تفتح النافذة في هذا المقال على موضوع بات يدرج بكثرة
في عالم اليوم المتسارع، الذي يزيد سرعته في سباق الوقت والزمن للابتكار وللإظهار
لكل أداة أو آلة أو غيرها من الوسائل المساعدة للإنسان على استكمال مسار وطريق
الحياة.
من هذا السرد يخرج إلى العلن مصطلح بات يكتسب أهمية كبيرة في حيز الحياة وطبيعتها ومنوالها
الحالي، إنه
الذكاء الاصطناعي وهو يعرّف بأنه: "مجموعة من المساعي النظرية
والتقنية التي تجتهد في تطوير البرامج المعلوماتية المعقدة القادرة على محاكاة
الذكاء البشري، لا سيما في أبرز سماته الإدراكية، كالتعقل والاستدلال والبرهنة
والتعلم والتدرب".
المهم في هذا المقال ليس عملية المحاكاة بذاتها بين
العقلين البشري والصناعي لمجرد المحاكاة فقط، وإنما المهم والأكثر أهمية تأثير هذا
المصطلح وهو الذكاء الاصطناعي على طبيعة حياة الإنسان ومسارها وبخاصة في الوطن
العربي تحديدا، فما يناسب الأمة العربية والإسلامية ليس شرطا أن يناسب أمما أخرى
والعكس صحيح، الاختلاف بين الأمم موجود وهو صفة كونية تخضع لمعايير عديدة تحدد
مقدار وكمية هذا الاختلاف والتباين.
بالعودة إلى الذكاء الاصطناعي ربما يقول قائل إنه
سيفيد الإنسان والبشر ويعطي حكما عاما ويمعن في المديح لهذا المفهوم والمصطلح، لكن
النظرة والتوضيح هنا قاصر عن البيان والتفسير الصحيح الشامل، كيف ذلك؟ إن مدح
الذكاء الاصطناعي من زاوية التقدم في العلم والمعرفة وإنه في ذاته صورتهما المشرقة
اللامعة ليس بشكل دائم ولا بنمط ومعنى مستمر ثابت الإيجابية.
بمعنى آخر يقال في منتديات الناس وحكاويهم وندواتهم أن
التوسع في استخدام هذا الذكاء الاصطناعي سيشمل إدخال الآلة التي هي من نتاجه
ومضمونه في عالم العمل والشغل بدرجة عالية، وسقف أعلى مرتبة سوف تصبح الآلة هي
اليد العاملة، هي المنجزة، هي التي تؤدي والإنسان يكتفي بالقيادة والفرجة، أو ربما
تقود هذه الآلة نفسها بنفسها بشكل ذاتي كلي.
هنا نقطة الخلاف والخوف من المجهول، بالعودة إلى مكان
الحوار والحديث ألا وهو الوطن العربي المثقل بالجراح والهموم، همومه فائضة زائدة
يكفيه منها ومن أنواعها وأصنافها، حتى تأتي الآلة بذكائها الاصطناعي وتضيف عللا وأوجاعا
على أكبر همومه وهي
البطالة، نعم البطالة تلقائيا هي في معدلات مرتفعة في أرجاء الوطن
العربي وبدل إيجاد الحلول لها تجفيفها كليا، يتم من خلال الآلة زيادة منابعها
وبالتالي المشاكل الناتجة عنها.
نعود إلى مفهوم المناسبة والصلاحية: هل الآلة والذكاء
الاصطناعي مناسب بالمعنى الحرفي لطبيعة الحياة في الوطن العربي وللأمة العربية؟
سؤال في محله ووقته، الجواب بالكلية لا هو مناسب صالح بصورة جزئية تعطي المرجو
والفائدة منه، لكن ليس بشكل شامل آلة محل يد الإنسان العاملة، أين يذهب ذلك الإنسان
بعد قطع رزقه ومصدر قوته؟ هل يبدأ بلغة الاستجداء والنداء أغيثوني.. أغيثوني؟ من
الذي سيغيث وكم عدد المغاثين بعد التوسع في منح المساحة الكاملة للآلة وذكائها
الاصطناعي؟ تلقائيا الأوضاع في دائرة الماّسي وذرف الدموع والصفنات والتوهان صار
المواطن العربي مسكينا حائرا لا يعرف كيف يجابه يكمل طريق حياته أبدا، مشاكل وصعوبات رغما عنه وليس هو السبب ولا
المتسبب فيها، هو الذي يحتار بها وبنتائجها المهلكة المدمرة.
