نشر موقع "ليتريري هاب" الأمريكي مقال رأي للأستاذة في علم الآثار الكلاسيكي ناويز ماك سويني تحدثت فيه عن جذور الحضارة
الغربية والخرافات التي تدور حولها.
وقالت الكاتبة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه بصفتها أستاذةً في علم الآثار الكلاسيكي فهي تنفي كل الأساطير القائلة إن الإغريق القدماء هم مؤسسو الحضارة الغربيّة. لكن الغرب الحديث ليس وريث التقاليد الثقافية التي روّجت لها الحداثة الأطلسية وعصر التنوير وعصر النهضة في أوروبا ثم فترة القرون الوسطى وحتى أمجاد اليونان الكلاسيكية وروما.
وأكدت الكاتبة أنه بالنسبة لمعظمنا يبدو من الطبيعي والمنطقي ربط التاريخ الغربي بهذه المفاهيم، وافتراض أن الغرب الحديث هو الوصي على ميراث متميز انتقل عبر نوع من الجينولوجيا الثقافية التي نشير إليها عادة باسم "
الحضارة الغربية". وتعتبر هذه النسخة من التاريخ هي السائدة وترد في الكتب المدرسية الشعبية، ويُروّج لها ضمنيًا في قصص الأطفال وأفلام هوليوود، ويتحدث عنها بشكل علني المُعلقون من كلا الجانبين من الطيف السياسي. لكن هذه الرواية من التاريخ في الحقيقة مُحرفة وزائفة.
تشير الأبحاث - حسب الكاتبة - إلى رواية مختلفة من التاريخ الغربي تكشف مدى تنوع الإغريق والرومان القدماء الذين لم يكونوا من البيض في الغالب ولم يكونوا أوروبيين كذلك. لم يكن رهبان أوروبا الغربية، الذين كانوا ينسخون المخطوطات اللاتينية بشق الأنفس في نصوصهم، الورثة الوحيدين لثقافة العصور الوسطى.
كان تجار السودان في القرن الرابع عشر الميلادي يمارسون تجارتهم في بلاد اليونان وكذلك النحاتون البوذيون في شمال الهند والباكستان، التي استمدت إلهامها من التقاليد الفنية للممالك الهندية اليونانية. وعندما يتعلق الأمر بالعلوم فإن بغداد - عاصمة الخلافة العباسية - كانت أكبر مركز للتعليم الكلاسيكي في العصور الوسطى، حيث اندمج الفكر الكلاسيكي مع التطوّرات الفلسفية والعلمية الجديدة المستمدة من جميع أنحاء آسيا وأفريقيا وأوروبا. وببساطة، فإن التاريخ الحقيقي للغرب أكثر ثراءً وتعقيدًا بكثير مما يعترف به السرد التقليدي السائد للحضارة الغربية، وهو بمثابة نسيج ذهبي مكون من شعوب وثقافات وأفكار متنوعة معًا على مرّ القرون.
وأوضحت الكاتبة أن مفهومنا عن الحضارة الغربية خاطئ بشكل واضح، وثبُت أنه غير صحيح من الناحية الواقعية من خلال البحث التاريخي والأثري المتزايد. فلماذا لا زلنا نتشبث بنسخة من التاريخ الغربي ندرك جيدا أنها زائفة؟
ذكرت الكاتبة أن جذور هذه الرواية تعود إلى عصر النهضة عندما بدأ المفكرون الأوروبيون البحث بشكل مكثف في موروث العصور القديمة اليونانية والرومانية. لكن فكرة "الغرب" المُتّحد والمتماسك ترتبط بتراثه الكلاسيكي المشترك، والمسيحية، ولم تلعب الجغرافيا المشتركة دورا في هذا الترابط إلا بعد عدة قرون. وفي أواخر القرن السادس عشر، كانت هناك محاولات لبناء تحالف بين القوى البروتستانتية في شمال أوروبا والإمبراطورية العثمانية المسلمة، ضدّ أعدائهم المشتركين، وهم الكاثوليكيون في وسط أوروبا وجنوبها - مما ساعد على تكوين تحالف حضاري مختلف تمامًا.
ومع توسّع الإمبريالية الأوروبية في الخارج على مدار القرن السابع عشر، بدأ مفهوم الغرب الأكثر تماسكًا في الظهور، حيث تمّ نشره كأداة مفاهيمية للتمييز بين نوع الأشخاص الذين يمكن استعمارهم بشكل شرعي. ومع ظهور الاختراعات الغربية جاء اختراع التاريخ الغربي، الذي قدّم مبررا تاريخيًا للهيمنة الغربية.
ووفقًا لرجل القانون والفيلسوف الإنجليزي فرانسيس بيكون، لم يكن هناك سوى ثلاث فترات من التعلّم والحضارة في تاريخ البشرية "واحدة بين الإغريق، والثانية بين الرومان، والأخيرة بين دول غرب أوروبا". وبينما تشكّل تاريخ الغرب في العواصم الإمبراطورية لأوروبا في القرن السابع عشر، فإن فكرة الحضارة الغربية ولدت في القرن الثامن عشر في ساحات معارك أمريكا الشمالية الثورية.
من آدامز إلى واشنطن، استلهم الآباء المؤسسون أفكارهم من الفكر الكلاسيكي، ليس فقط لحماستهم الثورية، وإنما أيضًا لكيفية تبريره للتناقضات التي تشوب الحركة الثورية مثل عبودية السود. لقد كان الإرث المتميز للحضارة الغربية والارتباط الثقافي والفكري للعرق الغربي، هو الذي برر المعاملة التفضيلية لمجموعات مختلفة من الأمريكيين.
وأشارت الكاتبة إلى أن الحضارة الغربية ليست مجرد أسطورة اخترعناها من محض خيالنا رغم معرفتنا بأنها خاطئة من الناحية الواقعية، بل هي أسطورة تم اختراعها لتبرير العبودية والإمبريالية والقمع. لقد خدمت الاحتياجات الأيديولوجية في العصر الذي اختُرعت فيه، وهي تعكس القيم الأساسية للمجتمع الذي اختقلها.
وأوضحت الكاتبة أن الغرب الحديث اليوم لا يمتلك القيم الأساسية ذاتها التي كان يؤمن بها قبل ثلاثمائة سنة. نحن لا نحتاج إلى أسطورة تتعارض بشكل أساسي مع القيم الغربية المعاصرة مثل الديمقراطية الليبرالية وسيادة القانون والمساواة في حقوق الإنسان تستمد جذورها من مبادئ الإمبريالية وتفوق البيض. وإذا أردنا تعزيز الهوية الغربية حول قيمنا الغربية الحديثة فنحن بحاجة إلى هدم أسطورة الحضارة الغربية.
وخلصت الكاتبة إلى أن التاريخ الحقيقي للغرب ينبغي أن يكون مدعومًا بحقائق تاريخية فعلية. وتعتبر هذه الخطوة معقدة لأنها تتعارض مع ما جاء في التواريخ التقليدية ولن تحدث سوى من خلال تبادل الثقافات بدلا من الاكتفاء بالخصائص المتأصلة لكل بلد.
للاطلاع إلى النص الأصلي (
هنا)