سلطت صحف غربية الضوء على الأزمة في
السودان، والصراع بين الجنرالات، والذي خلف جوعى في البلاد مع انهيار الدولة.
ونشرت صحيفة "
فايننشال
تايمز" مقالا للباحث في سياسة النخب في أفريقيا والمؤلف المشارك لكتاب
"ديمقراطية السودان التي لم تكتمل"، أليكس دي وال، قال فيه إن
السودان يواجه اليوم
مجاعة وانهيار دولة على مستوى البلاد.
وقبل أربع سنوات فقط، عندما أسقطت
الاحتجاجات غير العنيفة ديكتاتورية الرئيس عمر البشير التي استمرت 30 عاما، بدا أن
البلاد تتمتع بمستقبل ديمقراطي مشرق في متناول يدها.
لكن آمال عشرات الآلاف من اللاجئين
السودانيين وأفراد الشتات الذين عادوا إلى ديارهم أُحبطت بقسوة، من قبل الجنرالات
الذين سعوا إلى السلطة لإشباع جشعهم ورد الفعل الدولي الذي تماهى مع العسكر باسم
الاستقرار. ومع ذلك، فهناك فرصة للاستجابة للأزمة الحالية بنموذج مالي جديد
للدبلوماسية والعمل الإنساني.
وهجر أكثر من مليون شخص منازلهم. وقد
وصل بالفعل إلى مصر ما يقدر بنحو 160.000 شخص. في النهاية سيشق الكثيرون طريقهم
إلى أوروبا.
في الخرطوم - وبشكل متزايد في مدن
سودانية أخرى - يموت الناس من الجوع والعطش وضربة الشمس والأمراض غير المعالجة في
منازلهم وشققهم. يكافح الأطباء والعاملون الصحيون لإبقاء المستشفيات مفتوحة. إنهم
بحاجة إلى كهرباء وماء وإمدادات طبية ورواتب، بحسب الصحيفة.
النموذج التقليدي للعمليات الإنسانية
هو القوافل الغذائية ومحطات الطوارئ الطبية. قد تكون هذه مناسبة للأزمة التي تتكشف
في المناطق الريفية في دارفور، لكن المجاعة في الخرطوم تتطلب نهجا مختلفا جذريا، مثل إيصال الأموال النقدية مباشرة إلى الناس.
وبالنسبة لأولئك الذين لديهم أموال في
البنك، فهذا يعني الخدمات المصرفية باستخدام الهواتف المحمولة.
وبالنسبة لأولئك الذين لديهم أقارب في الخارج، خدمات تحويل الأموال والتحويل
المباشر عبر هواتفهم.
وتتمثل الخطوة الأكثر جرأة في دعم
التكنوقراط الماليين في السودان، وإنشاء قطاع مصرفي مستقل يديره مدني. يمكن أن يشمل
ذلك بنكا مركزيا للسودان مستقلا عن كل من الأطراف المتحاربة. حدث هذا في أماكن
أخرى، بما في ذلك ليبيا وفي اليمن.
كما أن الدعم من المؤسسات المالية
الدولية سيكون حيويا. وسيحتاج السودان إلى خطة إنقاذ مالي وأموال لإعادة الإعمار،
ويجب أن يبدأ المانحون والدائنون للبلد بوضع هذه الأموال حصريا تحت السيطرة المدنية.
يتطلب تجنب المجاعة وانهيار الدولة في
السودان مساعدات إنسانية قائمة على النقد ودبلوماسية مالية حازمة. نحن مدينون بذلك
للمدنيين السودانيين الشجعان الذين أسقطوا ديكتاتورا.
الجوع يتفاقم
من جانبها، نشرت صحيفة "
وول ستريت
جورنال" تقريرا لمراسلها نيكولاس باريو، قال فيه إن السودانيين الذين
انقطع عنهم الطعام والمال يجوعون ويبحثون عن الفتات وسط الحرب المستمرة بين
الجنرالين، والتي قلبت الحياة رأسا على عقب، وأوقفت التعاملات التجارية.
وبحسب التقرير، فقد فاقم عنف الحرب
انهيار التجارة وتوقف الخدمات المصرفية التي تدار بشكل كامل من العاصمة الخرطوم
وتوأمها على نهر النيل، مدينة أم درمان.
وزادت الظروف في السودان الأوضاع في
جنوب السودان وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى سوءا.
وخسر الملايين القدرة على شراء الطعام
أو الماء، ودفع أجور النقل للخروج من السودان، بحيث تحولت العاصمة السودانية
التي كان يسكن فيها أكثر من خمسة ملايين نسمة وعملت فيها كبرى المتاجر والشركات في
البلد إلى ساحة معركة.
وفي ميناء بورتسودان الهادئ نسبيا، لا
يمكن للمستوردين تحميل البضائع من القوارب والسفن المحملة بالمواد الضرورية
والأطعمة؛ نظرا لعدم توفر المال لدفع ثمن النقل والأمور الأخرى.
ويقول نيك كوليك، تاجر السلع ومقره في
العاصمة الكينية، نيروبي، والذي يقوم باستيراد السكر إلى السودان: "في الأساس، لا توجد حركة للمال (...) لو استمر الوضع على حاله، فلن يظل في السودان طعام
وإمدادات أخرى وخلال أسابيع".
ويعاني السودان من ظرف اقتصادي حاد،
حتى قبل اندلاع القتال، حيث عانى واحد من كل ثلاثة سودانيين من الجوع، حسب برنامج
الغذاء العالمي.
وفي ظل تراجع الإمدادات، ترتفع أسعار
السلع، ما قاد برنامج الغذاء العالمي إلى إضافة 2.5 مليون شخص إلى عدد غير
القادرين على تلبية احتياجاتهم الغذائية الضرورية خلال ثلاث إلى ستة أشهر
المقبلة.
وفي مدن مثل الخرطوم وأم درمان، قام
السكان اليائسون والباحثون عن الطعام باقتحام المتاجر والأسواق المغلقة للحصول على
المواد الأساسية مثل القمح والأرز.
وقدر برنامج الغذاء العالمي في
الأسبوع الماضي حجم الإمدادات الغذائية المسروقة من المنشآت حول السودان بقيمة 60
مليون دولار ومنذ بداية القتال. وتقول الأمم المتحدة والوكالات الإغاثية إنهم
بحاجة إلى 3 مليارات دولار من أجل تقديم المساعدات الإنسانية والحماية لحوالي 25
مليون سوداني وأكثر من مليون لاجئ من دول أخرى.
وقالت وكالة
الصحة العالمية إن أكثر من
30 طفلا ماتوا بمستشفى في غرب دارفور؛ لأن السلطات فيه لم تستطع توفير المواد
الغذائية والإمدادات الطبية. ومات العشرات في دار للأيتام بالخرطوم، حسب تقارير
إعلامية محلية.
وقالت متحدثة باسم منظمة "أطباء
بلا حدود": "بات من الصعب الحصول على الطعام والسلع؛ نظرا للقتال المستمر
وانعدام الأمن والدمار". وتعتبر المنظمة واحدة من قلة لا تزال تعمل في
السودان، وخسرت الإمدادات الطبية والعربات والوقود لعصابات النهب.