قال الباحث والمحلل الاقتصادي وليد أبو هلال، إن تطورات الحرب التجارية بين أمريكا والصين، وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ساهمت بشكل كبير في تزايد التكهنات المتشائمة بشأن مستقبل
الدولار الأمريكي خلال الفترة المقبلة.
وأوضح أبو هلال في تحليل نشره بموقع
"ن بوست"، أن
الصين وروسيا تتزعمان التكتل المناهض للدولار، والذي يسعى لعالم متعدد الأقطاب، وتدشين نظام نقدي عالمي جديد بعيدا عن هيمنة الدولار الأمريكي على غالبية التجارة العالمية.
ورغم استبعاد أبو هلال حدوث انهيار للدولار في المدى القريب، لكنه حذر من التداعيات السلبية المحتملة على الاقتصاديات والعملات العربية والخليجية حال انهيار الدولار، وفيما يلي نص التحليل:
يكثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن قرب انتهاء عصر الدولار الأمريكي كعملة احتياطي عالمي، وذلك في ضوء تطورات الحرب التجارية بين أكبر اقتصادَين في العالم: الولايات المتحدة والصين، وكذلك مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وما تبعها من عقوبات قاسية فُرضت على
روسيا من قبل الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.
ما هي حقيقة انهيار الدولار؟
تتزعّم كل من الصين وروسيا التكتل الذي يسعى لعالم متعدد الأقطاب، وإلى نظام نقدي عالمي جديد، وجاءت هذه التطورات بعدما أسرفت الولايات المتحدة في استخدام ميزة كون الدولار عملة احتياطي عالمي مهيمنة على كل العملات الرئيسية، في تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية.
ويمكن القول إن هذا التكتُّل المناهض للدولار قد بدأ بالفعل خطوات نحو تحقيق هدفه المنشود، ولو على المدى المتوسط، سواء كان ذلك من خلال تخفيض الاحتياطيات النقدية من الدولار الأمريكي لدى الدول المشاركة في هذا التكتل، أو من خلال استبعاد الدولار في إنجاز التجارة البينية فيما بينه وأطراف أخرى أيضًا، إضافة إلى السعي مؤخرًا لتبادل مصادر الطاقة فيما بينه بعملاته المحلية.
وقد دخلت المملكة العربية السعودية على هذا الخط، إذ أعلنت بشكل مبدئي أنها لا تمانع بيع النفط للصين، وهي أكبر مشترٍ للنفط السعودي باستخدام عملة اليوان الصيني.
تشير الأرقام والإحصاءات إلى أن الدولار لن يتزحزح عن عرشه في المدى القريب، أي خلال السنوات الخمس القادمة، نظرًا إلى ما تمتاز به الولايات المتحدة، فبجانب قوة الاقتصاد الأمريكي وتنوعه المدعوم بقوة عسكرية هي الأعظم في العالم وتحالفات ثنائية راسخة، يكفي أن نشير إلى بعض الأرقام والبيانات الخاصة بالدولار كعملة.
- يسيطر الدولار الأمريكي على أكثر من 45% من إجمالي التجارة البينية فيما بين دول العالم.
- 60% من قيمة الاحتياطيات النقدية لدى البنوك المركزية في العالم هي بالدولار الأمريكي، إما على شكل عملة وإما استثمارات في سندات الخزانة الأمريكية.
- أكثر من نصف الديون السيادية في العالم تتم بالدولار الأمريكي.
- يبلغ حجم التبادلات المالية عمومًا التي يكون الدولار أحد طرفَيها حوالي 90%.
- ترتبط عملات دول كثيرة بالدولار الأمريكي، ففي الشرق الأوسط ترتبط بشكل مباشر بالدولار الأمريكي عملات كل من السعودية، قطر، الإمارات، عُمان، البحرين، الأردن ولبنان، كما أن الجنيه المصري يرتبط بشكل غير مباشر بالدولار، حتى مع الجهود التي تُبذل لتعويم الجنيه بشكل حرّ.
دول أخرى في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا تربط عملاتها بالدولار الأمريكي، سواء مباشرة أو بشكل غير مباشر، حتى اليوان الصيني ورغم تعويمه على الورق فإنه يبقى مرتبطًا بالدولار بسبب تدخُّل الدولة بوضع حدود لارتفاعه أو انخفاضه مقابل الدولار، وعدم السماح لقوى العرض والطلب بحرية تحديد سعر صرفه مقابل الدولار الأمريكي.
- يتمتع الدولار حصرًا بتسعير وتسديد أثمان مصادر الطاقة والمعادن النفيسة، ويكفي أن نذكر أنّ صادرات منظمة أوبك بلغت حوالي 570 مليار دولار عام 2021.
ورغم أن الانهيار ليس قريبًا كما يبدو من الأرقام أعلاه، إلا أن على العالم ومن ضمنه الدول العربية أن يستعدّ لهذا التغيير ولو على المدى المتوسط (10-25 عامًا).
ما هي الآثار التي سيخلّفها انهيار الدولار المحتمل على الاقتصادات والعملات العربية؟
الآثار المتوقعة لانهيار الدولار الأمريكي المحتمل على العالم العربي تتعلق بتأثُّر العملات العربية المرتبطة بالدولار من ناحية، ومن ناحية أخرى تأثر احتياطيات البنوك المركزية العربية.
