من وقت لآخر يخرج
شخص تافه هنا أوهناك فيعلن اعتزامه إحراق نسخة ورقية من
المصحف، وهو لا شك اعتداء
آثم على أقدس كتاب على وجه الأرض، وأنقى عقيدة، وأهدى سبيل.
ومع هذا فإن
هؤلاء الموتورين، أو طالبي الشهرة، والذين أكل الحقد قلوبهم، يدركون يقيناً أن
ملايين النسخ تملأ المساجد والمدارس والبيوت والمؤسسات، وتسكن القلوب وتضيء النفوس.
ولكن اليأس من
نجاح باطلهم، وبوار سعيهم، أفقدهم عقولهم، فهي تصرفات تدل على ضعف وانكسار، وليس
على قوة وانتصار، تدل على جبن وخسة، وليس على بطولة وشجاعة، وهي تدل على تخلف
وجهل، وليس على تحضر أو علم!!
ولتكن غضبة
المسلمين المبررة لهذه التصرفات الوضيعة فرصة مناسبة لأن نفكر بطريقة مختلفة،
فنتساءل معاً في مرارة ربما أشد من مرارة هذه التصرفات الحقيرة:
ولتكن غضبة المسلمين المبررة لهذه التصرفات الوضيعة فرصة مناسبة لأن نفكر بطريقة مختلفة، فنتساءل معاً في مرارة ربما أشد من مرارة هذه التصرفات الحقيرة
أليس من قاموا
بحرمان الأمة من التحاكم إلى كتاب ربها، وشرعة خالقها، واستوردوا لها قوانين
وضعية، وفلسفات أرضية، وحرموها أن تحيا بهديه، أشد خطورة على عقيدتها ودينها
وإيمانها، وأجيالها، وحاضرها ومستقبلها، من تصرف طائش هنا أو هناك، يقوم به فرد أو
حتى تتبناه دولة أو منظومة؟!
والذين انتسبوا
للعلم الشرعي، وقبعوا على رأس بعض المؤسسات الدينية في بلادنا، وتبوّأوا مناصب
الإفتاء والتعليم والتوجيه، فأخذوا يلوون أعناق الآيات، ويحرّفون الكلم عن مواضعه،
وذهبوا يبررون الفساد، ويشرّعون الطغيان، ويغرسون في الأمة الاستضعاف والهوان،
والمذلة للأنظمة الفاسدة، والسمع والطاعة للطغاة والقتلة والسفاحين، باسم الشريعة
زوراً وبهتانا حيناً، وبمسمي السمع والطاعة كذباً وتدليساً أحياناً.. أليس هؤلاء
أخطر على الأمة، وأضر لدينها، من تلك الكلاب الضالة؟!
ألم يكن سقوط
تيارات دعوية، ورموز علمية، ومؤسسات دينية في حمأة الزور والبهتان، وتأييدها للفساد
والطغيان، من أبرز أسباب سقوط الكثير من الشباب والفتيات صرعى اليأس والإحباط،
وفقدان الثقة في المتدينين والعلماء، بل كان سبباً لسقوط بعضهم في الإلحاد، بعد أن
كانوا نماذج راقية في الالتزام الديني، والسمو الأخلاقي؟!
أليست تلك
النماذج الموتورة في بلادنا، والتي صُنعت لها منصات إعلامية، وفُتحت لها مراكز
بحثية، لا همّ لها ليل نهار إلا التشكيك في الوحي المنزل، والطعن في سنة النبي
المطهر، وصناعة الشبهات، وغرس الشكوك، وتحريض الناس على الخروج من ربقة الإسلام،
والإعراض عن هدي
القرآن، والتشجيع المستمر على الانحلال والإلحاد، وإشاعة الفُحش
والرذيلة، ومحاربة الفطرة السليمة، أخطر على الأمة آلاف المرات من تلك الهبائيات
الشاذة؟!
أليس الذين
يحرمون الأمة من علمائها الراسخين، ودعاتها الصادقين، أهل القرآن وعلومه، وحَمَلة
السنة وأعلامها، فيعتقلونهم بغير جرم عشرات السنين، تحت وطأة التعذيب والإهانة،
والحرمان والإذلال، هم الأشد جرماً، والأخطر أثراً، والأفدح ظلماً، من شخص تافه،
هنا أو هناك؟!
