تابعت الأوساط الأمنية والسياسية الإسرائيلية تعيين الرئيس السابق لجهاز المخابرات التركية
هاكان فيدان، وزيرا للخارجية في حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان الجديدة، باعتباره من أقوى الشخصيات في السنوات الأخيرة.
ويعتبر هاكان فيدان شخصية مثيرة للجدل في تل أبيب بشكل رئيسي بسبب علاقته مع
إيران، لكن كبار المسؤولين السابقين في المؤسسة الأمنية يبدون مقتنعين بأنه في منصبه الجديد سيكون متوازنا بالفعل تجاه دولة
الاحتلال.
وذكر المراسل العسكري لموقع "
زمن إسرائيل" أمير بار شالوم، أنه منذ تعيين فيدان في سنواته الأولى رئيسا للمخابرات التركية، فقد أثيرت علامات الاستفهام في "إسرائيل" حوله، خاصةً لتماهيه مع إيران.
وفي 2012 تم الكشف عن شبكة للموساد للتجسس على إيران، وتم تشغيلها جزئيا من
تركيا، وفي تل أبيب اتهموا المخابرات التركية لمسؤوليتها عن فضح الشبكة، وتسليم الأسماء للإيرانيين، ما دفع إيهود باراك وزير الحرب آنذاك، إلى الردّ بغضب على تركيا، والتسبب في انقطاع علاقاتهما الأمنية بشكل شبه كامل، وإعادة مندوب
الموساد من أنقرة إلى تل أبيب.
ونقل الموقع عن شاي إيتان كوهين يانروجاك خبير السياسة التركية بمعهد القدس للاستراتيجية والأمن ومركز ديان بجامعة تل أبيب، أن هاكان فيدان شخصية يثق بها أردوغان بنسبة 100 بالمئة، أما في تل أبيب فيعتبر شخصية مثيرة للجدل.
وكافة المصادر تتحدث عن رجل استراتيجي، وتقول إن "ابتسامته خادعة، والغريب أنه يعرف جميع أسماء الممثلين اليهود، ولديه موقف متناقض تجاه اليهود، ورغم انتمائه للعدالة والتنمية، فيصعب معرفة مدى تدينه، وفي كل الاجتماعات التي عقدناها لم يشرب الخمر قطّ".
دافيد إغناتيوس معلق الشؤون الأمنية بصحيفة واشنطن بوست أكد أن من وقف وراء نقل المعلومات للإيرانيين هو فيدان نفسه، كجزء من الانتقام التركي من تل أبيب عقب قضية مافي مرمرة على شواطئ غزة 2010، ما أدى إلى تقوية صورته المؤيدة لإيران.
ورغم تجديد العلاقات مع تل أبيب فما زال هناك من ينظر إليه بعين الريبة، ويصفه باراك بأن جادّ للغاية، لكن ما تم القيام به في 2012 لم يتم بين أجهزة المخابرات، لذلك كان القرار تغيير الاتجاه، ونعتقد أنه رجل لامع، وأردوغان يثق به كثيرا، كما يذكر الباحث الإسرائيلي.
وأوضح إغناتيوس أن انتقال فيدان من الأمن إلى الدبلوماسية لا يعني تراخي إمساكه بخيوط الأجهزة الأمنية من وراء الكواليس، وفي نهاية عهد مائير دغان رئيس الموساد الراحل، تزايدت الشكوك تجاه فيدان، وبعد كشف شبكة الموساد للإيرانيين اشتدّت وتفاقمت الأزمة بين مخابرات الجانبين إلى درجة الانقطاع، واللافت أنه رغم إعادة ممثل الموساد من أنقرة، فإن نظيره التركي بقي في تل أبيب، ولم يعده فيدان إلى أنقرة، ما يشير إلى حنكته، لأنه ترك عنوانًا هنا لفتح الأبواب في حال الحاجة.
ونقل عن مسؤول سابق في الموساد أن فيدان دعاه مرة لمقابلته في أنقرة، مشيرا إلى أنه كان شخصا مضيافا ورائعا للغاية، وتمكن من الحفاظ على هوية منظمته، وفكره بارد وتحليلي.
وخدم فيدان أكثر من عقد في الجيش ومناصب أخرى في مقر حلف الناتو، وبدأ مسيرته السياسية مستشارا في مؤسسة التعاون الإقليمي، بعد حياة أكاديمية بجامعة ميريلاند، ويجيد اللغة الإنجليزية، وهو ابن 55 عاما من مواليد أنقرة، من أصول كردية من جهة والده، وعمل مستشارا لأردوغان للشؤون الأمنية.
وأوضح إغناتيوس أنه "في بداية مسيرته المهنية في المخابرات، ظهرت علامات استفهام في إسرائيل تتعلق بموقفه الدافئ تجاه إيران، وقد عمل لفترة قصيرة ممثلا لتركيا في وكالة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، فظهر متعاطفا معها، ودافع عن حقها بامتلاك المعرفة والقدرة النووية "للأغراض السلمية"، ووقف وراء سلسلة من الإجراءات المنسقة مع هيئة الطاقة الذرية الإيرانية".
وكشف أن "فيدان شارك بصياغة صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس 2011، والتقى ببعض مسؤولي الموساد كثيرا بهذا الخصوص، رغبة لاستحضار النفوذ التركي في المنطقة، وتعزيز مكانتها الدولية، نظرا لعلاقة حماس الشقيقة لحزب العدالة والتنمية برئاسة أردوغان، لكن الموساد أدرك في مرحلة معينة أنه لن يكون قادرًا على تحقيق إنجاز، ولعل عدم إتقانه اللغة العربية أوجد صعوبة بينه وبين أحمد الجعبري رئيس أركان حماس، ورغم ذلك فقد حاز على جزء من الصفقة باستقبال الأسرى المحررين في تركيا، وهنا تأتي إحدى النقاط المؤلمة من وجهة نظر إسرائيل، باستقبال القائد في الحركة صالح العاروري".
يدور الحديث الإسرائيلي عن فيدان، بوصفه شخصية أمنية استخبارية، يتألف من فسيفساء متناقضة من الصفات: الأخلاق اللطيفة، الحكمة، ودائمًا البراغماتية، وفي السنوات الأخيرة تم اعتباره واحدًا من أكثر الأقوياء في تركيا، ولمدة 13 عامًا ترأس جهاز المخابرات، ويعتبر حاليًا أقرب شخص لأردوغان، واليوم ينتقل من مكتبه الفاخر في "القلعة" إلى وزارة الخارجية، وقد قطع شوطا طويلا مع الرئيس، وليس هناك شك بأن تعيينه في الوقت الحالي رسالة واضحة للكثير من الأطراف، بما فيها دولة الاحتلال.