كتاب عربي 21

في ذكرى النكبة.. نكبتنا ونكبة فلسطين!

استخدم ضباط 23 يوليو قضية "الأسلحة الفاسدة" لتبرير الانقلاب- جيتي
ما زلت أتذكر مدرس مادة التاريخ الأستاذ العجمي عبد العال، وكنا في الصف السادس الابتدائي (عام 1978)، وهو يشرح لنا طريقة عمل "الأسلحة الفاسدة" في حرب فلسطين؛ إذ كان المقاتل المصري يطلق الرصاص على العدو، فيرتد لصدره!

وإذ ظلوا يستخدمون وصف "الأسلحة الفاسدة" بعد ذلك، فقد كنت أستبعد صحة شرح "الأستاذ"، أو ما ورد في المنهج الدراسي، مع التسليم بفكرة "الأسلحة الفاسدة" هذه، وأعتبر أن ما ذُكر كان تبسيطا للحال لتقبله عقول الأطفال!

وبعد أن كبرنا علمنا أن ما ذكر ورد في التحقيقات الرسمية، وفي حملة صحفية ضخمة بمجلة "روزا اليوسف" استمرت 22 عدداً. لكن اللافت حقاً أنه استمر تدريس ذلك حتى بعد التحقيقات الرسمية التي وضعت الأمور في نصابها، كما استمرت الدراما المصرية تعتمد هذه الخيانة التي تعرض لها الجيش المصري في فلسطين، بعد أن حصحص الحق وتبين الرشد من الغي!

استُخدمت قضية "الأسلحة الفاسدة" في تبرير الانقلاب العسكري الذي وقع في تموز/ يوليو 1952، فالحكم الخائن هو الذي دفع بهذه الأسلحة التي حصدت أرواح الضباط البواسل في أرض في فلسطين، وكان فساده سبباً في الهزيمة، وعليه قرر الضباط الأحرار أن المعركة الحقيقية في مصر وليست على أرض فلسطين، فإذا تحررت القاهرة أمكن هزيمة العدو المغتصب للتراب الفلسطيني!
حملة روزا اليوسف:

النكبة التي تعرضت لها فلسطين، وإن كانت نكبة للأمة كلها، إلا أن هذا ليس وحده الذي يجعلني أقول في عنوان هذا المقال "نكبتنا.."، فقد استُخدمت قضية "الأسلحة الفاسدة" في تبرير الانقلاب العسكري الذي وقع في تموز/ يوليو 1952، فالحكم الخائن هو الذي دفع بهذه الأسلحة التي حصدت أرواح الضباط البواسل في أرض في فلسطين، وكان فساده سبباً في الهزيمة، وعليه قرر الضباط الأحرار أن المعركة الحقيقية في مصر وليست على أرض فلسطين، فإذا تحررت القاهرة أمكن هزيمة العدو المغتصب للتراب الفلسطيني!

الحملة فجّرها إحسان عبد القدوس في مجلة "روزا اليوسف"، ونقلتها عنه الصحافة المصرية في ذلك الوقت (بداية من أيار/ مايو 1950)، وقد قيل إن جمال عبد الناصر شوهد كثيراً في مكتب "إحسان"، لا نعرف ما إذا كان أحد مصادر المعلومات المنشورة، أم أنه جاء للتعرف على الكاتب ويشد على يديه، وهي العلاقة التي بدأت بينهما منذ ذلك التاريخ، ولعله وهو "الأستاذ" ظن أنه سيمارس هذه الأستاذية على الضباط الشبان بعد أن استغلوا أزمة الأسلحة الفاسدة في الانقضاض على السلطة، وقبول الرأي العام بحركتهم المباركة، فكتب مقاله "الجمعية السرية التي تحكم مصر"، ودفع ثمنه الزج به في السجن بقرار من عبد الناصر نفسه!

لقد وجد العهد الجديد أن قضية "الأسلحة الفاسدة" مكّنته من الإطاحة بالعهد البائد، ألا وقد وُسِّدَ الأمر إلى الضباط الشبان، فليسوا بحاجة إلى من يطوق رقابهم بجميله. ولا يدعي "إحسان عبد القدوس" أنه كان يملك مستندات على ذلك، فمن الواضح أنه كان ضحية لأكاذيب ضباط أرادوا وصم عهد بالخيانة، تمهيداً للانقلاب عليه، أيضاً لتبرير هزيمتهم، فنسجوا الحكايات التي أمدّوا بها الكاتب، وهو ما تبين عدم صحتها، وبالأحرى عدم دقتها!

