وسط تجاهل إعلامي وخفوت حقوقي وإنكار رسمي، تتزايد حالات الوفاة بين
المعتقلين المصريين بشكل مضطرد، لتسجل نحو 11 حالة منذ مطلع العام الجاري، منها 4
وفيات في أيار/ مايو الجاري وحده، لتنضم إلى أكثر من ألف وفاة بالسجون منذ الانقلاب العسكري في مصر عام 2013.
واعتبر حقوقيون تحدثوا لـ"عربي21"، أن هذه الأرقام كارثة إنسانية مؤسفة تتواصل وتتفاقم في ظل إصرار النظام على منع آلاف المعتقلين وجلهم من الإسلاميين من حقوقهم في العلاج، أو ما تصفه منظمات حقوقية مصرية ودولية بـ"الإهمال الطبي المتعمد".
"4 حالات في 12 يوما"
النائب السابق بمجلس الشورى المصري خالد سيد ناجي، الذي توفي الخميس الماضي، في سجن المنيا كان آخر تلك الحالات، التي سجلت خلال 12 يوما من أيار/ مايو الجاري 4 حالات.
سجن "القناطر1"، بالقرب من قناطر الدلتا الشهيرة على نهر النيل بمحافظة القليوبية، شهد وفاة المدير العام السابق بشركة مصر للتأمين، أشرف عبدالعليم السيد (55 عاما) في 21 أيار/ مايو الجاري.
كذلك سُجلت حالتا وفاة للمعتقل السياسي سامح محمد أحمد منصور، بمستشفى مركز بدر للإصلاح والتأهيل سيئ السمعة نتيجة الإهمال الطبي، والمعتقل مدين إبراهيم محمد حسانين (63 عاما)، وهو إمام وخطيب وداعية شرعي، وتوفي بمستشفى أسيوط في صعيد مصر.
والعام الماضي لقي 52 سجينا مصرعهم داخل
السجون المصرية، إما نتيجة الإهمال الطبي المتعمد أو البرد، أو الوفاة الطبيعية في ظروف احتجاز قاسية، بحسب رصد منظمات حقوقية.
"أكثر من ألف وفاة"
وحول أدق الإحصائيات عن عدد وفيات المعتقلين منذ العام 2013 وحتى اليوم بالسجون المصرية، أكد رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر"، الباحث مصطفى خضري، أن "نحو 1024 معتقلا منذ العام 2013، وحتى نهاية 2022".
وفي حديثه لـ"عربي21"، قال إنه بحسب رصد المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر"، فإنه "إذا أضيف لذلك العدد من توفي في زنازين الاحتجاز بأقسام الشرطة ومقرات الأمن الوطني فإنه يرتفع العدد إلى الضعف تقريبا".
وبشأن مدى تزايد أعداد الوفيات في السجون بين المعتقلين وهل هي في تناقص أم في تزايد، يرى خضري، أنه "ليس هناك نمط محدد لعدد الوفيات خلال تلك الأعوام، وإن كانت فترة انتشار فيروس (كورونا) عامي 2020 و2021، كانت الأكثر في حجم الوفيات بما يقارب الـ31 بالمئة من حجم الوفيات الإجمالي".
وفي قراءته لتلك الأرقام، كخبير في تحليل المعلومات وقياس الرأي العام، فإنه يعتقد أن "النظام المصري يحاول وضع قواعد حاكمة لأي نشاط معارض مستقبلا، حيث يرفع التكلفة التي سيتكبدها المعارض وأسرته لأعلى درجة، ما يجعل التفكير في ممارسة الحقوق السياسية مخاطرة تقلل من أعداد المعارضين وتضعف شوكتهم".
وعن السبب المباشر في تقديره لتزايد حالات الوفيات بين المعتقلين في السجون المصرية، قال إن "هناك عدة أسباب أهمها التعذيب الممنهج للمعتقلين، وارتفاع أعمار ما يقارب الـ25 بالمئة منهم عن عمر الخمسين".
"وانتشار الأمراض المزمنة في أوساطهم، ناهيك عن الأمراض التي تنتشر في السجون نتيجة سوء التغذية وافتقار أماكن الاحتجاز للمقومات الآدمية مثل التهوية الصحية وأدوات التنظيف".
