قال
الحقوقي الفرنسي، ياسر اللواتي، في مقابلة مصورة مع "عربي21"، إن
فرنسا
تمارس "
الإرهاب" بحق
المسلمين المتواجدين على أراضيها، والذين قال إنهم
"يعيشون الآن حالة خوف ورعب؛ فالقانون الآن لا يحميهم من عنف الدولة.. وعمليات
الدهم وتفتيش البيوت ترعب العائلات المسلمة، بالإضافة إلى تفتيش ودهم
المساجد".
وأكد
أن "الشرطة الفرنسية قامت بمداهمة آلاف البيوت المسلمة، ومئات المساجد، وقد
بلغ عدد المداهمات بين عامي 2015 و2017 حوالي 4500 عملية دهم وتفتيش للبيوت،
والمساجد، والمطاعم، والمحلات، وغيرها، ومعظم هذه المداهمات تمت باستخدام العنف
والإهانة، ما جعل الرأي العام الفرنسي يتقبل استعمال الدولة الفرنسية العنف على
نطاق واسع لمواجهة الوجود المسلم في فرنسا".
وأوضح
اللواتي أن "فرنسا تسعى لتحويل الإسلام إلى دين ينتج مواطنين بلا هوية، وبلا
أي وعي سياسي؛ فعلى المسلم الآن أن يكتفي بإقامة الصلاة، والزكاة، وفقط، وألا يرى
أي مشكلة في العيش في ظل الظلم والاستبداد".
ونوّه
اللواتي، وهو رئيس "لجنة العدالة والحريات للجميع" (خاصة تعني بالدفاع
عن حقوق الإنسان ونشر التوعية حول السلطوية في فرنسا)، إلى أن "السياسة
الفرنسية تجاه مسلمي فرنسا الآن ليس لها مثيل تجاه الجاليات أو أصحاب الديانات
الأخرى كاليهود، والمسيحيين، ومع الأسف الشديد لا أرى أي نور في الأفق".
ودعا
مسلمي فرنسا إلى "الكفاح من أجل نيل حقوقهم، وذلك مثلما كافح غيرهم من قبلهم،
وعلى المسلمين أن يجمعوا فرقتهم، وأن يُعبّروا عن وجودهم بالمساهمة في بناء مستقبل
فرنسا، وعليهم أيضا أن يضعوا حلولا إسلامية للمشاكل التي خلقتها الرأسمالية
والفساد، وانعدام شفافية الدولة، وظهور الدولة البوليسية، وانفجار
اللامساواة".
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
كيف تنظر لواقع المسلمين في فرنسا اليوم؟ وما أهداف الحملة التي تشنها
السلطات الفرنسية ضد ما تصفه بـ"الإسلام السياسي"؟
أولا:
لا يوجد "إسلام سياسي" في فرنسا؛ فإذا نظرنا كيف تنظَّم الشؤون
الإسلامية في فرنسا، وكيف تتعامل الجمعيات الإسلامية مع الدولة الفرنسية، ومع
السياسيين، في ظل غياب المقاومة الفعلية للإسلاموفوبيا عبر الأحزاب السياسية، أو
الصحافة، أو الجمعيات الحقوقية.. فلو كان هناك إسلام سياسي لرأينا تيارا سياسيا
ينتمي له، ولكانت له كلمة فعالة ضد الإسلاموفوبيا.
فالذي
نراه الآن هو إسلام يطلب أن يُسمح له بالوجود في فرنسا، وإذا نظرنا -على سبيل
المثال- إلى خطاب الأئمة في فرنسا فسنجد أنه ينحصر في موضوعات بعينها كإقامة
الصلاة، وإعمار المساجد، والصوم، والحج، ولا نرى منظمة لها أهداف سياسية معينة، أو
مشروع سياسي مُحدد.
