أشعل مقتل الشاب نائل المرزوقي ذي الأصول
الجزائرية، على يد الشرطة الفرنسية بأحد ضواحي باريس، الأسبوع الماضي، فتيل التوتر في العلاقات الجزائرية الفرنسية المتأزمة على خلفية عدد من القضايا العالقة بين البلدين.
وفي الوقت الذي أدانت فيه وزارة الخارجية الجزائرية مقتل نائل، اتهم اليمين واليمين المتطرف الفرنسي الجزائر باستغلال الحادث للتدخل في شؤون باريس الداخلية، وسط مخاوف من موجة تصعيد فرنسي ضد الجالية الجزائرية في البلاد.
وقبل حادث مقتل نائل، وتحديدا في أيار/ مايو الماضي، أصدرت الرئاسة الجزائرية،، مرسوما، أثار غضب
فرنسا، يقضي بإلقاء النشيد الوطني الجزائري كاملا في المناسبات الرسمية، مما يؤكد على إدراج الفقرة الثالثة منه، التي تقول:
"يا فرنسا قد مضى وقت العتاب/ وطويناه كما يُطوى الكتاب
يا فرنسا إن ذا يوم الحساب/ فاستعدّي وخذي منّا الجواب
إنّ في ثورتنا فصل الخطاب/ وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا... فاشهدوا... فاشهدوا"
وللتعبير عن استيائها من إعادة هذا المقطع للنشيد الوطني الجزائري، قالت وزيرة الشؤون الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، إن "الزمن تجاوز هذا العتاب". فيما أتى الرد من نظيرها الجزائري، أحمد عطاف، بالقول إن "بعض السياسيين والأحزاب في فرنسا أصبحوا يستغلون اسم الجزائر لأغراض سياسية".
وفي خضم الجدل الذي أثاره إعادة المقطع الذي يُعاتب فرنسا في النشيد الوطني الجزائري، جاء مقتل الشاب نائل، ليفتح بابا أوسع لنقاش مستفيض في الوسط الجزائري، ويُشعل فتيل التوتر بين الجزائر وباريس، أكثر من قبل. خاصة فيما يخص الجزائريين المقيمين بفرنسا.
ووصف بيان الخارجية الجزائرية، الحادثة بـ"الوحشية"، مؤكدا على أنها تلقت وفاة الشاب نائل "بشكل وحشي ومأساوي" بـ"صدمة واستياء والظروف المثيرة للقلق بشكل لافت التي أحاطت بحادثة الوفاة".
وأضاف البيان نفسه، أن "وزارة الشؤون الخارجية على ثقة في أن الحكومة الفرنسية ستضطلع بواجبها في الحماية بشكل كامل من منطلق حرصها على الهدوء والأمن اللذين يجب أن يتمتع بهما مواطنونا في بلد الاستقبال الذي يقيمون به".
نائل.. أعاد نقاش الجالية الجزائرية للواجهة
في سنة 1968، تم إبرام الاتفاقية الفرنسية الجزائرية من أجل دخول سلس للجزائريين في الأراضي الفرنسية، وتوظيفهم؛ غير أنه قبل أيام، طالب رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي، جيرارد لاريشر، بإعادة النظر في هذه الاتفاقية، بمُبرر أنه حين تم توقيعها، كان عدد سكان الجزائر لا يتجاوز 10 ملايين، وكانت فرنسا فعليا بحاجة إلى اليد العاملة، غير أنه بمرور السنوات تغيرت الأوضاع.
وفي المقابل، أكد الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبّون، في مناسبات عدة، على أن إلغاء هذه الاتفاقية سيكون "إعلان حرب على بلاده".
ووقعت هذه الاتفاقية بين الجزائر وفرنسا، بتاريخ 27 كانون الأول/ ديسمبر سنة 1968، وتضمنت خلق نظام قانوني يتميز على إثره الجزائريون المقيمون والعاملون في فرنسا وعائلاتهم، على مستوى حقوق التنقل والتوظيف وغيرها.
وجرى تعديل الاتفاقية، خلال أعوام 1986 و1994 و2001، دون المساس بمبادئها الأساسية. بالرغم من رفع عدد التأشيرات الصادرة لصالح الجزائريين إلى 80 ألفا في عام 1998، مقابل 800 ألف في عام 1990 قبل التعديل الثالث في تموز/ يوليو 2001، الذي وضع شروطا جديدة للتجمع العائلي وألغى امتيازات بطاقة الإقامة.
تاريخ علاقات مُتذبدب
مسار العلاقات الجزائرية الفرنسية، يشي بتوتر خفي آخر، برزت ملامحه في عدة ملفات هامّة، من قبيل الاتهامات التي وجّهتها الجزائر للمخابرات الفرنسية بخصوص المشاركة في اجتماع أمني يستهدف الاستقرار في الجزائر، وانطلاق عملية تغيير عدد من التشريعات التي كانت تُميّز الجزائريين العمال والمقيمين في فرنسا، بالإضافة إلى تجميد مشروع الزيارة بعد إقراره من الرئيس عبد المجيد
تبون إلى باريس، منذ أيار/ مايو الماضي.
وبالرغم من أنه لا تتوفر، إلى حدود الساعة، تصريحات من الجهات الرسمية الجزائرية، غير أن نشر خبر الاجتماع في الصحف الجزائرية، في توقيت واحد، يشار إليه من طرف المهتمين بالشأن الجزائري بكونه "رسالة سياسية جزائرية مباشرة إلى فرنسا".
صُلح من طرف واحد
في الوقت الذي لم تتجاوز فيه الذاكرة الجزائرية جراح الماضي، تنشر الدّبلوماسية الفرنسية، في موقعها الرسمي، باللغة العربية، مقالا، في صيغة صُلح ورغبة في تحسين العلاقات، جاء فيه أن "العلاقة بين فرنسا والجزائر فريدة من نوعها، بالنظر إلى عمق الروابط الإنسانية والتاريخية بين البلدين"، مذكّرة بالزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية الفرنسي إلى الجزائر العاصمة، في 6 كانون الأول/ديسمبر 2017 بهدف توطيد العلاقة، موجها خلالها "ثلاث رسائل أساسية وهي الإرادة المشتركة على المضي قدما في قضية الذاكرة، والدعوة إلى فتح الاقتصاد الجزائري بالتزامن مع دعم الاستثمارات المتبادلة، والرغبة في إقامة علاقة تلبي تطلعات جيل الشباب".
وأبرز المقال نفسه، توالي الزيارات الرسمية من فرنسا نحو الجزائر، في إشارة إلى أن "وزير أوروبا والشؤون الخارجية، جان إيف لودريان، قام بعدة زيارات إلى الجزائر العاصمة في 21 كانون الثاني/يناير 2020 ويومَي 15 و16 تشرين الأول/أكتوبر 2020، و8 كانون الأول/ديسمبر 2021 و13 نيسان/أبريل 2022".
واختتم المقال نفسه، بالقول إن "محادثاتنا مع شركائنا الجزائريين بشأن مسألة الذاكرة شكلت زخمًا جديدًا. وأُعيدت رفات 24 مقاتلًا جزائريًا تعود إلى القرن التاسع عشر كانت محفوظة في المتحف الوطني الفرنسي للتاريخ الطبيعي إلى الجزائر في 3 تموز/يوليو 2020. واعترف في 2 آذار/مارس 2021 بمسؤولية فرنسا عن تعذيب علي بومنجل وقتله في 23 آذار/مارس 1957 وقرر في 9 آذار/مارس تيسير رفع السرية عن محفوظات حرب الجزائر".