تتصاعد المخاوف وحالة القلق لدى الشعب الفلسطيني من الأخطار المترتبة على إقدام وكالة غوث وتشغيل
اللاجئين الفلسطينيين "
الأونروا" على وقف أو تقليص بعض خدماتها المهمة التي تقدمها للاجئين الفلسطينيين، وذلك على طريق تقويضها.
وتعاني "الأونروا" التي تأسست عام 1949، ومسجل لديها نحو ستة ملايين لاجئ فلسطيني، من أزمة مالية تهدد قدرتها على الاستمرار في تقديم خدماتها المختلفة، خاصة التعليمية والصحية والغذائية، فيما يظهر أن
قطاع غزة المحاصر للعام الـ17 على التوالي، هو أكثر المناطق تأثرا بهذه الأزمة المالية، التي يرى البعض أنها تتخذ ذريعة لإنهاء دور المؤسسة الدولية.
أزمة تنذر بكارثة
وفي بداية 2023، وجهت "الأونروا" نداء لجمع 1.6 مليار دولار لبرامجها وعملياتها، واستجابتها الطارئة في سوريا ولبنان والضفة الغربية وقطاع غزة والأردن، حيث تواجه الوكالة "نقصا مزمنا" في التمويل منذ 10 سنوات.
وبدأت الوكالة هذا العام بديون بقيمة 75 مليون دولار مرحلة من عام 2022، علما أنها تمكنت من جمع 1.2 مليار دولار لعام 2022، وتصرف معظم الموازنة (نحو 848 مليون دولار) على الخدمات الصحية والتعليمية، فيما تذهب باقي الموازنة لحالات الطوارئ في المناطق التي تعمل بها، بحسب ما ذكره موقع "الأونروا".
وفي هذا العام، هي "بحاجة عاجلة لنحو 200 مليون دولار لمواصلة تقديم الخدمات، ودفع رواتب موظفيها، وإنهاء حلقة الديون المفرغة"، بحسب ما ذكره موقع الوكالة، الذي نوه إلى أنه "من أجل الاستمرار في تقديم المعونة الغذائية لحوالي 1.2 مليون إنسان في قطاع غزة دون انقطاع، فإن الوكالة بحاجة ماسة لتأمين 75 مليون دولار".
ولفت الموقع إلى أن "الوكالة ستخاطر بوقف المساعدات النقدية لأكثر من 600 ألف لاجئ من فلسطين في سوريا والأردن ولبنان في الربع الأخير من 2023، ما لم يتم تأمين مبلغ إضافي قدره 30 مليون دولار بحلول تشرين الأول/ أكتوبر المقبل".
واجتمعت اللجنة الاستشارية لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) في بيروت يومي 20-21 حزيران/ يونيو الجاري، وسط مخاوف وقلق من الوضع المالي للوكالة، وهذه اللجنة الاستشارية للأونروا مكلفة بتقديم المشورة والمساعدة للمفوض العام للأونروا في تنفيذ مهام ولاية الوكالة، وتجتمع مرتين في العام؛ لمناقشة القضايا ذات الأهمية بالنسبة للمنظمة الدولية، واللجنة تتألف من البلدان المضيفة للاجئي فلسطين والجهات المانحة الرئيسة لوكالة الغوث.
ودعا المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، المشاركين في الاجتماع إلى "زيادة التمويل المستدام والقابل للتنبؤ"، مشيرا إلى "المخاطر الحقيقية والأثر المحتمل لتعليق الخدمات على لاجئي فلسطين".
وأوضح لازاريني، أن "اجتماع اللجنة الاستشارية هذه المرة، بمثابة إنذار مبكر بالكارثة التي تلوح في الأفق والتي سنواجهها في أيلول/سبتمبر إذا لم نتلق تمويلا إضافيا"، مضيفا: "ميزانيتنا ضيقة ولا يمكن تخفيضها أكثر إذا ما أردنا الإيفاء بمهام ولايتنا"، وذلك في إشارة إلى الخدمات العامة التي تقدمها "الأونروا" للاجئي فلسطين في المناطق الخمس.