وبشأن إمكانية تسليط الضوء إعلاميا على هذه القضية، وكيف يمكن وقف ذلك النزيف المستمر، قال الباحث المصري: "للأسف فإن الإعلام الدولي بشكل عام والإعلام المعارض بشكل خاص يتعاملون مع القضية من باب التعامل مع التريند".
وأوضح أنه "لا يتكلم أحد الإعلاميين إلا في حالة وفاة أحد المشاهير، ثم يخبو الحدث وتنتهي التغطية بانتهاء التريند. وحتى المنظمات الدولية التي ترفع لواء القضية؛ فإنها تستخدمها كأداة ضغط على النظام لتحقيق أهداف مموليها والدول التي تدعمها وتديرها".
"رغم الإدانة"
منظمات حقوقية مصرية قدرت عدد السجناء والمحبوسين احتياطيا بـ 120 ألف سجين، منهم حوالي 65 ألف معتقل سياسي، وبإجمالي 82 ألف سجين محكوم عليهم، و37 ألف محبوس احتياطي.
وبرغم مواصلة الإدانات الدولية والحقوقية للنظام المصري ومسؤوليه الأمنيين إلا أنها لم توقف جرائم الإهمال الطبي والقتل المتعمد.
ولا يكاد يمر شهر حتى تقدم المنظمات الحقوقية أرقامها بحصيلة الموتى خلف القضبان داخل نحو 88 سجنا، بعدما هزمهم المرض وأكلتهم الزنازين، وسط تعمد مصلحة السجون تجاهل آلامهم، ورفض طلباتهم للعلاج على نفقة أسرهم، ليهزمهم المرض، ويتواصل انفراط عقد المعتقلين السياسيين.
وقالت منظمة العفو الدولية، إن مسؤولي السجون بمصر يعرِّضون سجناء الرأي وغيرهم من المحتجزين بدواع سياسية للتعذيب ولظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، ويحرمونهم عمدا من الرعاية الصحية عقابا على معارضتهم.
وأكدت المنظمة في تقريرها الصادر 25 كانون الثاني/ يناير 2021، أن قسوة السلطات تسببت أو أسهمت في وقوع وفيات أثناء الاحتجاز، كما أنها ألحقت أضرارا لا يمكن علاجها بصحة السجناء.
"850 وفاة"
وفي حديثه لـ"عربي21"، قال الحقوقي المصري خلف بيومي، إن "أعداد القتلى بالإهمال الطبي تخطت الـ850 حالة منذ العام 2013 وحتى الآن".
رئيس مركز الشهاب لحقوق الإنسان، أوضح أنه "ارتفع رقم الوفيات حتى أيار/ مايو الجاري، لتصل إلى نحو 14 حالة وفاة، آخرها عضو مجلس الشورى السابق سيد ناجي".
ولفت بيومي إلى أن رقم قتلى الإهمال الطبي في السجون وفق تقديره (850 حالة) يعادل أو يقترب من 8 أضعاف القتل بواسطة أحكام الإعدام الصادرة طوال 10 سنوات بحق آلاف المعتقلين".
ويعتقد الحقوقي المصري أن "القتل بالإهمال الطبي في السجون، طريقة النظام الممنهجة للتخلص من معارضيه دون مساءلة من قضاء وطني أو آليات دولية"، مرجعا أسباب الوفاة إلى "الإهمال الطبي المتعمد تجاه كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة".
وقال إن "تلك الأعداد تستوجب أن يكون هناك تحرك من النائب العام المصري ووكلائه على مستوى الجمهورية باعتبارهم مسؤولين قانونا عن مراقبة السجون ومقار الاحتجاز".
وأكد أن الأمر "يستوجب أيضا مساندة ودعم السجناء واستغاثاتهم المتكررة ورسائلهم التي تحذر من ارتفاع أعداد القتلى".
في نهاية حديثه يعتقد الحقوقي المصري أنه "لن يوقف ذلك الإجرام إلا ضغط عالمي من المؤسسات الحقوقية والإعلامية والسياسية على الحكومة المصرية لوقف تلك الإجراءات التي تخالف المواثيق الدولية".