أغلب الظن أن للبطالة علاقة بالآلة وبذكائها الاصطناعي،
كلما زاد استخدام الآلة زادت البطالة، إذن هي كاختراع كمنتج من صنع الإنسان نفسه
ليست بتلك الإيجابية الدائمة لها سلبياتها ويجب دراسة هذه السلبيات والابتعاد عنها.
البطالة ليست كلمة بسيطة ولا سهلة في مفعولها هي مهلكة
ومدمرة، خاصة في الوطن العربي والأمة العربية حيث لا أنظمة حقيقية للتضامن
الاجتماعي للتعويض لذلك الموظف والعامل إن فقدَ عمله حتى يجد غيره، وقد لا يجد
بفعل تلك الآلة، لا تعويض حقيقيا مقنع مجدٍ ولا شغل ولا عمل. إذن ضعف للمجتمع واهتزاز
وكسر في بنيته الأساسية، فرقة تمزق في ذاتية تماسكه، ما هي النتيجة؟ حتما مثلها
مثل نتيجة الحرب أو الكوارث الطبيعة الكبيرة، ضياع لماهية الحياة بالنسبة للعامل وللموظف
عندما يضيع هدفه الذي رسمه وخطط له، والآلة تسيطر، هنا يقال من كبار المسؤولين وأصحاب
القرار نحن نبني المجتمع ننهض به، أين النهوض؟ هو انحدار بهذا المجتمع نحو الهاوية
بفعل المكانة الكبيرة لهذا المنتج المسمى بالآلة، ياه الآلة بلا مشاعر ولا أحاسيس،
عامل وموظف جد واجتهد، بذل ذلك التعب المضني ليلا نهارا وصيفا شتاء لأجل عمله وشغله.
يتم تسريحه وإنهاء خدماته والبديل المتوقع آلة الإنسان نفسها ابتكرها وهي أنكرت
صنعه وجميل فكره.
ليس شرطا لأمة العرب أن تستمر بأخذ كل ما يطفو على سطح
هذا الكوكب وأرض العالم الحالي، متى تتخلص تتحرر من التبعية؟ الاستراتيجية الملائمة
والمناسبة هي ما يجب أن يُتبع ويطبق إن كانت النية سليمة خالصة للنهوض من الكبوات
من العثرات ومن الأزمات الكثيرة في أعدادها وأصنافها.
البطالة إعصار هدام. إلى متى يتم النظر إليها من زاوية
ضيقة بعيدة؟ متى تقترب العين منها لإيجاد الحل؟
ربما قلِّد وامشِ، اتبِّع وامشِ، هو منوال ساد بقوة في
دنيا العروبة، والعرب هنا يفرحون البطالة ومعها الآلة إذا بقي المنوال كما هو،
المطالب بالحقوق تستدعي بكل بساطة نيّة سليمة ومعها فكر وتفكير صحيح بعيدا عن
الارتجال والعشوائية. إن العمل بفكر وأوراق مبعثرة دون ترتيب ولا واقعية، في
حقيقته متجرد من العطاء الإيجابي من الحس من الشعور بواقع الحال بطبيعة الحياة
حاليا بصورها وأشكالها، وهذا لا يبني مجتمعا ولا يثبّت وطنا أبدا ولا يقوي الموقف
لنيل الحق والمطالبة بالحقوق الشرعية.
بلاد العرب بحالها الحالي شاهدة ودليل على هذا كله،
حان الوقت إلى العمل الجاد إلى بناء الشخصية العربية من الألف إلى الياء في أبجديات
الحياة كلها بهويتها العربية نفسها دون إضافات مستوردة متى يقل حجم الاستيراد. الآلة
والذكاء الصناعي إيجابيات من جهة وسلبيات يجب الانتباه إليها من جهة أخرى، الأخذ
هنا ليس عشوائيا بالجملة لكنه قطعا لضمان العلاج الفاعل للبطالة. أقوى خطر وأصعب
مرض يكون بالتجزئة المبنية على التحليل والبحث وحسن النقاوة والاختيار وفقا لسياسة
الملائمة والمطابقة أولا وآخرا، متسع الوقت ينفد وواقع الحال هو الراوي لفحوى
ومضمون المقال.
خلاصة القول كله: يبقى السؤال ومعه الكثير مثله من الأسئلة.