تقويض وكالة الغوث
وحذر من أن نقص التمويل "يهدد بإغلاق أكثر من 700 مدرسة و140 مركزا صحيا، كما أن خدمات الطوارئ في كافة مناطق عملياتنا سوف تتوقف، ما يترك الملايين من لاجئي فلسطين، على أعتاب مجاعة".
ونبه المفوض العام، بأن "التداعيات الإنسانية والسياسية والأمنية للمأزق الذي نتجه نحوه هائلة، المعاناة الإنسانية في المنطقة سوف تصل إلى آفاق جديدة، وستكون التكلفة التي سيتحملها المجتمع الدولي أبعد بكثير من تكلفة سد النقص المزمن في تمويل الأونروا".
وعن المخاطر والتداعيات السلبية المتعلقة في حال إقدام وكالة الغوث على تقليص أو وقف خدماتها المقدمة للاجئين الفلسطينيين، قال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واصل أبو يوسف: "أي محاولة للحديث عن تقليصات في خدمات الوكالة للاجئين الفلسطينيين في أماكن عملها الخمس؛ هي محاولة لتراكم تقويض "الأونروا".
ونبه في تصريح خاص لـ"
عربي21"، بأن "الوكالة مسؤولة من خلال تفويضها رقم "302" من قبل المجتمع الدولي عن تقديم الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين، والحديث الذي يجري عن محاولة تقليص الخدمات، غير مقبول، لأن اللاجئ الفلسطينيين موجود مؤقتا في هذه المخيمات إلى حين عودته إلى أرضه التي شرد منها على أيدي العصابات الصهيونية، وذلك استنادا إلى القرار الدولي "194".
واعتبر أبو يوسف، أن "العجز في الميزانية الذي يتم التذرع به من أجل تقليص الخدمات، هو أمر غير مقبول، هناك مسؤولية أمام المجتمع الدولي لسد العجز لدى الوكالة على المستوى المالي وكذلك الحفاظ على بقائها كجهة مسؤولة عن رعاية شؤون اللاجئين الفلسطينيين".
وعن دلالة حديث "الأونروا" السنوي وخاصة في الفترة الأخيرة عن وجود عجز مالي لديها، لفت إلى أن "العين دائما موجهة نحو محاولة توطين اللاجئين الفلسطينيين، منذ الخمسينات وحتى اليوم هناك محاولات جارية لشطب الوكالة وحق العودة وتوطين اللاجئين، وكل ذلك فشل أمام تأكيد شعبنا على أن الصغار لا ينسون حقهم، وبقي هذا الحق يشكل أولوية لقضيتنا الفلسطينية، وظهر هذا جليا في احتفال الأمم المتحدة هذا العام لإحياء ذكرى النكبة الـ75، اعترفا بحق اللاجئين في عودتهم ومعاناتهم وتشريدهم طوال هذه السنوات".
وأضاف المسؤول الفلسطيني: "لذلك هم يحاولون تقويض الوكالة وشطب حق العودة للاجئين، وليس أدل على ذلك من تصريح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حول شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين وقطع المساهمة المالية الأمريكية لوكالة الغوث في سياق الضغط من أجل تقويض "الأونروا".
وشدد على وجوب "بقاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين المشكلة من قبل المجتمع الدولي كشاهد حي وإغاثة شعبنا الفلسطيني".
من جانبه، أوضح منسق اللجنة المشتركة للاجئين الفلسطينيين المقيم في غزة، محمود خلف، أنه "في حال أقدمت الأونروا على تقليص الخدمات المقدمة للاجئين، فسينعكس ذلك بشكل سلبي وخطير على الخدمات المقدمة لـ6 ملايين لاجئ فلسطيني".
وأضاف في حديثه لـ"
عربي21": "سنجد نصف مليون طالب في الشوارع، توقف ملايين الزيارات للعيادات الصحية؛ مما يشكل خطرا على صحة هؤلاء اللاجئين، وتحديدا كبار السن الذين يعانون من أمراض مزمنة، كما ستتحول المخيمات الفلسطينية إلى مكرهة صحية نتيجة عدم القيام بإزالة القمامة، مما يتسبب بتردي الوضع الصحي البيئة بشك الكبير".