ثانيا:
تصاعد الحملات الإعلامية والسياسية الذي نشاهده الآن ليس بجديد، لكنه أصبح أخطر
على المسلمين في فرنسا، وهذا التصاعد له جذور في فرنسا، فقد رأيناه في القرن
التاسع عشر خلال الاستعمار، وما قامت به فرنسا من جرائم، وحظر لإقامة شعائر الدين؛
فقد أرسلت فرنسا رجلا يدعى «ليون روش» عام 1894 إلى مكة لاستصدار فتوى لتمنع مسلمي
الجزائر من مقاومة الاستعمار.
فرنسا
تسمح بالصلاة والزكاة والصوم وحج البيت، ولكنها تصعّد حملاتها ضد المسلمين
الفرنسيين الذين هم فرنسيون من آباء وأجداد فرنسيين؛ فبعد أن بدأت بحظر الحجاب في
بعض الأماكن العامة، والمدارس عام 2004، وشيئا فشيئا أصبح المسلمون مُطالبون بعدم
التواجد في الساحات العامة.
ورغم
القوانين العلمانية للدولة الفرنسية التي تفصل بين الدين والدولة، وتمنع الدولة من
التدخل في الشؤون الدينية سواء كانت يهودية أو إسلامية أو مسيحية، فقد رأينا الرئيس
«
ماكرون» عام 2020 يُعبّر عن رغبته في تجاوز قانون العلمانية لعام 1905، وطالب بأن
يسمح للدولة الفرنسية بالتدخل في الشؤون الإسلامية عن طريق تعيين الأئمة، وتفتيش
المساجد في أي وقت، بل إن الرئيس الفرنسي قد أعرب عن حق الدولة في التدخل في
الجمعيات الإسلامية في حال إجراء انتخابات إذا كان الفائز لا يناسبه.
هذا
الصراع بدأ منذ بداية وجود المسلمين في فرنسا بعدما طلبت منهم الدفاع عنها ضد
ألمانيا النازية، وبعد ذلك لبناء البلاد بعد الحرب، وأصبح فعالا مع عدة قوانين صدرت خصيصا لمعادة
المسلمين، فمنع الحجاب والنقاب، وتزامن ذلك مع عمليات عام 2015 حين قامت الشرطة
الفرنسية بمداهمة آلاف البيوت المسلمة، ومئات المساجد، وقد بلغ عدد المداهمات بين
عامي 2015 و2017 حوالي 4500 عملية دهم وتفتيش للبيوت، والمساجد، والمطاعم،
والمحلات، وغيرها، ومعظم هذه المداهمات تمت باستخدام العنف والإهانة، ما جعل
الرأي العام الفرنسي يتقبل استعمال الدولة الفرنسية العنف على نطاق واسع لمواجهة
الوجود المسلم في فرنسا.
ومع
استمرار «ماكرون» في السلطة، يستمر تصاعد الإسلاموفوبيا في فرنسا، خاصة بعد تطبيق
قانون «مكافحة الانفصالية» الذي يسمح –بشكل رسمي- بإغلاق المساجد أو الجمعيات
بتهمة "النزعة الانفصالية"، والآن الدولة الفرنسية، وخاصة الشرطة وإدارة
المحافظات والبلديات، أصبحت تطبق سياسة الإسلاموفوبيا بصورة رسمية وفجّة.
كيف انعكس ذلك على الجمعيات والمنظمات المرتبطة بالفرنسيين المسلمين؟
مسلمو
فرنسا الآن يعيشون حالة خوف ورعب؛ فالقانون الآن لا يحميهم من عنف الدولة، وعمليات
الدهم وتفتيش البيوت ترعب العائلات المسلمة، بالإضافة إلى تفتيش ودهم المساجد.
ومع
تطبيق قانون مكافحة الانفصالية الذي عُرض على «ماكرون» عام 2020 وطبقه عام 2021،
أصبح مسلمو فرنسا يشعرون أن القانون ليس في صفهم؛ بل إنه وجّه ضدهم أكثر من مرة، فقد
سمح بمنع الحجاب، ومنع النقاب، وسمح بإغلاق المدارس الإسلامية الخاصة، والمساجد،
وإذا توجهوا إلى الدولة بالشكوى فلن تقبل؛ لأن فزاعة "الإسلام السياسي"
موجودة.
