نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، تقريرا عن العوائل التي هاجمها المستوطنون مؤخرا في قرية
ترمسعيا شمالي مدينة رام الله بالضفة الغربية.
وقال الموقع في تقرير له، إن الكثير من هذه العوائل هي أسر فلسطينية أمريكية، عاشت وترعرت في الولايات المتحدة، وقررت مؤخرا العودة إلى موطنها الأصلي في ترمسعيا، بهدف الاستقرار أو الزيارة.
ونقل الموقع عن عوائل قولها إن المستوطنين المتطرفين الذين يهاجمونهم، كان من الممكن أن يكونوا جيرانا لهم في شيكاغو بالولايات المتحدة.
وتاليا الترجمة الكاملة للتقرير:
مثلها مثل كثير من الناس في قرية ترمسعيا الفلسطينية، عائلة عبد العزيز أمريكيون فلسطينيون.
رغم أنهم يعيشون منذ وقت طويل في غبطة وسرور ورغد في شيكاغو، إلا أنهم لم ينقطعوا عن جذورهم في فلسطين، وهذا الصيف قررت ألفت عبد العزيز أنه آن لأولادها أن يعودوا إلى القرية التي فيها نشأت وترعرعت.
"كان يفترض أن تكون إجازة العمر، لكنها تحولت إلى كابوس".
تحدثت ابنة ألفت، أمل التي تبلغ من العمر عشرين عاماً وتدرس الصيدلة في شيكاغو، لموقع ميدل إيست آي كيف أنها كانت تؤدي واجباتها الدراسية عصر الأربعاء عندما سمعت ضجيجاً في الشارع خارج البيت.
خرجت هي وأختها الكبرى، نور، إلى شرفة بيتهم الكبير لمعرفة ما الذي يجري، وكان ذلك خطأ كاد يودي بحياتهما. لا شيء في حياتها الأمريكية كان يمكن أن يعدها لما حصل من بعد.
رأت عصابة من الرعاع، ما يقرب من خمسين مستوطناً، يتنقلون من منزل إلى آخر، كثيرون منهم يحملون الأسلحة بأيديهم ويضعون على وجوههم أقنعة سوداء، يعتدون على كل من يصادفونه في طريقهم، وينهالون بوحشية على رجل فلسطيني كان يعتني في حديقته.
ثم لمحوها. فتوجه الرعاع إلى منزل عائلتها.
"آخر يوم على الأرض"
في حالة من الهلع، اندفعتا نحو القبو بحثاً عن الأمان. تقول أمل: "اعتقدنا بحق أن ذلك كان آخر يوم في حياتنا".
وأضافت: "اعتقدت أنني لن أعيش حتى الذكرى العشرين ليوم مولدي" التي كانت ستصادف اليوم التالي.
في هذه الأثناء، انهمكت شقيقتها، نور، المتزوجة حديثاً، في توجيه رسالة نصية إلى زوجها. جاء في الرسالة ما يلي: "إذا كانت هذه هي المرة الأخيرة التي أراك فيها، فأنا أحبك، وأرجو أن أراك في الدار الآخرة".
ثم قامتا بإجراء عملي، فاتصلتا بالقنصلية الأمريكية في القدس، تلتمسان المساعدة، ولكن لا حياة لمن تنادي.
أثناء اختبائهما في القبو راح المستوطنون يضرمون النار في البيت من فوقهما.
تقول نور: "لولا إقدام بعض الرجال الشجعان من أهل القرية الذين جاءوا سريعاً، ودخلوا البيت وأخرجوا منه أريكة مشتعلة، لكانت النار قد التهمت كل البيت وأحرقته عن بكرة أبيه".
حينما نظرت رأيت الدمار: نوافذ محطمة وآثار الحريق على الشباك السلكية التي تفصل الشرفة عن البيت الرئيسي، وسيارة العائلة، من طراز شكودا، أمام البيت لم تبق منها النيران ولم تذر.