أزمة مفتعلة جوهرها سياسي
وحذر خلف، من أن "أي تقليص لتلك الخدمات وخاصة تقديم السلة الغذائية، سيؤثر بشكل كبير وسلبي على العائلات الهشة والفقيرة التي تعاني من سوء التغذية"، مؤكدا أن "هناك حالة خطيرة جدا يمكن أن تترتب وقف أو تقليص الخدمات المقدمة من الأونروا للاجئين".
وحمل "المجتمع الدولي المسؤولية عن العجوزات المالية التي تعاني منها الأونروا، علما أن اللجنة الاستشارية التي عقدت مؤخرا، لم تقدم حلول جدية حتى الآن من أجل إخراج الأونروا من أزمتها المالية؛ وهذا يتطلب التحرك على مستوى دولي عبر الأمين العام للأمم المتحدة من أجل حث الدول للإيفاء بالتعهدات التي تقدمت بها في السنوات والأشهر الماضية عبر الأمم المتحدة، اللجنة الاستشارية أو مؤتمر بروكسل الذي عقد عام 2023".
وشدد منسق اللجنة المشتركة للاجئين، على أهمية "توسيع دائرة الدول التي تقدم الأموال لوكالة الغوث، من أجل المساهمة في إنقاذها من حالة العوز الدائم التي تعاني منه، إلى اتباع سياسية التمويل المستدام والقابل للتنبؤ، لأن هذه مؤسسة دولية تتبع للأمم المتحدة، ويجب أن يكون هناك حماية لها وشبكة أمان مالية لها".
وقال: "لهذا نحن نحذر من الإقدام على أي تقليصات في الخدمات، لأن الخدمات المقدمة أصلا هي دون الحد الأدنى، وهنام حاجة لتوسيعيها وتطويرها، وهذا ما يتطلب أن يكون هناك تعهدات جديدة من المجتمع الدولي لإنقاذ الأونروا من الانهيار نتيجة للأزمة المالية التي نعتقد أنها أزمة مفتعلة، وجوهرها سياسي".
وذكر خلف، أن "موازنة الأونروا البالغة 1.6 مليار دولار، لا تعجز العالم، وهو مبلغ بسيط بالنسبة للمجتمع الدولي، ولكن هناك ازدواجية معايير وخضوع للضغوط الأمريكية والإسرائيلية؛ من أجل إبقاء الأونروا في حالة عوز وفقر دائم"، منبها بأن "المطلوب هو إخراج الأونروا من هذه الحالة، وأن يعمل المجتمع الدولي على حمايتها كمؤسسة دولية على المستوى المالي والسياسي".
وتفاقمت أزمة وكالة الغوث المالية، عقب تردي علاقاتها مع أكبر المانحين لها وهي الولايات المتحدة الأمريكية التي اشترطت عودة المساعدات بموافقة السلطة الفلسطينية على استئناف المفاوضات السياسية مع
الاحتلال، لكنها تمكن قبل أسابيع من جمع نحو 100 مليون دولار في مؤتمر للمانحين، لكن هذا المبلغ يتضح أن غير كاف لمواصلة خدماتها من مطلع أيلول/سبتمبر المقبل، هو موعد انطلاق العام الدراسي الجديد.
وبمناسبة "اليوم العالمي للاجئين"، الذي يصادف الـ20 من حزيران/ يونيو من كل عام، نظمت وقفات احتجاجية في غزة والضفة الغربية ولبنان، بالتزامن مع انعقاد اللجنة الاستشارية للأونروا، للتحذير من التداعيات الخطيرة لوقف المساعدات والخدمات التي تقدمها "الأونروا" للاجئين الفلسطينيين في المناطق الخمس التي تعمل بها وهي؛ غزة، الضفة الغربية المحتلة، الأردن، لبنان، سوريا، والمطالبة بتأمين موازنة مستدامة لوكالة الغوث.