سياسة عربية

أكاديمي مصري يقترح بيع "عاصمة السيسي" الإدارية.. هل تنقذ الاقتصاد؟

تشكيك بقدرة العاصمة الإدارية على إنقاذ الاقتصاد- جيتي
طرح أكاديمي مصري فكرة طرح أسهم شركة "العاصمة الإدارية الجديدة" التي يبنيها رئيس النظام الحالي عبدالفتاح السيسي، على بعد 60 كيلومترا من العاصمة المصرية القاهرة، للبيع في السوق العالمي، كإحدى السيناريوهات المحتملة لحل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة بأكبر بلد عربي من حيث السكان (نحو 105 ملايين نسمة).

أستاذ التمويل بجامعة الإسكندرية، وعضو "لجنة الرقابة على الصكوك السيادية" المصرية الدكتور السيد الصيفي، دعا الحكومة المصرية إلى طرح العاصمة الإدارية الجديدة للبيع بدلا من بيع الشركات والأصول السيادية المصرية.

ومنذ 8 شباط/ فبراير الماضي، تسعى الحكومة المصرية لبيع 32 شركة مملوكة للدولة بينها شركات تابعة للجيش المصري في البورصة أو لمستثمر استراتيجي على مدار عام تشمل 18 قطاعا ونشاطا اقتصاديا، فيما جرت زيادة العدد إلى 40 شركة.

وتأتي فكرة طرح الأكاديمي المصري والأستاذ الزائر السابق بجامعة "هارفارد"، لأسهم شركة العاصمة الإدارية في الوقت الذي تعثرت فيه الكثير من صفقات الطروحات تلك بسبب خلافات بين المستثمرين والصناديق الخليجية مع الحكومة المصرية على طرق التقييم للصفقات بالعملة المحلية الجنيه أم الدولار.

"حل مشاكل مصر"

واقترح الصيفي، عبر صفحته على "فيسبوك"، طرح أسهم شركة العاصمة الإدارية للبيع في السوق العالمي، بعد تسجيلها بالبورصة المصرية وبورصات نيويورك ولندن، معتقدا أنه بذلك يمكن "حل جميع مشاكل مصر".

وطالب بعدم الاعتماد على المستثمرين العرب فقط وتعديهم للأجانب، بعرض سهم العاصمة الإدارية بحملة تسويقية وصفها بـ"المحترمة"، مع السماح للدول الدائنة بأن تشتري بقيمة ديونها أسهما بالعاصمة.

وحول تنفيذ فكرته أعلن تقييمه للعاصمة الإدارية بما عليها من أرض ومساكن بـ800 مليار دولار، مطالبا بطرح 400 مليار سهم، قيمة السهم دولاران، ملمحا إلى أنه بذلك يبلغ سعر المتر أرضا ومباني 800 دولار فقط، وهو الأقل بكثير من دبي في الإمارات.

وأشار إلى إمكانية استغلال أزمة ارتفاع أسعار السكن في العالم، ضاربا المثل بسعر المتر في الريفيرا بفرنسا (58 ألف دولار)، وهونغ كونغ (50 ألف دولار)، ونيويورك (30 ألف دولار)، ودبي (10 آلاف دولار).

طرح الصيفي، يرى فيه أن العاصمة الإدارية يمكن أن تغير واجهة مصر، وقد "تُدخل شركات تتحكم في خيرات أفريقيا بالكامل بتواجدها بالعاصمة الإدارية"، مشيرا إلى أنه يمكن استغلال جزء منها للتصنيع بأنواعه، ولشركات التوكيلات العالمية.

ويعتقد أن العاصمة الإدارية مع مرور الوقت ونتيجة التشغيل ستحول مصر إلى قبلة استثمار عالمية واصفا إياها بـ"هونغ كونغ الجديدة"، داعيا لوجود تصور احترافي لما ينبغي أن تكون عليه العاصمة الإدارية.

وأكد أنه بطرح العاصمة الادارية للبيع، ليس لدينا أي دافع لبيع شركات حالية منتجة، مبينا أن فكرته قد تواجهها مشكلة تسويقية بسبب دول لم يسمها وقال إنها "ترغب في الاستحواذ على مقدرات الشعب المصري بثمن بخس".


"النتيجة واحدة"

السياسي والبرلماني المصري السابق الدكتور ثروت نافع، في تعليقه على طرح الدكتور الصيفي، قال: "لا أعلم مدى جدية هذا الاقتراح"، متسائلا عن "حجم القيمة السوقية للعاصمة الجديدة أو العائد الذي تطرحه".

وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "إلا إذا كان صاحب المقترح يقصد بيع أراض في العاصمة الإدارية، أما شركة العاصمة فلا أعتقد أنها تدر ربحا بعد حتى تُطرح أو يكون لها فرصة استثمارية".