في مقابلة مع ميدل إيست آي، قالت ألفت، التي تعمل مدرسة في شيكاغو: "كان ذلك اعتداءً متعمداً. والمرعب في الأمر أن الناس الذين هاجمونا كانوا في الأصل مواطنين أمريكيين، وهم يتفاخرون بأنهم إسرائيليون أمريكيون".
وقالت إنهم في الولايات المتحدة كان يمكن أن يكونوا جيراناً.
لا يمكن لموقع ميدل إيست آي التحقق من هويات المستوطنين الذين اعتدوا على منزل عائلة عبد العزيز، ولكن من المؤكد أن المهاجرين من الولايات المتحدة يشكلون نسبة كبيرة من المستوطنين.
في العام الماضي، نقلت صحيفة هآريتز عن المكتب المركزي للإحصاء بيانات تفيد بأن حوالي 40 بالمائة من جميع المهاجرين الذين انتقلوا للعيش في مستوطنات
الضفة الغربية في عام 2021 كانوا أصلاً من الولايات المتحدة. وبحسب إحصاء يعود إلى عام 2016، يشكل المواطنون الأمريكيون ما يقرب من 15 بالمائة من التعداد الكلي للمستوطنين، والذين يصل عددهم إلى ما يقرب من 450 ألف نسمة.
تقع ترمسعيا على امتداد الطريق الرئيسي الذي يربط مدينتي رام الله ونابلس في الضفة الغربية، ويبلغ عدد سكانها حوالي 4000 نسمة. ولكن هنا ما يقرب من 14 ألف نسمة يعيشون في الخارج كلهم في الأصل من ترمسعيا، وجلهم يقيمون في الولايات المتحدة.
جاء اعتداء الأربعاء بعد هجمات شنها مستوطنون طوال الليل على العديد من بلدات الضفة الغربية بعد مقتل أربعة مستوطنين في إطلاق نار داخل محطة للوقود بالقرب من مستوطنة إيلي، على بعد بضعة كيلومترات إلى الشمال من ترمسعيا.
تفاصيل وحشية
في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال عمدة ترمسعيا، لافي أديب، إن ما يقرب من 400 مستوطن هاجموا القرية.
لئن كان من حسن طالع عائلة عبد العزيز أن أحداً منهم لم يصب بأذى، فإن عائلات أخرى في القرية فتحت بيوتاً للعزاء.
يصف المزارع رجا جبرا كيف أن ابن أخيه عمر هشام جبرا أسرع إليه في مطعمه ليحذره من أن المستوطنين من مستوطنة شيلو المجاورة بدأوا يعيثون في القرية الفساد.
في البداية أطلق رجا وعمر العنان لأبواق سياراتهما لتحذير الناس، ثم خرجا من السيارات وذهبا لمواجهة الرعاع الذين كانوا يحرقون ويدمرون كل شيء في طريقهم. يذكر رجا أن عمر، الذي كان يسير أمامه، أصيب بطلقتين في صدره.
أخبرنا مزارع آخر أن عمر، الذي يبلغ من العمر 27 سنة، وهو متزوج ولديه طفلان صغيران، قتل بينما كان يحاول إنقاذ آخرين.
حمل رجا ابن أخيه الذي كان ينازع مسافة 500 متر إلى عربة إسعاف كانت في الانتظار، إذ لم تتمكن من الاقتراب أكثر بسبب حالة الفوضى العارمة.
ثم عاد إلى موقع الشجار ليحمل رجلاً آخر وينقله إلى عربة الإسعاف. بالمجمل، قيل إن 12 شخصاً أصيبوا في المواجهات، وأضرمت النيران فيما يقرب من 30 منزلاً وتم تدمير ما يقرب من 60 سيارة.
رسالة إلى بايدن
على النقيض من حال كثير من الناس في القرية، عمر جبرا ليس مواطناً أمريكياً. مع أن أقاربه أخبروا موقع ميدل إيست آي بأن زوجته وأطفاله يحملون جوازات سفر أمريكية.
