفتقد إلى الواسطة التي تناسبه مع هذا
الشعب الثائر.. ولتعترف هذه المعارضة بأخطائها، إن كانت لديها شجاعة، أما الهروب
وإخفاء الوجوه، واللف والدوران، فعاقبته وخيمة دنيوياً وأخروياً.
ما يجري من انهيار منظومة العصابات الأسدية في المدن
السورية، من جوع وفقر وبطالة، وانهيار للعملة، وأخيراً خروج جرمانا عن السيطرة،
وتشكيلات بيروقراطية موازية في السويداء؛ رسالة لكل من يراهن على عصابة فقدت كل
شيء في البقاء على صدور السوريين.
كلمة أخيرة لكل من يراهن على كسر إرادة الثورة
السورية، نقولها بأن كل جبروت إيران ومليشياتها الطائفية، وعصابات بوتين وصواريخه
وقذائفه التي صبّها صبّاً لسنوات على السوريين قبل الأوكرانيين، ومن قبلهما عصابات
الأسد المجرمة؛ لم تُفلح في ثني السوريين عن طلبهم بالحرية.. إنكم تحرثون البحر،
كما سعى ويسعى من سبقكم إلى حرثه!!