لقد قررت مصر خوض حرب فلسطين، وربما كانت القيادة السياسية مضغوطا عليها من جانب الرأي العام، لكن الجيش لم يكن مؤهلاً لذلك، ليقول محمد نجيب في مذكراته: "لم يكن هناك شيء يمكن أن نكسبه من ورائها، بل بالعكس، كان هناك الكثير مما سنخسره، بسبب ضعف قوتنا العسكرية".

قررت مصر خوض حرب فلسطين، وربما كانت القيادة السياسية مضغوطا عليها من جانب الرأي العام، لكن الجيش لم يكن مؤهلاً لذلك، ليقول محمد نجيب في مذكراته: "لم يكن هناك شيء يمكن أن نكسبه من ورائها، بل بالعكس، كان هناك الكثير مما سنخسره، بسبب ضعف قوتنا العسكرية"
ويرى نجيب أنه كان من الأفضل خوض حرب من حروب العصابات، مع بقية فصائل المقاومة العربية، "فهذه الطريقة كانت ستمنع تشجيع الهجرة اليهودية الى فلسطين، صحيح أنه لن يكون بمقدورنا، مع حرب العصابات، أن نكسب الجولة، لكن على الأقل لم نكن لنهزم هذه الهزيمة الساحقة".

عدم التدريب:

إن رئيس مصر الأسبق يرسم صورة للوضع المزري الذي عاشوه في فلسطين، من حيث ضعف الأسلحة والمهمات التي تحت أيديهم، "وأحيانا لم يكن في استطاعتنا استخدام بعض المدافع الإنجليزية بسبب نقص القذائف، وكانت الدبابات التي نركبها تقف عاجزة عن الحركة لعدم وجود قطع غيار لها، حتى القنابل اليدوية التي استوردناها من إيطاليا كانت سيئة الصنع لدرجة أنها كانت تنفجر في وجوه الجنود، أما البنادق التي اشتريناها من إسبانيا فكان يرجع تاريخ صنعها الى عام 1912".

لقد كان نجيب في هذا الفصل من مذكراته مشغولاً بالبحث عن تبرير لما فعلوه من عزل الملك، وقد استغرقه في الحديث عن فساده، لكن الحقيقة المؤلمة رواها الفريق سعد الدين الشاذلي وكان من المشاركين في حرب 1948: "إن الجنود فشلوا في استعمال القنابل فاعتبروها فاسدة". وقال خالد محيي الدين في مذكراته أيضاً: "الجيش لم يكن يتدرب على إطلاق النار إلا مرة واحدة في العام، لذا لم يكن مؤهلاً للحرب على الإطلاق". وقد كشفت التحقيقات أن القنابل الإيطالية لم تسلم للوحدات خلال الحرب.

عندما فجّر "إحسان عبد القدوس" قضية الأسلحة الفاسدة، قررت الحكومة إحالة الملف إلى النيابة العامة، وصدر الحكم في جانب منها في سنة 1951 حيث برّأت المحكمة جميع المتهمين في قضية جمع الأسلحة من الصحراء!

والأهم أن الجزء الثاني استمر إلى ما بعد الثورة، وكان نجيب حريصاً أن يأخذ التحقيق مجراه، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 1953 وبعد قيام الثورة، برّأت المحكمة جميع المتهمين عدا ضابطين أدينا بالإهمال!
الجيش المصري لم يكن مؤهلاً لهذه الحرب، وكان يفتقد للتدريب، لكنه عندما هُزم كانت ذريعة الأسلحة الفاسدة، التي استُخدمت في انقلاب عسكري، لا زلنا ندفع فاتورته الباهظة من لحم الحي إلى الآن!

إن أزمة جمع الأسلحة للحرب شابها الكثير من الإهمال والقصور بعد قرار مجلس الأمن بحظر توريد الأسلحة للدول المتحاربة، فكان فتح الباب للحصول على الأسلحة من الأبواب الخلفية، ومن جمع الأسلحة التي خلّفها الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، ومن شركات سويسرية ووسطاء إيطاليين، وهي أسلحة كانت لا تعمل لكنها لا تنفجر في صدور الجنود المصريين، وإن كانت بقيت في المخازن ولم يتم استخدامها في الحرب.

فالجيش المصري لم يكن مؤهلاً لهذه الحرب، وكان يفتقد للتدريب، لكنه عندما هُزم كانت ذريعة الأسلحة الفاسدة، التي استُخدمت في انقلاب عسكري، لا زلنا ندفع فاتورته الباهظة من لحم الحي إلى الآن!

وإن مسّ الفلسطينيين قرح من جراء النكبة فقد مسّنا قرح مثله، فالاحتلال يدفع الشعور الوطني للمقاومة، فماذا إذا كان الحاكم وطنياً، يتحدث عن الوطن، والحرية، والرخاء؟!

إنها نكبتنا أيضاً!

twitter.com/selimazouz1