تقارير

كتاب يفكك واقع "الإسلام السياسي" في الأردن وتأثيرات الربيع العربي وما بعده

أفرد الكتاب مساحة للحديث عن سمات البيئة السياسيّة المحيطة بالحركات الإسلامية
يغوص كتاب (الإسلاميون في الأردن.. الدين، الدولة، المجتمع) في عمق جماعات الإسلام السياسي في الأردن بعد بروز مرحلة الربيع العربي والتحولات التي حملتها.

الكتاب من إصدار مؤسسة "فريدريش إيبرت" مكتب عمان والعراق، وكتبه ثلاثة من أبرز الباحثين في مجال جماعات الإسلام السياسي (محمد أبو رمان، وحسن أبو هنية، وعبد الله الطائي)، وجاء الكتاب في ستة فصول، قدم الفصل الأول من الكتاب وجبة للقارئ لفهم واقع الإسلام السياسي في الأردن، لينتقل في فصلهم الثاني إلى جماعة الإخوان المسلمين ومحطة الربيع العربي وما تلاها من هجمة مرتدة على حركات الإسلام السياسي وبروز الانشقاقات داخل الجماعة.

يذهب الكتاب -الذي حصلت "عربي21" على نسخة منه- أيضا إلى أحزاب ما بعد الإسلام السياسي بين الصدام والتحالف مع السلطة، ويسلط الضوء على تجارب حزبية انشقت من رحم جماعة الإخوان المسلمين الأم كحزب زمزم وحزب الشراكة والإنقاذ الذي يقوده المراقب العام الأسبق سالم الفلاحات الذي كان قد وصف حزبه في حوار سابق مع "عربي21" أنه "حزب يمثل كل التوجهات السياسية".

ولم يغفل الكتاب واقع السلفية التقليدية والتكيف مع سياسات ما بعد الربيع العربي، ويتناول مدرسة الألباني مثالاً، وتوسع الكتاب في السلفية الجهادية وتناول الخط الزمني لصعود داعش وانهيارها وانعكاس ذلك على التيار الجهادي في الأردن، وخصص الكتاب فصله الأخير لحزب التحرير المحظور في الأردن وتصلب الأيدلوجيات في سياق الثورة والديمقراطية.

زيارة جديدة لحقل الإسلام السياسي

وحسب الكاتب والباحث د.محمد أبو رمان يأتي هذا الكتاب بمثابة "زيارة جديدة لحقل الإسلام السياسي أو الجماعات والتيارات الدينية في الأردن، مع استدخال الفاعلين المتدينين في الفضاء العام. فنحن معنيون هنا بدراسة الحراك الإسلامي منذ العام 2013، أي بعد بروز مرحلة الربيع العربي والتحولات التي حملتها على صعيد مسار العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين الأمّ والسلطة السياسية، وعلى مسار صعود جمعية الإخوان المنشقة الجديدة، وظهور تجارب ما بعد الإسلام السياسي. وعلى صعيد تيار داعش في صعوده وانتهاء دولته والانقسامات والصراعات في أوساط السلفية الجهادية في الأردن وتحولاتها البنيوية".

يتابع: "إلى جانب التحول في السياسات الدينية للدولة من الحياد الديني إلى تبني خطاب يدعم توجهات أشعرية صوفية على حساب التيار السلفي التقليدي، وليس انتهاءً ببروز ظاهرة "الإسلاميين الإلكترونيين، الذين يتجاوزون كثيرًا في تأثيرهم ما تقوم به العديد من الأحزاب التقليدية في تأطير النقاش العام أو التأثير على السياسات الرسمية. في محاولة لمراجعة الإطار المفاهيمي ومناهج الاقتراب من "الظاهرة الإسلامية".