من جانبه مؤسس "الحركة الليبرالية المصرية"، تساءل مجددا عن الأسباب التي تدفع أي مستثمر لشراء أسهم في هذه الشركة، والعائد الذي سيعود عليه، معتقدا أنه "لذلك لا أجد هنا جدية لهذا الطرح".

نافع، لفت إلى شيء آخر، موجها تساؤله لصاحب الفكرة: "ما الفارق بين مطالبته بطرح أراضي العاصمة الإدارية وبين ما يجري طرحه من أصول مصرية أخرى، فهذه أرض مصرية أيضا، وذلك إذا كان يقصد بيع الأراضي في العاصمة الإدارية فنحن هنا سنبيع أراضي مصرية أيضا".

وختم حديثه بالتأكيد على أن "الوضع المصري الحالي سيئ جدا، وكل الاقتراحات تصب في نفس النتيجة، وهي بيع أصول مصر أو أراض مصرية"، مشددا على أن "الوضع لا بد أن يبدأ بتحسن الوضع السياسي قبل الاقتصادي"، مؤكدا أن "الحل سياسي أولا قبل الاقتصاد".

"ليست جديدة"

فكرة طرح أسهم من العاصمة الجديدة بالبورصة المحلية قائمة منذ فترة، وأعلن عنها رئيس النظام المصري بنفسه، على غرار طرح أسهم شركة "أرامكو" السعودية عملاق النفط، لكنه لم يتم تطبيق الأمر في مصر رغم الإعلان عن موعدين للتنفيذ.

في 14 آب/ أغسطس 2021، أعلن السيسي، عن خطط لطرح شركة العاصمة بالبورصة المصرية، مبينا أنها تمتلك 100 مليار جنيه أموالا سائلة بالبنوك، وأصول تتراوح من 3 إلى 4 تريليونات جنيه.

وفي اليوم التالي، تحدث اللواء أحمد زكى عابدين رئيس الشركة عن طرح نسبة من الأسهم منتصف 2022، كأكبر طرح بتاريخ البورصة المحلية، مع ترويج خارجي لأسهم الشركة.

وفي 3 آذار/ مارس 2022، وقبل التنفيذ بـ3 أشهر أوضح عابدين، أنه سيجري تحويل شركة العاصمة لشركة قابضة، وطرح الشركات المنبثقة منها بالبورصة، كشركة للمياه، والكهرباء، والغاز، بجانب المباني، ومحفظة الأراضي التي تصل وحدها 220 ألف فدان.

وحينها أعلن عابدين، عن تعيين بنك الاستثمار "سي آي كابيتال" مستشارا للطرح، لكنه أكد أن ذلك سيتم خلال عامين، لكن مع مغادرة عابدين، منصبه في آب/ أغسطس 2022، لم يصدر أي حديث رسمي عن طرح أسهم العاصمة بالبورصة المحلية أو الأجنبية.

شروط

وحول مدى وجاهة مقترح الصيفي، بطرح أسهم العاصمة الإدارية في البورصة المحلية والعالمية، وامكانية تنفيذه، أكد الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالنبي عبدالمطلب، أن هناك إمكانية ولكن على الشركة توفيق أوضاعها حتى يسمح قانونها بأن تكون شركة مساهمة مصرية لها الحق بطرح أسهمها بالبورصة".

وكيل وزارة التجارة الخارجية المصرية للبحوث الاقتصادية، يعتقد في حديثه لـ"عربي21"، أن "الفكرة رغم أنها لا بأس بها فقد تفيد الشركة نفسها حيث إن الإقبال على أسهمها سيؤدي لتوفير العملات الصعبة لاستكمال مشاريعها".

وأوضح أن "العاصمة نفسها ستكون مصدر جذب كمنطقة استثمارية، مع إمكانية توسعها كألا تبقى كعاصمة فقط؛ ولكن أن يكون بها مجموعة أحياء للمال والصناعات، وللشركات العالمية والسفارات، ومنطقة جذب لمجموعة فنادق عالمية أو لتأجير أماكن تصلح لفنادق، المطلوب فقط أن توفق الشركة أوضاعها".

"هل تنقذ الأصول؟"

وفي إجابته على التساؤل "هل ينقذ هذا المقترح أصول مصر المنتجة من الضياع، أو يوقف موجة الاستغناء عنها وبيعها؟"، لفت عبدالمطلب، إلى أن "شركة العاصمة طبقا لكل التصريحات ذات طبيعة خاصة".

وأوضح أنه، "لا أحد يقول إنها ممولة من الموازنة العامة أو مملوكة بالكامل للدولة، ما يطرح بعض التساؤلات التي تحيط بالشكل القانوني لشركة العاصمة"، متسائلا: "هل يمكن استخدام العوائد من البيع لأسهمها لسداد عجز الموازنة أو سداد الديون؟".