لم
يعد في فرنسا الآن حماية من الاستبداد؛ فمسلمو فرنسا الآن ليس لهم ذراع سياسية تحميهم من عنف الدولة الفرنسية، وهو ما سينعكس على الجيل المقبل الذي يتعلم الآن
في المرحلة الابتدائية، فالطلاب في هذه المرحلة الآن تحت المراقبة الدائمة في ما
يخص الملابس، والطعام والشراب، وقد منعت الوجبات البديلة للحم الخنزير في مطاعم
المدارس، وإذا أتت عائلة مسلمة وقالت إن "ابني لا يأكل لحم الخنزير" فلا
يُستجاب لها.
الانعكاس
الآخر هو تحويل الإسلام لدين ينتج مواطنين بلا هوية، وبلا أي وعي سياسي؛ فعلى
المسلم الآن أن يكتفي بإقامة الصلاة، والزكاة، وفقط، وألا يرى أي مشكلة في العيش
في ظل الظلم والاستبداد، وأؤكد على لفظ "استبداد" لأن السياسة الفرنسية
تجاه مسلمي فرنسا الآن ليس لها مثيل تجاه الجاليات أو أصحاب الديانات الأخرى
كاليهود، والمسيحيين؛ فهذه سياسة خاصة بالتعامل مع المسلمين، ومع الأسف الشديد لا
أرى أي نور في الأفق.
وبالتالي هل يتعرض المسلمون في فرنسا إلى جرائم كراهية وعنصرية مُمنهجة
أم إن هناك تضخيما لما يجري بحقهم؟
الاعتداء
على مسلمي فرنسا أمر ليس بغريب أو جديد؛ فقد رأينا الاعتداء على المساجد من قِبل
الدولة عبر الشرطة، وأيضا من قِبل اليمين المتطرف، كما رأينا الاعتداء على نساء
مسلمات ونزع حجابهن، وأنا لا أفرق بين الاعتداء الرسمي من قِبل الدولة عبر
القانون، والعمليات الشرطية، والاعتداء الذي يقوم به أي مواطن في الشارع، فهم
يعتدون على المسلمين لأنهم "مسلمون".
المشكلة
الأخرى التي نرصدها هي التمييز العنصري في فرنسا؛ فتجد التمييز العنصري ضد
المسلمين في العمل، وفي المدارس، كما رأيناه بالقانون الذي يمنع ارتداء الحجاب في
الشركات الخاصة، ويمنع أي لباس محتشم، كما قرأنا في الحملة الصحفية الأخيرة، وهناك
تمييز عنصري عند الحصول على وحدة سكنية في المساكن العامة، فإن كان اسمك محمد، أو
أبو بكر، أو فاطمة أو غير ذلك من الأسماء التي تدل على إسلامك.. ففترة الانتظار
لاستلامك الوحدة السكنية ستكون ضعف فترة الانتظار لشخص اسمه فرنسوا أو باتريك، وإن
كنت مسلما وتريد الحصول على فرصة عمل فعليك أن ترسل خمسة أضعاف سير ذاتية.
الاعتداء
الآخر الذي نشاهده الآن من خلال القانون والحملة التي يقوم بها «ماكرون» متعلقة
بالمدارس الخاصة التي أنشأها المسلمون في فرنسا بعد منع الحجاب في المدارس
الحكومية عام 2004. هذه المدارس مُهدّدة الآن بالإغلاق، بعد أن يسرّ «ماكرون»
لإدارات المحافظات إغلاق تلك المدارس، وهذا كله يدخل ضمن حملة الإسلاموفوبيا تجاه
المسلمين التي تنتهجها الدولة، لكي تستطيع الدولة الفرنسية الهيمنة على المسلمين،
وتحدد لهم "الإسلام المقبول" عند الحكومة الفرنسية.
وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان اعتبر ما وصفه بـ"الإرهاب
الإسلامي السني" أبرز تهديد لبلاده وأوروبا، مؤكدا أن "التعاون لمكافحة
الإرهاب بين أجهزة الاستخبارات ضروري للغاية".. فهل هذا الوزير يعزف على وتر
تخويف الفرنسيين من "الإسلام السياسي"؟
"دارمانان"
يُجهز نفسه من الآن لخوض الانتخابات الرئاسية لعام 2027، ويريد أن يكون مرشح
«اليمين» القريب من اليمين المتطرف، ولا ننسى أن وزير الداخلية «دارمانان» قد وصف
رئيسة حزب التجمع الوطني «مارين لوبان» بأنها "لينة" مع الإسلام، ثم
أوضح وصفه وقال: "لا أعني الإسلام السياسي، وإنما أعني دين الإسلام"،
ولا ننسى أيضا أن جده كان ممن أطلق عليهم "الحركيين" الذين ساهموا في
قمع الجزائريين الذين قاوموا الاحتلال الفرنسي، وهو يريد أن يضاعف مظاهر ولائه
لفرنسا.
وعندما
يتحدث عن مقاومة "الإرهاب السني" فهذا يتماشى مع ما قاله سابقا حين قال:
"إن من علامات الانتماء إلى «الانفصالية» وبداية الإرهاب أن ترى اللحوم
الحلال في المحلات"، ما دعم التيار العنيف ضد المسلمين في فرنسا، وهو يعبر عن
سياسة الإسلاموفوبيا بوضوح، ومن المؤكد أنه يريد ترهيب الرأي العام الفرنسي لكي
يكون لديه مبرر لسياسته المعادية للمسلمين.
وفي
الوقت نفسه يُمثل «جيرالد دارمانان» هوس الدولة الفرنسية ضد الوجود الإسلامي في
فرنسا، وعدم قبوله كجزء لا يتجزأ من المجتمع الفرنسي.
هل انتقل خطاب اليمين المتطرف من المعارضة إلى الحكومة الفرنسية؟
بكل
التأكيد؛ فالأفكار التي تحكم فرنسا الآن هي أفكار اليمين المتطرف التي كان يطرحها
في الثمانينيات والتسعينيات، وأصبح يطبقها «ماكرون» الآن، وليس هو فقط، فعلى سبيل
المثال: الرئيس السابق «فرانسوا أولاند» هو الذي أتى بفكرة التجريد من الجنسية،
وهذه فكرة موجودة من التسعينيات، كما رأينا أحزاب اليسار التي تتخاصم مع اليمين
المتطرف في الشؤون الاقتصادية تتوافق تماما معه في ما يخص الهوية الفرنسية،
والتعامل مع المسلمين.
وعلينا
ألا ننسى أن كل القوانين المضادة للمسلمين شُرّعت بدعم من الأحزاب اليسارية،
وأصبحنا الآن نلاحظ الخصومة الشديدة من أحزاب اليسار تجاه ما يخص حقوق المسلمين في
فرنسا، فالآن أفكار اليمين المتطرف أصبح لها الهيمنة.
ولا
نغفل أن نذكر أن تعامل الدولة مع جمعيات اليمين المتطرف لا يتساوى مع تعاملها مع
الجمعيات الإسلامية؛ فقد رأينا على سبيل المثال: أحد مسؤولي الجمعيات الإسلامية
المعتمدة في فرنسا يُحرق بيته وتُحرق سيارته من قِبل بعض متطرفي اليمين، ولم تتحرك
الدولة.
وتابع الجميع مظاهرات اليمين المتطرف في شوارع باريس وهم يرتدون «الكبوت» (العازل
الذكري) ويطالبون بطرد العرب والمسلمين من فرنسا، ولم تتحرك الدولة، وهذا دليل على
التعامل الظالم في فرنسا، وإذا طالب المسلمون بأن تكون لهم حقوق في العبادة،
وارتداء الملابس التي يختارون، أو طالبوا بحقوقهم كباقي المواطنين.. تتعامل معهم
الدولة كأنهم "إرهابيون".
أما
جمعيات اليمين المتطرف التي تُهدّد العوام، وتُهدّد مُمثلي الدولة الفرنسية، لا
تُمنع من ذلك، وهو ما يؤكد رضا «ماكرون» بهذه الأمور، لذا فهو المسؤول عن ما يجري
الآن في فرنسا من عنف، وتهديد، وإرهاب من قِبل اليمين المتطرف.