الإخوان المسلمون.. من طموحات الربيع العربي إلى التمسك بالوجود

ويتناول الكتاب كيف حاولت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن كسر قواعد اللعبة التقليدية مع النظام خلال مطالب تدفع نحو تقليص صلاحيات الملك من خلال تعديلات دستورية (أهمها إلزامه بتعيين رئيس وزراء الحزب صاحب الأغلبية في البرلمان، واختيار مجلس الأعيان وليس تعيينه). وبنت الجماعة رهاناتها على ما أحدثه الربيع العربي.

وتتبع الكتاب في هذا الفصل تحولات وتطورات جماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي في مرحلة ما بعد الربيع العربي، من خلال ثلاثة اتجاهات رئيسية؛ العمل السياسي والعلاقة مع النظام، وتطور الخطاب الأيديولوجي، وأخيرًا الحراك التنظيمي داخل الجماعة والحزب.

على صعيد العلاقة مع النظام السياسي والمشاركة في العملية السياسية، واصلت الحركة حضورها السياسي سواء بالاندماج أم المقاطعة، ففي حين قاطعت انتخابات 2013، لكنها شاركت في الانتخابات التي تلتها عام 2016 وعام 2020، وقاطعت الانتخابات البلدية واللامركزية في العام 2022 وانسحبت من انتخابات نقابة المهندسين في 2022، لكنها شاركت في نقابة المحامين وفازت بها عام 2022، وبرغم هذا النشاط السياسي الملحوظ خلال الفترة الماضية إلاّ أنّ العلاقة مع النظام شهدت قفزة كبيرة بالاتجاه السلبي بعد الربيع العربي. وتعمق ما أطلقنا عليه "الأزمة المستدامة" ودخلت مرحلة جديدة أبرز معالمها إلغاء الوضع القانوني للجماعة واستبدال جمعية جديدة بالاسم نفسه بها، وتعمقت أزمة الثقة بدرجة كبيرة، وأصبح الموقف ضد الحركة الإسلامية بمثابة "عقيدة" في مؤسسات النظام، بوصف الحركة الخصم الرئيس في الداخل.

وتطرق الكتاب للحراك الداخلي والتنظيمي في الجماعة والحزب، وما شهدته فترة ما بعد 2013، من تطورات كبيرة أبرزها النزوح الجماعي لقيادات وشباب ما سمي بالجناح المعتدل من الحركة باتجاه تأسيس تجارب جديدة (مثل جمعية الإخوان المسلمين الجديدة، وحزبي زمزم والشراكة والإنقاذ). لكن سرعان ما أعاد الحراك الداخلي تشكيل الفضاء التنظيمي عبر تطور مراجعات ومواقف بعض قادة الحركة، نحو تبني المقاربة البراغماتية والتحالف مع من تبقى من "جناح الحمائم" و"تيار الصقور".

أحزاب ما بعد الإسلام السياسي.. خيارات التحالف والصدام مع السلطة

توسع الكتاب تحت هذا العنوان بحركات الخروج والانشقاق والفصل في أوساط جماعة الإخوان المسلمين، مقدما تسلسلا زمنيا بدأ بالإعلان عن مبادرة زمزم في ذلك العام، ثم التأسيس لجمعية جديدة تحمل اسم الإخوان المسلمين، بقيادة المراقب العام الأسبق، عبد المجيد ذنيبات، في العام 2015، ولاحقًا الإعلان عن نيّة تأسيس حزب الشراكة والإنقاذ في العام 2017، لمجموعة أخرى من قيادات الإخوان المسلمين، منهم سالم الفلاحات، وهو مراقب عام سابق للجماعة أيضًا.

يصل الباحثون إلى خلاصة أنه وبالرغم من تشابه كبير في حيثيات التأسيس بين حزبي زمزم (الائتلاف الوطني لاحقًا) والشراكة والإنقاذ، إذ كلاهما وُلد من رحم الجناح المعتدل - الحمائم من حزب جبهة العمل الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين.