وقال إن "الإجابة على هذا السؤال تتوقف على مدى ملكية الدولة للشركة، وعندها يحق طبقا للقانون الأساسي أن يتم ترحيل أرباحها للموازنة العامة"، مضيفا: "وفي ظل عدم وضوح هذه الرؤية لا توجد إجابة عندي".

وبشأن قبول حكومة السيسي، ببيع أسهما في العاصمة الجديدة، يرى عبدالمطلب، أنه "إذا كانت الشركة تابعة للحكومة ولها كامل الولاية عليها فيمكن للحكومة أن تدرس الأمر، الذي يحتاج لدراسات جدوى كبيرة"، نافيا أن  يكون لصندوق النقد الدولي دخل بهه الجزئية لأنه أمر داخلي.

"الفرص بالعاصمة"

وعن فرصة اقبال المستثمرين الأجانب والشركات العالمية أو حتى الأشخاص في الاستثمار بالمنشآت بالعاصمة الإدارية والشقق السكنية والأبنية قال الخبير المصري إن الأمر "مرتبط بملف الاستثمار".

وأوضح أنه "منذ العام 2019، قدمت الحكومة تعديلات على قانون الجنسية المصرية وقدمت تسهيلات للحصول عليها بمقابل 250 ألف دولار، ومنها شراء عقار  بقيمة 300 ألف دولار، وبرغم هذه التيسيرات لم يكن هناك إقبال".

ويعتقد عبدالمطلب، أنه "في فترة من الفترات عندما تبدا الأمور في الاستقرار ويبدأ صندوق النقد الدولي في إعطاء صلاحية من خلال المراجعة الأولى لقرضه الأخير بقيمة 3 مليارات دولار  لمصر تبدأ تدفقات الأموال من الشركاء الدوليين والمؤسسات الدولية".

وقال: "ربما تكون العاصمة الإدارية مركزا لإدارة الاستثمار العالمي في ظل ظروف الاستقرار ومع تحقيق بعض المتطلبات؛ ممكن أن تتحول لسوق واعد لإدارة الاستثمار الأجنبي المباشر، وبوابة شركات صينية وروسية وأوروبية وأمريكية كبوابة لدخول أفريقيا بسهولة".

"أهمية العاصمة"

في وقت مبكر من فترة حكم السيسي الأولى (2014- 2018)، أعلن فكرة بناء العاصمة الادارية الجديدة عام 2015، كمدينة ذكية جديدة، بين إقليم القاهرة الكبرى وقناة السويس (تبعد عن كلتيهما 60 كيلومترا)، لتستوعب 40 مليون نسمة بحلول عام 2050.

مساحتها حوالي 170 ألف فدان ونحو 714 كم2، ما يعادل مساحة دولة سنغافورة، و4 أضعاف مساحة العاصمة الأمريكية واشنطن، فيما تتميز بالتصميمات الحديثة، وأنظمة توليد للكهرباء حال انقطاعها، واتساع الشوارع وسهولة التنقل منها وإليها، وتواجد الجهات الحكومية بها.

بالعاصمة الإدارية، مدارس وجامعات دولية، مثل مدرسة "منار هاوس"، و"المدرسة البريطانية الدولية"، وجامعات "ليفربول"، و"الكندية الجديدة"، و"الأمريكية الدولية"، بجانب حدائق وأماكن للتريض؛ مثل: "كابيتال بارك".

كذلك بها مركز سيطرة وتحكم أمني عبر 6 آلاف كاميرا، ومدينة للفنون والثقافة بمساحة 127 فدان تتضمن دارا للأوبرا ومسرحا للموسيقى، مع مدينة طبية، ومركزا للمؤتمرات، ومدينة للمعارض، ومولات تجارية، وحديقة حيوانات، ومدينة ديزني لاند، ومتاحف للفنون والعلوم والتكنولوجيا.

وبها نظام ذكي لجمع المخلفات، وشبكة مواصلات عامة، وشبكة ربط بسكك حديد مصر، وأيضا مشروع القطار الكهربائي، ومطار دولي، بجانب وجود حي خاص بالمال والأعمال الذي يضم مباني ووحدات تجارية وترفيهية وسكنية، ومقرات بنوك ومؤسسات مالية، ومقرا للبنك المركزي.

وإلى جانب برج العاصمة الأعلى بأفريقيا بارتفاع 385 مترا، هناك النهر الأخضر، أطول سلسلة حدائق بالعالم والذي يتوسط العاصمة بمساحة 1000 فدان وبطول 10كم2.

وهناك الحي الحكومي، المكون من 18 مبنى وزاريا ومبنى لمؤسسة الرئاسة ومبنى للبرلمان ومبنى لمجلس الوزراء.