"الحبل على الجرار"
ولا يزال المئات من المعتقلين رهن الإهمال الطبي، فيما ترفض السلطات المصرية هذه الاتهامات، وتعلن وزارة الداخلية عن وجود رعاية طبية جيدة، للمسجونين.
وهو ما تشكك فيه منظمة العفو الدولية، عبر بحثها الذي شمل 16 سجنا مصريا، وكشفت فيه أن عيادات السجون تفتقر إلى الإمكانات اللازمة لتقديم رعاية صحية كافية.
وعلى سبيل المثال، يقبع المرشح الرئاسي السابق عبدالمنعم أبو الفتوح، المعتقل منذ شباط/ فبراير 2018، وسط معاناته مع مرض السُكري وارتفاع ضغط الدم وتضخم البروستاتا، ورفض سلطات السجن مرارا طلبه بتلقي العلاج على نفقته.
ومات الرئيس الراحل محمد مرسي، 17 حزيران/ يونيو 2019، بذات الطريقة وهي القتل البطيء بالإهمال الطبي المتعمد، وفق ما أكدته منظمات حقوقية حينها.
وهي الطريقة، التي مات القيادي بجماعة الإخوان المسلمين عصام العريان بها، في 13 آب/ أغسطس 2020، وسط رفض جهاز الأمن الوطني نقله لمعهد أمراض الكبد.
وتوفي المرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف، في سجن طرة عام 2017 نتيجة الإهمال الطبي.
"لأنهم إسلاميون"
وفي تعليقه، قال الحقوقي والإعلامي المصري هيثم أبو خليل، إن ما يحدث للمعتقلين في السجون "كارثة إنسانية متواصلة نتيجة سوء الاحتجاز، والإهمال الطبي المتعمد، ونتيجة صمت الحقوقيين للأسف الشديد والساسة أيضا، لأن أغلب المعتقلين من خلفية إسلامية".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد أن "هذا شيء مزعج جدا، أغضبني بشدة، لأن فيه انتقائية شديدة، ولأن الإنسانية لا تتجزأ، والحقوقي خاصة كالطبيب يعالج كل البشر دون النظر لجنسهم وشكلهم ولونهم ومعتقداتهم وهويتهم".
وأضاف: "أمر مؤسف عندما تجد جمعا من الحقوقيين والإعلاميين يدعمون ملحدا أو ذا توجه ليبرالي أو حتى شاذا جنسيا وتجد حولهم تعاطفا شديدا جدا.. والتساؤل حول أي انتهاك يطالهم؛ لكن الإسلاميين يتم فرمهم".
وأعرب عن تعجبه من أن "4 معتقلين من الإسلاميين ماتوا بالسجون خلال 12 يوما بفعل الإهمال الطبي المتعمد ولم نر تعاطفا من الأسماء الحقوقية والليبرالية الكبيرة من الداخل، وحتى بالخارج ومن المعارضة التي لها قصة أخرى مع الغفلة التامة".
وتساءل أبو خليل: "بعد كل تلك الأوضاع، ما الذي يمنع موت المعتقلين بالسجون؟"، بل سيموت الأكثر والأكثر، والرئيس الراحل محمد مرسي توفي، والدكتور عصام العريان توفي، وغيرهم، ولم يتحرك أحد".
وتابع: "للأسف الشديد هناك تقصير فاحش، والمفروض عند حدوث شيء للمعتقلين السياسيين أن تقوم الدنيا ولا تقعد، ويكون هناك ثمن لهذا الكلام، لكن للأسف أن الجميع منشغلون بأشياء ليست أهم من أرواح 60 ألف معتقل يواجهون أسوأ ظروف".
"تأشيرة الأمن الوطني"
وقال الحقوقي المصري أحمد العطار: "رصدت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان وغيرها من المنظمات المصرية والدولية على مدار السنوات العشر الماضية ووثقت المئات من حالات الوفاة بالسجون وأماكن الاحتجاز قاربت على الألف حالة".