تحدث موقع ميدل إيست آي مع شقيقه عبد الله، الذي سافر جواً تلك الليلة من منزله في تكساس ليكون إلى جانب عائلة شقيقه المكلومة.
وبينما كان يحمل ابن شقيقه عمر ذي الثلاث سنين، واسمه هو الآخر عبد الله، سأله موقع ميدل إيست آي إن كانت لديه رسالة يوجهها إلى الرئيس بايدن.
أجاب عبد الله: "نحن الأمريكيون الفلسطينيون ندفع الضرائب للحكومة الأمريكية كمواطنين موالين. والسيد بايدن يساعد في تمويل إسرائيل بأموالنا وبضرائبنا. نحن نطلب المساعدة لجميع المواطنين الأمريكيين في فلسطين ونطالب بحماية حقوقنا الإنسانية الأساسية".
وأما فيما يتعلق بالحكومة الإسرائيلية، فقال: "فقط اتركونا في سلام".
في إيجاز صحفي في واشنطن يوم الأربعاء، سئل المتحدث باسم الخارجية الأمريكية عن "الإجراءات الملموسة" التي ستتخذها حكومة الولايات المتحدة لمنع ارتكاب مزيد من الاعتداءات على ترمسعيا في المستقبل، أخذاً بالاعتبار التواجد المكثف لمواطني الولايات المتحدة وممتلكاتهم في القرية.
قال فيدانت باتيل مخاطباً الصحفيين: "نحن في تواصل مستمر حول هذه المسألة وبشكل مباشر. نتخذ خطوات عبر الحوار، من خلال التواصل مع المنطقة، ومن خلال إثارة المسألة مباشرة مع المسؤولين الإسرائيليين وكذلك مع المسؤولين في السلطة الفلسطينية."
تمت الإشارة إلى تواجد الكثير من المواطنين الأمريكيين في ترمسعيا خلال زيارة إلى القرية قام بها وفد من الدبلوماسيين يوم الجمعة.
قالت ديان كورنر، القنصل العام البريطاني في القدس: "كيف يمكن لشيء مثل هذا أن يحدث، كيف يمكن لهجوم كبير كهذا أن يحصل في مثل هذه البلدة الهادئة، التي كثير من سكانها مواطنون أمريكيون، من المؤكد أنه لا علاقة لهم على الإطلاق بالإرهاب".
عدي جبرا، ابن عم عمر، عاد لتوه إلى ترمسعيا لحضور حفل زفاف شقيق زوجته.
تحول العرس الذي كان مقرراً في نفس اليوم الذي وقع فيه الاعتداء إلى رعب. وصف عدي كيف أن زوجته بدرية وابنته هيام ذات الأربعة أعوام وغيرهما من أفراد العائلة حبسوا داخل منزل تلتهمه النيران بعد أن سد المستوطنون الممر المؤدي إلى البيت بالسيارات المشتعلة.
قال عدي إنه اضطر إلى تسلق جدار ارتفاعه ثلاثة أمتار لكي يتمكن من الوصول إليهم داخل البيت الذي كان الدخان يملأه، وفي تلك الأثناء كان المستوطنون يرجمونه بالحجارة.
وقال: "لا أدري كيف تمكنت من ذلك، ذهب عني كل الخوف في خضم الأزمة".
وأضاف عدي أن ابنته قالت له: "أرجوك عد بي إلى كاليفورنيا". استبد بها الرعب حتى لم يعد بإمكانها النوم في حجرتها.
عندما سأله موقع ميدل إيست آي عن الرسالة التي يوجهها إلى الحكومة الأمريكية قال: "توقفوا عن الاستماع إلى جماعات الضغط. آن لكم أن تهتموا بحقوق الإنسان الأساسية".
للاطلاع إلى النص الأصلي (
هنا)