أليست الأنظمة
التي أغلقت مراكز تحفيظ القرآن في البلاد المسلمة، وضيّقت على أهلها، وفتحت
الأبواب على مصراعيها لدعاة الفُحش والفجور والتخنث والخمور، وكل صور الانحلال،
والتجريف والتحريف، أدعى للمحاربة والمظاهرة والمعارضة، من مجهول تافه، أو كلب
عقور؟!
إن نُصرة
المقدسات من أعظم أبواب الجهاد، ولكن يجب أن نُغير مفهوم المناصرة ليتحول من مظاهر
دعائية، وبيانات نمطية، إلي منهجيات تربوية على مفاهيم القران، كما قال رب العزة
والإكرام: "فَلَا تُطِعِ ٱلۡكَٰفِرِينَ وَجَٰهِدۡهُم بِهِۦ جِهَادَا كَبِيرَا"
(الفرقان: 52).
أمتنا تحتاج إلى
المناصرة حقاً، بأن نتترس في ميدان المعركة بقوانين القرآن ومفاهيمه، ونواجه بها
كيد الماكرين وسحر الكهنة، وألاعيب المرجفين.
سيخرج عشرات هنا
وهناك، يسلكون سبيل من سبقوهم من أراذل القوم، حتى يتعود البعض على وضعهم، ولكن إن
أحسنّا الغرس، فإن قانون القرآن يبشر المتحققين به دائماً، يقول تعالى : فَأَمَّا
الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي
الْأَرْضِ" (الرعد: 17).
النفير يبدأ بعزمة جادة على العودة إلى القرآن لاستلهام معانيه، واستجلاء مفاهيمه، والتحصن بقوانينه، وتحصين الأمة في كل مجال من مجالاتها بهديه، وإنارة أبصارهم وبصائرهم بحقائقه، ويومئذ ستتحطم رماحهم، وسيبور يقيناً مكرهم، وسيعود كيدهم حتماً بإذن الله إلى نحورهم
إن شراسة الحملة
التي يقودها المجرمون لا تواجه برخاوة فكرية، ولا مساجلات بلاغية، وإنما هو الجهاد
بمعناه العام: بذل الوسع، واستفراغ الطاقة، وقوة الإعداد، وصدق الانحياز.
وإن الحرب
الشعواء التي يقودها عالم اليوم والمنظمات الدولية، على ثوابت الإسلام وقيمه، توجب
على المسلمين النفير، والنفير المفلح يبدأ بالإعداد الجيد، ولن يتحقق كمال الإعداد
إلا بما دلنا الله عليه، وأرشدنا إلى التسلح به، فلن يفلح إعداد بغير القرآن.
ومن هنا فإن
النفير يبدأ بعزمة جادة على العودة إلى القرآن لاستلهام معانيه، واستجلاء مفاهيمه،
والتحصن بقوانينه، وتحصين الأمة في كل مجال من مجالاتها بهديه، وإنارة أبصارهم
وبصائرهم بحقائقه، ويومئذ ستتحطم رماحهم، وسيبور يقيناً مكرهم، وسيعود كيدهم حتماً
بإذن الله إلى نحورهم.
والجهاد الكبير
له خطوات يتحقق بها، ومنهجيات يجب تفعيلها، ومسارات يجب العمل عليها، ومن أبرزها
ما يلي: إدراك مفاهيمه ومعرفة قوانينه، والبيعة على إمامته وكمال الاستجابة لهديه،
والسمع والطاعة لأمره، والتحقق بمنهجيته وحقائقه، وإعداد جيل يحمل الرسالة نقية
بيضاء، وحماية الحصون الإسلامية بالقوانين القرآنية، ومهاجمة حصون الباطل بقذائف
الحق، والتحرك الجاد في كل الأجواء تبشيراً به وإنذاراً.
هكذا تكون
المناصرة والمجاهدة، وهنالك يكون المدد والنصر، وحينئذ تولد الأمة من جديد،
ميلاداً فتياً، وتبعث من جديد بعثا مباركا.