ما الأسباب التي أدت إلى عزوف مسلمي فرنسا عن المشاركة في النشاط العام
والعمل السياسي؟
لأن
الكثير من مسلمي فرنسا يشعرون بأنهم أجانب مع أنها بلدهم، وذلك لأن بعض آبائهم جاء
من دول شمال إفريقيا أو سواحل إفريقيا، ولعدم تكوين هوية فرنسية مسلمة، كالمسلمين
المغاربة، والشوام، وغيرهم، ولأن بعض الآباء والأمهات يُعبّرون عن رغبتهم في
الرجوع إلى مواطنهم الأصلية، وهذا "وهم" لأنهم الآن فرنسيون ككافة
الفرنسيين، وعليهم أن يتعاملوا مثل الفرنسيين، وألا ينتظروا من الدولة أن تعطيهم
حقوقهم، بل ينتزعوها.
فرنسا
مرت بعدة ثورات، وشعبها قاوم ضد الدولة، فكم من مرة ثار الشعب الفرنسي في وجه
الاستبداد، وكل الحقوق التي حصل عليها الشعب الفرنسي أتت عن طريق المقاومة، ولم
نقرأ في كتب التاريخ أن شعبا صابرا انتظر من الدولة أن تعطيه حقوقه فأخدها، وإنما
واجهوا الدولة للحصول على الحريات.
وهذه
المشكلة (مشكلة الخنوع للدولة) جاءت –مع الأسف- من البلدان الإسلامية، وخاصة من
بلدان الشمال الإفريقي، ومن بلدان مثل مصر والسعودية؛ ففي تلك البلدان ليس هناك
فصل بين الدين والدولة، فترى "الدين في خدمة الدولة"، وعندما يقوم
الحاكم أو الديكتاتور الزعيم في هذه الدول بأي عمل يأتي الدين لتبريره، وليس هناك
مفهوم أو مصطلح الجمعيات الإسلامية.
وحتى
الأئمة الذين أتوا من تلك البلدان ليس لديهم المعرفة بتاريخ الثقافة السياسية
لفرنسا، وتاريخها، وأن فرنسا بها فصل كامل بين الدين والدولة، وممنوع على الدولة
أن تتدخل في الشؤون الدينية، كما هو ممنوع أن يتدخل الدين في الشؤون السياسية، ومع
الأسف فإنه عندما يتعامل الأئمة مع الدولة لا يتعاملون معها لحماية المسلمين، ولا
يتعاملون بشجاعة؛ لأنهم أتوا بالخوف الذي نراه في تلك البلدان، وإن المفتي ينتظر
أوامر السلطة السياسية حتى يتكلم.
وفي
الوقت نفسه نرى أن الإسلام الذي يدرّس في المساجد، وفي المعاهد الإسلامية في
فرنسا، ليس "إسلام الشجاعة" ولكن إسلام الخضوع للدولة، وعليك أن تكون في
خدمة الحاكم، وإلى آخره، ولا يدرس في تلك المعاهد أن الرسول محمد صلى الله عليه
وسلم قام بثورة في وقته وواجه الاستبداد، ولم يتعامل معه، والآن نرى المسلمين
يتسولون الدولة بأن تسمح لهم بمجرد التواجد، وإقامة الصلاة، ولا يطمحون بأكثر من
ذلك.
وهناك
مشكلة أخرى متعلقة بضعف مشاركة المسلمين في الانتخابات، فمع أواخر التسعينيات، وما
بعدها جاءت فتاوى من بعض البلدان تطالب المسلمين في فرنسا بمقاطعة الانتخابات،
وألا يساهموا فيها، وها نحن نحصد ثمار ذلك فنجد أجيالا جديدة من المسلمين يخافون
من المشاركة في الانتخابات، أو أن يكون لهم دور سياسي، أو يدخلوا المعارك
الانتخابية سواء في البلديات أو البرلمان الفرنسي، وهذا ما يريده «ماكرون».. يريد
مسلمين بلا وعي سياسي ولا قدرة سياسية للدفاع عن حقوقهم، وهذه هي قضية المسلمين.
