لا تصدق من يقول لك إن هناك غضبا مكتوما
من
المصريين على وطنهم أدى إلى عزوف العاملين منهم في الخارج عن تحويل أموالهم إلى
الداخل حيث الأهل والأرض وستر البنات، فلا يوجد مغترب لديه ضمير يحمل لتراب الوطن
إلا كل خير فلم يفقد المصريون إنسانيتهم رغم كل المحاولات لتركيع اقتصادهم وبلدهم.
والأجدى لمن يدير الملف البحث عن الأسباب الحقيقية التي
جعلت حصيلة
تحويلات المصريين بالخارج خلال النصف الأول من العام المالي 2022ــ2023
تتراجع إلى 12 مليار دولار مقابل 15.6 مليار دولار في نفس الفترة من العام المالي الماضي
بمعدل خفض وصل إلى 23% بما يُضاهي 3.6 مليار دولار وهو ما يزيد على قيمة برنامج
موقع مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر 2022، مقسم على 9 شرائح حتى سبتمبر 2026
ومراجعة مرتين كل عام، أقربها بحلول يونيو المقبل، برنامج أدخل العبوس إلى وجه كل
المصريين وأصبح مرادفا لكل نكد، الحفاظ على متوسط عوائد المصريين في الخارج فقط
كان قادرا على إخماد الغضب وإعادة الثقة.
تراجع التحويلات يستهدف في المقام الأول الاقتصاد المصري
وتعثره. طالما شكلت تلك الحصيلة مع قناة السويس وإيرادات السياحة ملاذا آمنا يقلل
من الإضرابات المتعمدة لإضعافه، فالتحسن في إيرادات السياحة الأخير بنحو 25% محققة
نحو 7.3 مليار دولار خلال النصف الأول من العام يتآكل بسب انهيار التحويلات
القادمة من الخارج والتي كانت دائما مؤشرا على القدرة على سداد الديون والوفاء
بالالتزامات، حيث تعد تلك الحصيلة لسنوات طويلة هي الأكثر تأثيرا على تدفقات النقد
الأجنبي في مصر.
هناك جهات في الدولة عليها البحث عن أسباب التراجع والعمل
على عودة تلك الحصيلة كما كانت فهل هناك أصعب من عام 2011 /2012 حيث سيولة الأحداث
والإضرابات وعدم الاستقرار فقد وصلت الحصيلة خلال تلك الفترة نحو 18 مليار دولار،
وفي 2014 ــ 2015 مع إعلان برنامج الإصلاح الاقتصادي بلغت قيمة التحويلات 19.3
مليار دولار، وسجلت قيمة التحويلات خلال العام المالي 2016ــ2017 نحو 21.8 مليار
دولار، وذلك عقب قرار الحكومة المصرية تعويم الجنيه أمام الدولار في نهاية عام
2016 فمن غير المقبول أن تقل الحصيلة إلى ما هي عليه الآن إلا لو كانت هناك أطراف
تعمل على فقدان مصر شريانا هو الأهم في النقد الأجنبي وجب علينا مجابهتها بكل ما
نملك من أدوات.
هناك من يتحدث عن وجود شبكات واسعة من المعاملات في دول
الخليج تتم خارج الإطار الرسمي أدت إلى ضعف التحويلات وإن كانت موجودة وقائمة فما
دور الجهات المعنية في محاربة تلك الظاهرة التي تهدد سلامة اقتصاد يبحث عن
الانتشال من الغرق، فلم يلجأ هؤلاء إلى تلك الشبكات إلا بعد الفشل في خلق أوعية
ادخارية سواء من شهادات وحسابات مصرفية أو أراض ووحدات سكنية بمزايا تجعلهم يشعرون
بالأمان على «شقى السنين» فأغلبية المغتربين شغلهم الشاغل بعد مصروفات الأهل
وتعليم الأولاد الحصول على فائدة مناسبة في حالة إيداع أموالهم في بنوك محلية أو
سكن يكون ثمرة الاغتراب.
السفارات ومكاتب القوى العاملة والهجرة وقبلها البنوك هي الجهات
التي يجب أن تتحرك في الخارج لضمان استمرار تلك الحصيلة والمرشحة للأسف للانخفاض في
حالة عدم القدرة على إيجاد فرص جاذبة توقف خطر التراجع وهو لو تعلمون عظيم، وللأسف
المبادرات المقدمة إليهم في الفترات السابقة تفتقر إلى كثير من الجذب وبها كثير من
العيوب عند التنفيذ.
البنوك كانت أكثر نشاطا في السابق مما هي عليه الآن من
تحركات من خلال الفروع الموجودة في الخارج أو شبكات المراسلين والاتفاقيات مع
البنوك المراسلة وعقد اجتماعات مع الوفود المصرية لجذب عوائد تؤكدها الأرقام في
السنوات السابقة، ولكن ما حدث في آخر تقرير يرصد تراجعا كبيرا في تحويلات العاملين
في الخارج يؤكد على وجوب تصحيح المسار والبحث عن آليات لا تجعل مصر تفقد مكانتها في
هذا الرافد حيث نتواجد ضمن أعلى خمس دول متلقية للتحويلات المالية من الخارج، بحسب
تقارير صادرة عن مؤسسات دولية حيث تمثل تحويلات المصريين في الخارج 7% من إجمالي
الناتج المحلى.
فلا يجب أن ننظر إلى تراجع تلك الحصيلة بالتجاهل ولابد أن
نقرأه كمؤشر خطر ويجب أن يتم علاجه، فالجلوس وراء المكاتب المكيفة دون خلق آليات
وتواصل وعمل حقيقي يزيل الخطر نوع من إغفال الضمير وعبث بمقدرات الوطن فالحفاظ على
الرافد الأقل تكلفة في توليد العملة الصعبة ليس ترفا. ابحثوا عن محفزات تقدم لهم
واقضوا على أسباب العزوف ولا تنسوا أنهم قد بنوا معنا في وقت العوز.
(الشروق المصرية)