منح
الله عباده ملكات مختلفة، ومنّ على بعضهم بالحس الفني وموهبة الرسم، فوهبهم القدرة
على التعبير عن أفكارهم وتوجهاتهم أو معاناتهم، فتقدم الريشة لرسامها أملا من رحم الألم،
وإبداعا من قلب المعاناة، وفي أوقات أخرى قد تتراقص الألوان على الورق لتجسد فرحة عمر،
ضحكة طفل، نظرة شاب، أو بسمة عجوز.
وقد
لا يملك الضعيف أحيانا من يأخذ بيده، وقد لا يجد المكلوم من يمسح على رأسه، وقد يصمت
العالم في حين أننا بأمس الحاجة إلى الكلام.
أن تحسن
استعمال الريشة، يعني أنك تمتلك مكبرات صوت متصلة بآذان العالم أجمع، وأنك جزء صاخب
من حكاية صامتة، وروح نابضة بين أرواح متعبة، وخط أبيض وسط سواد حالك لا أحد يكترث
لسواده.
الفنان
الطبيب
قد يعاني
الفلسطيني من صمم الآخرين، فلا يسمعون صراخه، لكنهم ومن خلال لوحة صامتة، يَرَون ما
هو أبلغ من الكلام، وما هو أعلى من الصراخ، وما هو لامع أكثر من أضواء الصواريخ، ورنان
أكثر من الضرب على حديد القضبان.
يعد
عز الدين لولو، طالب الطب والفنان التشكيلي الفلسطيني، أول رسام في فلسطين يرسم لوحات
رقمية بطريقة "الزوم"، ويتخذ من لوحاته منبرا لينقل من خلاله قصة الفلسطيني
المحتل، وحكاية المعاناة الفلسطينية التي يعيش جزءا منها.
آخر
ما رسمه عز الدين، كان لوحة رقمية تجسد الاعتداءات بحق المعتكفين والمصلين بالمسجد
الأقصى، بدأت اللوحة بصورة للمسجد الأقصى، وانتهت بالاعتداء من قبل الإسرائيلين على
إحدى النساء الفلسطينيات المعتكفات، ونرى في هذه اللوحة الواحدة العديد من اللوحات،
ينتقل بينها على خلفية الصوت الحقيقي للمشهد، من الصراخ والنحيب، إلى الهتافات والتكبيرات،
التي يضيف صوت البارود عليها إيقاعا مرعبا.
يرى
الفنان الفلسطيني عز الدين لولو، أنه من الواجب عليه أن يستعمل موهبته، ليوصل من خلالها
معاناة الشعب الفلسطيني، بطريقة تتناسب مع هذا العالم السريع، بحيث تتخلد هذه المعاناة
في أذهانهم خلال دقائق معدودة.
وأضاف
في حواره لـ"عربي21": "أنا أختار القضايا التي تحتاج منا وقفة
حقيقيّة، وما أكثر هذه القضايا في بلادي".
وعن
لوحته الأخيرة قال عز الدين: "حاولت من خلال الرسم أن أُظهر غطرسة الاحتلال الإسرائيلي
في اقتحاماته للمسجد الأقصى وطرده للمصلين، وحاولت جمع المشاهد المنتشرة للاعتداءات
في لوحة واحدة، ثم انتشرت اللوحة على نطاق واسع، وتحقق المطلوب، فوصلت الصورة الواضحة
والحقيقية للناس، بل وتغيرت الكثير من المفاهيم المغلوطة عند البعض في المجتمعات الأخرى
عن واقعنا وحياتنا".
وعن
ما دفعه لرسم هذه اللوحة، أجاب عز الدين: "كنت أرى فرشاتي تعبر بطريقة بليغة عن
رأيي، ولهذا قمت برسم هذا العمل الفني".
أما
رسام الكاريكاتير الفلسطيني علاء اللقطة، فقد كان له رأيه في هذه اللوحة، وقد عبر عن
إعجابه بها، ورأى أن "ما يميز فنانا عن غيره هو مدى قدرته على التطوير، سواء
في الأفكار أو في الأدوات، وما يميز هذه اللوحة هو الإبداع والتجديد في فن الرسم عموما،
والكاريكاتير تحديدا، وتطويع الأدوات والتقنيات الحديثة لخدمة هذا الفن".
وأضاف
في حديثه لـ"عربي21": "الفنان الطبيب عز يأخذنا من خلال هذه اللوحة
في رحلة فنية تنتهي بالهدف الذي يريد أن يوصله في نهاية المطاف، وهي رحلة بلا شك مشوقة،
ثرية بالإبداع، بعيدة عن التكلف، سهلة الانتشار، وسريعة الوصول".
يقطع
الحواجز دون أن يقطعها!
تتيح
لنا التكنولوجيا فرصة التنقل والسفر حول العالم، من خلال نقرة واحدة، وفي فلسطين قد
يصعب انتقال الجسد، فقد يكون بضاعة ثقيلة لا تقوى الحافلات أو الطائرات على حملها،
ولكن قد يساعد التطور الحالي على نقل ما تحمله هذه الأجساد من معاني عبر الإنترنت.
أكد
على ذلك الفنان علاء اللقطة، وبيّن أن "الاحتلال يمكنه منع الأشخاص من السفر بأجسادهم،
لكنه لا يستطيع حصار أفكارهم ومنعها من التحليق، لا سيما أننا نعيش ثورة الاتصال الحديثة".
وأضاف
اللقطة: "إن الرسم لغة عالمية لا تحتاج لترجمان، ولا تحدها حدود، إذ سقفها السماء،
وقد ساهم هذا الفن في دحض الروايات الكاذبة وتثبيت الرواية الحقيقية والحق الفلسطيني".
من جهته، أوضح عز الدين أن الاحتلال الإسرائيلي
كان أكبر عائق وقف أمامه في مسيرته الفنية، وأن سياساته قد منعته من السفر، فقال:
"أكثر من فرصة سفر ضاعت مني بسبب المعابر
المغلقة، والحدود المفروضة علينا، لذلك استخدمت السوشيال ميديا لإيصال صوتنا للعالم".
وأردف
الفنان الفلسطيني: "رسم الزوم أسلوب مؤثر وقوي أكثر من غيره، لأنه يجمع أكثر من
مشهد في عمل واحد، ويستطيع إيصال الرسالة بصورة متكاملة، يفهمها الجميع وكأنها لغة
عالمية".
دور
الفنان الحقيقي المهموم بقضيته وشعبه يكمن في استغلال كل ما هو متاح له من أساليب ومقومات
لدعم عدالة قضيته.