على
المسلمين في فرنسا أن يقوموا كما قامت المجتمعات الأخرى، فاليهود واجهوا عنفا،
واجهوا إبادة جماعية ساهمت فيها فرنسا مع ألمانيا، وكذلك الإسبان والإيطاليون
واجهوا عنف الدولة الفرنسية، لكنهم وقفوا أمامها، ونظموا أمورهم، وواجهوا الدولة،
واستعملوا كل الوسائل المتاحة لديهم.
وسائل إعلام فرنسية كشفت أن السلطات الفرنسية بملاحقة تمويلات
"الإخوان" في فرنسا وقد تم تجميد 25 مليون يورو من أموالها.. ما أبعاد
ذلك؟
مصطلح
«الإخوان المسلمين» أصبح تهمة، ويُستعمل مع مصطلح «الإسلام السياسي»، وكل جمعية
إسلامية تريد السلطات الفرنسية إغلاقها أو طردها من فرنسا تصفها بأنها تابعة
للإخوان المسلمين.
الآن
أصبحت كلمة «الإخوان المسلمين» في فرنسا "سُبهة أو تهمة"؛ فإذا أرادت
السلطات أن تلقي القبض عليك، وليس لديك أي تهمة حقيقية تكون تهمتك "الانتماء
إلى الإخوان المسلمين".
والآن
ترى الأئمة والدعاة الذين كانوا بالأمس يفتخرون بانتمائهم لجماعة الإخوان
المسلمين، يفرون إذا هُدّد واحد منهم.
وقد
استغل «ماكرون» الفرصة، وأصبح يغلق الجمعيات، فأغلق أكبر معهد إسلامي في باريس
لتدريس الشريعة الاسلامية، الذي كان يخرج عددا من الأئمة كل عام منذ 2003 تقريبا.
ولست
مندهشا من رقم 25 مليونا الذي جمّدته السلطات، بل ربما وصل الرقم إلى 60 مليونا،
وكلها أموال أخذتها الدولة من الجمعيات الإسلامية من خلال تنفيذ قانون
"مكافحة الانفصالية".
وعلى
المراقبين الدوليين أن ينظروا إلى فرنسا باعتبارها مختبر الإسلاموفوبيا العالمي؛
فما تقوم به فرنسا من تهديد وتجريم الوجود الإسلامي في فرنسا سوف يلهم البلدان
الأخرى، فقد رأينا على سبيل المثال أن الهند والصين ودول أخرى ينتهجون نفس سياسة
الإسلاموفوبيا التي تنتهجها فرنسا أو أخطر منها، وحجتهم أن فرنسا "بلد حقوق
الإنسان" قد فعلت ذلك، إذن هذا أمر مقبول.
ما مستقبل المسلمين
والجمعيات والمنظمات الإسلامية في فرنسا؟
المستقبل هو الكفاح،
والكفاح.. كما كافح الشعب الفرنسي اليهودي، والمسيحي، وكما كافح العمال في فرنسا
لنيل حقوقهم، فعلى المسلمين أن يقوموا بالكفاح كما كافح غيرهم من قبلهم؛ فهذا
بلدهم، وهذه أرضهم، وعليهم أن يكتبوا مستقبلهم بأيديهم، لا بأيدي السلطة ولا بأيدي
الصحافة.
وعلى المسلمين أن يجمعوا
فرقتهم، وأن يُعبّروا عن وجودهم بالمساهمة في بناء مستقبل فرنسا، لأن فرنسا الآن
في حالة أزمة عميقة، وعلى مسلمي فرنسا أن يضعوا الحلول المناسبة للقضايا
المختلفة، كانهيار المؤسسات السياسية، وعدم فعالية السياسيين، وعدم قدرتهم على
التعامل مع مخاوف الفرنسيين.
وعلى مسلمي فرنسا أيضا
أن يضعوا حلولا إسلامية للمشاكل التي خلقتها الرأسمالية والفساد، وانعدام شفافية
الدولة، وظهور الدولة البوليسية، وانفجار اللامساواة.