ويرون أن الحزبين ذهبا نحو مسارين متباعدين تمامًا، أحدهما لديه علاقات قوية مع مؤسسات الدولة (حزب زمزم)، وقام بعملية اندماج مع حزب الوسط، برغبة من قبل الحكومة، ويبتعد عن الخط الصدامي مع الحكومات، بينما الآخر على النقيض من ذلك ذهب نحو العمل الاحتجاجي وتقارب مع المجموعات الحراكية الشعبية.

السلفية التقليدية: التكيّف مع سياسات "ما بعد الربيع العربي"

سلط الكتاب الضوء على النفوذ والانتشار الذي تحقق للسلفية التقليدية في الأردن منذ وجودها في سبعينيات القرن الماضي، على اعتبار أن السلفية التقليدية أحد عوامل صناعة الأمن والاستقرار، وعوملت كشريك في الاستراتيجية الثقافية الدولية المناهضة للتطرف والإرهاب.

وخلص إلى أنه وعلى مدى عقود حققت الإستراتيجية الأردنية نجاحًا كبيرًا بمنع تسييس الدين وتثويره، فباستثناء المكون السلفي الجهادي حافظت التيارات الإسلامية المتعددة في الأردن على نهج سلمي وتعاوني في علاقتها مع الدولة، والإقرار بشرعية الدولة والحكم الهاشمي. ورغم بروز توترات في لحظات تاريخية هامة في علاقة الجماعات الإسلامية مع النظام، فقد بقيت التيارات السلفية التقليدية والسياسية وجماعة الإخوان المسلمين في أحلك اللحظات إبان الاحتجاجات الشعبية الواسعة، التي اجتاحت الأردن كإحدى موجات الربيع العربي، ملتزمةً بخيار سلمي يطالب بإصلاح النظام الملكي، دون الانقلاب عليه.

تحولات التيار الجهادي منذ صعود تنظيم داعش

يتناول الكتاب في هذا الفصل التيار السلفيّ الجهاديّ الذي شكل أحد أكبر التحديات الأمنيّة الداخليّة منذ تشكلاته الأولى في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وتطرق إلى تأثير الحرب في سوريا على التيار وتأسيس جبهة النصرة في العام 2012، وتمكنها من استقطاب أعداد كبيرة من الأردنيين، من أبناء التيار الجهادي ومن خارجه، من المتعاطفين مع القضية السورية، من خلفيات متنوعة.

ولم يغفل الكتاب انهيار دولة داعش وانعكاساته على التيار الجهادي الأردني، وبالرغم من تراجع خطر تنظيم داعش، يذهب الكتاب إلى التنبيه من الخطر غير المباشر وهو الفكر الداعشي وما ينبثق عنه تطرف فكري وتطرف عنيف وعمليات إرهابية.

واللافت في هذا الفصل، أنّ التوجهات الجهادية الأردنية عمومًا تميل إلى العمل في الخارج (ما يسمى بـ "الجهاد التضامني") أكثر من العمل في الداخل، وهذا بدا بشكل جليّ مع تيار المقدسي، الذي تبنّى رفض العمل المسلح في الأردن، بخلاف التيار الداعشي (الذي يسير على خطى الزرقاوي)، وجعل الاهتمام الرئيس منصبًّا في الخارج، متى ما فُتح باب للقتال هناك، إلاّ أن الأولوية تبدو في العمل الخارجي. لكن من الضرورة الإشارة أيضًا إلى أن الاستدارة أو المراجعات التي حدثت لدى التقليديين لم تصل إلى مرحلة الأصول والقواعد، ولا إلى مرحلة الإعلان والرعاية الرسمية من قبل الدولة، بل بقي كل من المقدسي وأبي قتادة الفلسطيني ملتزمين بالبنية الصلبة للأيديولوجيا الجهاديّة.

وحول آليات المعالجة، رغم نجاح السلطات في الأردن الوقوفَ في وجه العديد من العمليات والمحاولات الإرهابية، إلاّ أنّ المقاربة الأمنية لم تستطع أن تحول دون تمدد الفكر الداعشي وتغلغله وتأثيره على آلاف من الشباب الأردني، والأدهى والأمر -حسب الكتاب- أنّ غالبيتهم من الشباب الجامعيين وطلاب الجامعات والعاملين.

