أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ورقة علمية بعنوان "هل سيكون البترويوان بديلاً عن البترودولار؟"، وتدرس الورقة مصير
الدولار، ومستقبل اتفاق البترودولار ومدى احتمال تطبيق فرضية البترويوان كبديل عن
البترودولار.
أعدَّ الورقة كل من البروفيسور محمد إبراهيم مقداد، أستاذ الاقتصاد
في الجامعة الإسلامية بغزة، والذي يشغل منصب نقيب الاقتصاديين الفلسطينيين،
والأستاذ محمد عبد الهادي نصار، باحث دكتوراه في الاقتصاد ومدير دائرة الدراسات
والإحصاءات بوزارة التنمية الاجتماعية بغزة.
وأشار الباحثان إلى أنه منذ سنة 1973، التي تميّزت بارتفاع شديد في أسعار
النفط، ظهر نظام الـبترودولار، حيث عقدت إدارة نيكسون صفقة مع المملكة العربية
السعودية في سنة 1974 من أجل شراء النفط حصراً بالدولار، إلى جانب ضمانات أمنية
لصالح السعودية، وأصبحت المبالغ الهائلة التي تنتجها أسواق الطاقة تستثمر كأولوية
في الأسواق الأمريكية، ما وفَّر ميزة نسبية لاقتصاد الولايات المتحدة، وأدى إلى إحباط
كبير بين شركائها الأوروبيين. وفي سنة 1999، تمّ إنشاء عملة اليورو ونجح كعملة
عالمية، لكنه لم يستطع منافسة عمق وسيولة أسواق نيويورك بسبب عدم وجود خزانة
أوروبية موحدة، وبالتالي لم يستطع اليورو إسقاط الدولار عن مكانته كعملة الاحتياط
والصرف الرئيسية في
العالم.
وأشارت
الدراسة إلى أنه بعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين
التي بدأت سنة 2018، بدرت تحركات من دول بريكس من أجل التخلص من الدولار في
تعاملاته التجارية البينية، كما أن
الصين بدأت ببيع وتقييم البترول باليوان
الصيني. ويجري الحديث على أن العلاقات بين الصين والمملكة العربية السعودية ستتطور
اقتصادياً بقبول عملة "اليوان" لتسديد قيمة واردات الصين النفطية من السعودية، ما قد يكسر هيمنة الدولار
الأمريكي على أسواق النفط العالمية، ويلغي اتفاق البترودولار.
كما أن البنك المركزي الصيني قد عمل منذ مطلع سنة 2022 على تنفيذ خطط
تعزيز
مكانة اليوان في التعاملات المالية الدولية، وبدلاً من التركيز فقط على
تسعير السلع والخدمات المستوردة مثل النفط وغيره باليوان، فإنه أصبح يتَّبع مساراً
مزدوجاً بالعمل أيضاً على تسهيل وصول المستثمرين الأجانب لأسواق الأوراق المالية
الصينية، وكذلك زيادة نصيب العملة الصينية من اعتمادات تمويل التجارة الدولية.
ورأى الباحثان أن استخدام اليوان في سوق البترول والغاز ما زال
محدوداً حتى الآن ولا يؤثر بشكل كبير على الدولار، إلا أن خطوات الصين من شأنها
إثارة قلق الولايات المتحدة التي تتابع عن كثب التمدد الصيني بمناطق نفوذها
التقليدية في المنطقة، ولكن إذا قررت دول الخليج، وخصوصاً السعودية، التخلي عن
تسعير النفط بالدولار واتَّجهت إلى اليوان، وفعلت قطر الشيء نفسه مع غازها المسال،
فإن ذلك سيشكل ذلك ضربة للدولار تهدد بكسر هيمنته على سوق العملات الدولية. وتكمن
جدية هذا الأمر في أن الصين أكبر مستورد للنفط والغاز في العالم وثاني أكبر مستهلك
لهما، بينما السعودية تعد أكبر مصدِّر له، وقطر ثاني أكبر مصدر للغاز المسال.
وطرحت الدراسة ثلاثة سناريوهات مختلفة بخصوص التحول إلى البترويوان،
استناداً إلى تطور استخدام اليوان في التعاملات التجارية ومنها التعاملات النفطية؛
يتعلق السيناريو الأول باستمرار سيطرة الدولار على التعاملات النفطية في المدى
القريب والمتوسط، أما السيناريو الثاني فيتعلق بسيطرة اليوان على التعاملات
النفطية في المدى المتوسط، ويفترض السيناريو الثالث زوال هيمنة الدولار في المدى
المتوسط وحلول سلة من العملات محله في التعاملات النفطية.
ورجحَّت الدراسة السيناريو الثالث واعتبرته الأقرب للتحقق، ويفترض
بقاء هيمنة الدولار في المدى القريب، وتراجع هذه الهيمنة في المدى المتوسط وتقاسم
سلة من العملات حصصا مختلفة في التعاملات النفطية.
ورأى الباحثان أن ما يؤيد هذا
السيناريو هو كون العملة الخضراء ما تزال هي العملة الأكثر قبولاً في العالم، وأن
نسبة اليوان المحتفظ به لدى البنوك المركزية العالمية ما زالت قليلة جداً، وأنه
ليس هناك في الأفق القريب عملة يمكن أن تحل محل الدولار، فخلاف قوة وحجم الاقتصاد،
هناك متطلبات في هذه العملة تتعلق باستقرار هذه العملة، وهذا الاستقرار يتطلب
بنكاً مركزياً يتمتع بمصداقية تتفوق على مصداقية الآخرين، وحكومة تتمتع بالملاءة،
أي الوفاء بالتزاماتها المالية على المدى البعيد، وأنه أمام الصين أعوام طويلة لتبني
اقتصاد وقوة وسمعة تمكنها من موازاة هيمنة الاقتصاد والقوة الأمريكية، واعتبرا
أن منطقة اليورو تعاني اختلالات كبيرة جراء العجز والمديونية، واختلاف المصالح
في السياسات الخارجية.
وخلصت الدراسة إلى أن السلوك الأمريكي هو أهم عامل في مدى استمرار
هيمنة الدولار في المستقبل المنظور، وكذلك السلوك الصيني نحو الانفتاح على الدول
المختلفة. كما أن تحولات دراماتيكية قد تقود إلى تغيرات جوهرية في ما يتعلق
بالاعتماد على الدولار، وترتبط بمدى جرأة الدول في اتخاذ القرارات المتعلقة
بالرغبة في التحول عن الدولار، وبمدى قدرة هذه الدول في إجراء التغيرات الفنية
واللوجستية المطلوبة لهذا التحول.
واختتمت الدراسة بالإشارة إلى أن استمرار هيمنة الدولار ليست قدراً
مقدراً على العالم، لأن استمرار القطب النقدي الواحد أسهم في تعزيز القطب العسكري
والسياسي بشكل كبير ولم يخدم المصلحة الدولية، كما أنه مكَّن أمريكا في فرض العقوبات
الظالمة من مجموعة البترودولار على روسيا ومن قبلها إيران والعديد من الدول، قد
يكون لها دور مهم في تضافر جهود الدول لإيجاد النظام البديل، وموضوع التحول من
البترودولار إلى البترويوان أو أي نظام دولي بديل ليس مسألة سهلة ولا تحولاً
عفوياً، بل هو تحول يحتاج إلى مخاض دولي عسير.