المدير التنفيذي للشبكة المصرية لحقوق الإنسان، أوضح لـ"عربي21"، أن "تلك الحالات لمعتقلين سياسيين ماتوا نتيجة ظروف الاحتجاز القاسية، وعدم توافر الحد الأدنى من السلامة والرعاية الصحية".
"بل والتعنت الذي يصل حد رفض إدارات السجون بأمر ضباط الأمن الوطني علاج المعتقلين السياسيين، وفق ما يسمى بتأشيرة الأمن الوطني، بل ترك المرضى حتى تسوء حالتهم الصحية، وقبيل أن يلفظوا أنفاسهم الأخيرة يُسمح لهم بالذهاب للمستشفى"...
"بالإضافة لعدم السماح لذوي المرضى وكبار السن بإدخال العلاج، ما أدى لتدهور الحالة الصحية للكثيرين، ووقوع مئات المعتقلين ضحايا إجراءات قاسية ومن ثم وفاتهم"، بحسب العطار.
وأكد أنه "من خلال ما قمنا برصده وتوثيقه في الشبكة المصرية لحقوق الإنسان، فإن العوامل التراكمية التي يعاني منها المعتقل السياسي تؤدي في النهاية إلى ارتفاع حالات الوفاة من عام لآخر، وغالبية ضحايا هذه الإجراءات هم الفئة العمرية من كبار السن والمرضى".
وقال الحقوقي المصري، إن "سياسة الإفلات من العقاب وعدم محاسبة المتورطين من ضباط وزارة الداخلية هي السبب، وخاصة الأمن الوطني والذين يتحكمون فعليا بالسجون وأماكن الاحتجاز، وفي إجراءات إخلاء سبيل وحبس المعتقلين السياسيين".
وختم العطار: "وهنا سيتضح لنا تهاون بل تواطؤ النيابة العامة في عدم التفتيش الحقيقي والفعلي على السجون وترك المعتقلين فريسة وضحية الإجراءات القاسية الظالمة، والتي بالتأكيد ستؤدي لوقوع مزيد من الضحايا مستقبلا".
"أرقام وإحصائيات"
ووفق إحصاءات، "مركز الشهاب لحقوق الإنسان"، فهناك 46 مصريا قضوا بالسجون ومقار الاحتجاز عام 2021، ليشهد العام 2020 وفاة 73 سجينا، وقبلهم 40 شخصا عام 2019، و36 بالعام 2018، و80 في 2017، و121 عام 2016، و185 في 2015، و166 عام 2014، و73 في 2013، بإجمالي 820 مصريا خلال تلك الفترة.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، وثقت منظمات حقوقية، 1095 حالة وفاة لمعتقلين بالسجون ومقار الاحتجاز المصرية، منذ الانقلاب العسكري عام 2013، نحو 15 بالمئة منهم في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور و85 بالمئة في عهد رئيس النظام عبدالفتاح السيسي.
ووفق منظمة "كوميتي فور جستس"، كان السبب الأول للوفاة الحرمان من الرعاية الصحية بنسبة تفوق الـ70 بالمئة، فيما كان التعذيب سبب وفاة 13 بالمئة، كما شكل سوء أوضاع الاحتجاز 2.7 بالمئة.
وفي 2021، وحدها، ووفق إحصاءات منظمة "نحن نسجل"، توفي 60 محتجزا بالسجون ومقار الاحتجاز المصرية، بينهم 52 سجينا سياسيا و8 جنائيين، بينهم 6 أطفال.
وفي 2022، رصدت منظمات حقوقية وفاة 5 مصريين بمراكز ومقار الاحتجاز في تشرين الثاني/ نوفمبر، وتوفي اثنان في تشرين الأول/ أكتوبر، و4 في أيلول/ سبتمبر، و6 في آب/ أغسطس، و7 في تموز/ يوليو، وواحد في حزيران/ يونيو، و6 مصريين محتجزين في أيار/ مايو، و3 في نيسان/ إبريل، ومثلهم في شباط/ فبراير، و2 في كانون الثاني/ يناير، ليبلغ العدد نحو 38، بالإضافة إلى وفيات كانون الأول/ ديسمبر.