يرى الكتاب أن هذا يشير إلى فجوات كبيرة في سياسات مكافحة الإرهاب والتطرف في الأردن، وأبرزها الاقتصار على المنظور الأمني في النظر إلى الظاهرة الجهادية الأردنية، واستبعاد المجتمع المدني والمتخصصين في كثير من الحقول من العمل في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، مما يضعف المقاربات الرسمية ويحول دون الاستثمار في موارد فكرية وعملية ومالية مهمة ومفيدة.

حزب التحرير.. تصلّب الأيديولوجيا في سياق الثورة والديمقراطية

حزب التحرير هو أيديولوجية دينية سياسية وجماعة إسلامية "راديكالية"، ترفض المشاركة السياسية والأعمال القتالية، ورغم رفض حزب التحرير لاستخدام العنف المسلح لتحقيق أهدافه النهائية، إلا أنه محظور في الأردن بسبب نهجه الراديكالي الانقلابي ورفضه المشاركة السياسية ومناهضة الديمقراطية، وهو حزب محظور في العديد من البلدان.

لم يحقق الحزب تفاعلا وانتشارا في الأردن وبحسب الكتاب يعود ذلك إلى تصلب حزب التحرير الأيديولوجي، وطبيعته السياسية الراديكالية ونهجه الانقلابي وجمود هيكليته وتكوينه التنظيمي الطليعي السري، بقي الحزب منذ تأسيسه نخبويًّا، ولم ينجح بالتواصل والتفاعل مع الجماهير، وهو ما أفسح المجال لظهور حركات إسلامية أكثر مرونة وبراغماتية كالإخوان المسلمين، أو جماعات أشد راديكالية وثورية قتالية كالسلفية الجهادية، وقد تراجع الحزب خلال السنوات التي أعقبت ثورات الربيع العربي، وهو اليوم يعاني من حالة من الجمود بسبب الحظر المفروض عليه والقيود القانونية والملاحقات الأمنية، وبسبب الخلافات والانشقاقات التي تسببت بها التحولات الديمقراطية والثورات الشعبية.

ظاهرة الإسلاميين الإلكترونيين

وأشار الكتاب إلى بروز ظاهرة "الإسلاميين الالكترونيين"، إذ يمتلك بعض المؤثرين "Influencers" جمهورًا كبيرًا، يتجاوز كثيرًا في تفاعله مع القضايا المطروحة، ما تقوم به العديد من الأحزاب التقليدية، ولم يتردد العديد من الدعاة الإسلاميين في الاشتباك مع قضايا عامة، مثل قانون الأحوال الشخصية وقانون الطفل والعديد من القضايا الأخرى، وظهر لهم حجم تأثير ملحوظ في تأطير النقاش العام، بل والتأثير على السياسات الرسمية.

كما أفرد الكتاب مساحة للحديث عن سمات البيئة السياسيّة المحيطة بالحركات الإسلامية من تعامل أمني إلى الاحتواء والتوظيف، ومن العوامل البارزة الجيوسياسية كالعامل الإسرائيلي، المؤثر بصورة ملموسة على السياسات الأردنية.

ويعتبر الكتاب أن وجود إسرائيل على الحدود الأردنية، مع ما تحمله القضية الفلسطينية من ثقل رمزي وسياسي واستراتيجي وجغرافيا ديمغرافي، ولّد العديد من السمات والخصائص للسياسات الأردنية، لكن إحدى هذه السمات يتمثل في وضع "قيود" على العملية الديمقراطية وفيما يمكن أن تصل إليه، وهي قيود مرتبطة بداية بطبيعة نظام الحكم وهواجسه التاريخية وهي أيضًا مرتبطة بإسرائيل والقوى الدولية والسياسة الخارجية.