إذ تتنوع الاحتياطيات النقدية والسلعية لدى الدول العربية ما بين الذهب/ نقد مودع في بنوك أجنبية/ سندات أو شهادات استثمار بالعملة الأجنبية، بالإضافة إلى حقوق السحب الخاصة التي يصدرها صندوق النقد الدولي، فمثلًا:
- تمتلك المملكة العربية السعودية سندات خزانة أمريكية بقيمة 118 مليار دولار، وهو أقل قليلًا من رُبع احتياطي المملكة، ويشكّل أكثر من 10% من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة.
- أما دولة الإمارات العربية المتحدة فلديها أصول احتياطية تبلغ 135 مليار دولار، أكثر من 90% من هذا الاحتياطي عبارة عن نقد وسندات في الخارج، فحسب موقع Statista تمتلك الإمارات 65 مليار دولار من هذا الاحتياطي كسندات خزانة أمريكية، وهو رقم كبير ويشكّل تقريبًا نصف احتياطي البلاد، وحوالي 13% من حجم الاقتصاد أو الناتج المحلي الإجمالي للدولة.
- دولة الكويت هي الأكثر حيازة لسندات الخزانة الأمريكية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، إذ تبلغ قيمة سندات الخزانة الأمريكية التي يمتلكها الأشقاء في الكويت حوالي 47 مليار دولار، بنسبة أكثر من 20% من حجم الاقتصاد/ الناتج المحلي الإجمالي.
طبعًا هذا بخلاف الودائع النقدية بالدولار لدى البنوك الأمريكية، لذلك إن انهيار الدولار سيؤدي أولًا إلى انهيار أو انخفاض قيمة السندات المملوكة للدول أعلاه، وحتى قيمة الودائع بالدولار الأمريكي ستنخفض بطبيعة الحال إذا انهار الدولار الأمريكي مقابل العملات الرئيسية، كاليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني والذهب.
وبالنسبة إلى بقية الدول العربية فالحال نفسه، خصوصًا مع الدول التي ذكرنا أنها تربط عملاتها بالدولار الأمريكي، فهي أيضًا تحتفظ بودائع بالدولار الأمريكي، لذلك أي انتكاسة للدولار ستؤثّر بالضرورة على عملات هذه الدول، فهي، أي العملات، ترتفع مع ارتفاع الدولار وتنخفض مع انخفاضه مقابل العملات الرئيسية والذهب طبعًا.
ما العمل؟
لمواجهة احتمالية تزعزع مكانة الدولار، سواء على المدى القريب أو حتى المتوسط، لا بدَّ لهذه الدول من اتخاذ بعض الخطوات المهمة، منها:
أولًا: على الدول العربية وتحديدًا الخليج البدء ولو بشكل تدريجي بتخفيض قيمة استثماراتهم في السندات الأمريكية، ولنا في الصين مثال إذ خفضت حيازتها من السندات الأمريكية من 1.60 تريليون إلى حوالي 850 مليار دولار خلال العقد السابق، لصالح سندات اليورو أو الين واليوان أو حتى في أسهم الشركات متعددة الجنسيات في الدول الصناعية والصين، عوض البقاء تحت رحمة قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) عندما يستخدم أدواته النقدية برفع أسعار الفائدة، كما تابعنا خلال العام الفائت، ما أدّى إلى انخفاض أسعار سندات الخزانة الأمريكية القديمة.
ثانيًا: على الدول العربية أن تزيد من نسبة الذهب كمكوّن في الاحتياطيات النقدية لديها، إذ إن الذهب مرشّح قوي ليلعب دورًا مهمًّا في مستقبل العملة العالمية الموحدة إذا ما كُتب لها النجاح، ولهذا نجد أنه وحسب مجلس الذهب العالمي ارتفعت حمّى شراء الذهب خلال شهرَي يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط من هذا العام، لتبلغ 125 طنًّا كان معظمها لدول مناهضة لهيمنة الدولار الأمريكي.
ثالثًا: ثم يجب العمل على تنويع احتياطيات البنوك المركزية العربية، بحيث تحتوي على سلة من العملات الرئيسية ومن ضمنها اليوان الصيني، ومن ناحية أخرى النظر بأن تتحول الدول العربية التي تربط عملتها بالدولار إلى الربط بسلة من العملات الرئيسية، كالكويت مثلًا.
رابعًا: لا بدّ لدولنا الخليجية (والعربية) من الانضمام إلى التكتلات الاقتصادية الكبيرة في العالم، وعلى رأسها تكتل بريكس، وقد تنبّهت كل من المملكة العربية السعودية والجزائر ومصر والإمارات لأهمية هذا التكتل، لذلك اتخذت خطوات باتجاه الانضمام إلى تكتل بريكس، ونتمنى على باقي دولنا العربية اتخاذ التوجه نفسه.
فالتكتل المذكور بصدد إصدار عملة موحّدة تتعامل بها الدول المكوِّنة له، وهذا بحدّ ذاته يجعل الدول العربية بمنأى عن التطورات الخاصة بالدولار، خصوصًا أن بعض المعلومات القليلة ذكرت أن النية لدى الدول الأعضاء تتجه إلى ربط عملة بريكس القادمة بالذهب.